قراءة في ما وراء تحركات المملكة المتحدة ومشاريعها الأممية بشأن اليمن (تحليل خاص)

[ السفيرة كارين بيرس- مندوبة المملكة المتحدة بالأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، أثناء جلسة بشأن اليمن ]

 
أملت تحركات المملكة المتحدة من خلال مشاريع القرارات الأممية التي تتبناها ازاء محافظة الحديدة (الموانئ، والموقع الهام والاستراتيجي؛ والترابط العضوي بينها والبحر الأحمر، وخليج عدن، ومضيق باب المندب- ذي القيمة والأبعاد الجيوسياسية، والانسانية والتجارية)، مسائل مهمة وخطيرة، على مستوى الحرب الدائرة بين الدولة اليمنية والحوثية من جهة؛ أو- من جهة أخرى- على مستوى العلاقات الدولية والإقليمية لليمن، وفيها وعليها معا. وبالأخص مسألتي الوزن والتوازن الجيو-استراتيجي لليمن، أرضا وإنسانا.
 
وهو ما سنركز عليه في هذه التناولة السريعة:  
 

الحديدة في قلب الاستراتيجيات الدولية
 
 تكمن أهمية محافظة الحديدة- ذات الإطلالة البحرية والأهمية الاستراتيجية اقتصاديا وسياسيا وجغرافيا- في تربعها على ساحل البحر الأحمر، الذي تشاطئ وتشاطر اليمن إياه، دولٌ عربية مختلفة، حتى وُصف بأنه بحيرة عربية خالصة، ما جعله في صلب استراتيجيات الدول الكبرى والإقليمية ذات النفوذ والهيمنة، وحتى الساعية للهيمنة والنفوذ...
 
وذلك، ليس لجهة موقعه في خارطة وتضاريس التجارة والاقتصاد العالمي فحسب- حيث مرور أكثر من 30% من التجارة العالمية خلاله على مدار اليوم- بل وتعاضده مع خليج عدن والبحر العربي، فالمتوسط، والهندي، وأعالي البحار، وما يعزز كل ذلك من الاستقرار والسلم العالمي والأمن المجتمعي، ناهيك عن القوة ووسائل حيازتها، وفرصها الممكنة والكامنة، على حد سواء.
 
وعليه، فالحديدة تكون في قلب تلك الاستراتيجيات، وتقاطعاتها وتجاذباتها أيضا. ولذا فإنها تعتبر بمثابة المدخل لإعادة تموضع وترتيب للقوى المحلية والدولية معا. سيما وهي تمثل مرتكز للضبط والسيطرة والتحكم في مسألتي الوزن والتوازن الجيوسياسي لليمن (الدولة)، وصولا للدول الإقليمية والقوى الدولية برمتها؛ دولا كانت، أم منظمات من غير الدول.
 

تلاعب وتحوير في الوزن والتوازن الجيو-استراتيجي
 
وبالنظر إلى اهتمام ونشاط المملكة المتحدة، وحتى الأمم المتحدة- كفاعل دولي من غير الدول- نلحظ تبني مشاريع قرارات أممية مرتكزها الحديدة؛ موقعا وموانئا. حيث تمثل مسألتي الوزن والتوازن السياسي بؤرتها المركزية، رغم الايحاء العالي بصبغته الإنسانية وهدفه المركزي إعلاميا. بينما تحركات المملكة المتحدة تسعى وتهدف، في حقيقتها، الى النيل من الموقع الجيواستراتيجي والسياسي لليمن، وتأثيره الإقليمي والدولي ككل. وذلك عبر إكساب الحوثية وزنا سياسيا واجتماعيا على حساب الموقع الجيواستراتيجي لليمن ارضا وإنسانا.
 
فالحوثية، مع أنها ذهبت لتوقيع اتفاق استوكهولم مجبرة؛ ولمحاولة إيجاد ثغرة في جدار الموقف الدولي الرافض لإجراءات السطو المنظم من قبلها، والمتجسد في القرارات الأممية ذات الصلة وأهمها القرار"2216"؛ نجد القرارات المتبناة من المملكة المتحدة، بعد استوكهولم- (هناك مشروع قرار بريطاني آخر لم يصدر حتى لحظة كتابة هذا)- تصب في صالح الحوثية. وذلك عبر تبنيها كجزء وركيزة أساسية في إيجاد حل وصيغة أي تنفيذ لأي قرار، سبق توقيع استوكهولم، أو بعده !!
 
 والأخطر في كل ذلك، يكمن في رهن مسألتي الوزن والتوازن السياسي والمجتمعي لليمن- الدولة والمجتمع- بمدى مخصوص لوزن وتوازن المصالح الحوثية ابتداء !!
 
فمشروع القرار هنا، يعرض اليمن- الدولة والمجتمع- وزنا وتوازنا، عبر التعريض بالجيش والأمن؛ لا بوصفهما العمود الفقري للدولة اليمنية ومن له حق تمثيلها؛ بل وجعلهما كالحوثية؛ رهنا لسلطة غاشمة غير شرعية ولا تمتلك أي مشروعية بكامل أراضي اليمن وموانئها ومطاراتها وعلاقاتها، ولا تمثيلها لحق الشعب وإرادته؛ وصولا الى تعريض مسألة التوازن ذات الأبعاد الاستراتيجية الداخلية، كركيزة اساسية وحيوية في الاستقرار والأمن وعودة السلام المنشود لليمن، من خلال وضع المصالح الحوثية مساوية، أو تتفوق على مصالح اليمنيين جميعا، وبمختلف توجهاتهم وفئاتهم ومصالحهم المشروعة ككل.
 
إذ أن التوازن المستهدف هنا، أمميا، هو توازن المصالح لا توازن القوى فيه. ومادامت المصالح الإقليمية والدولية غير مستقرة ومرضي عنها، فإن القرارات الأممية المتجسدة في مشاريع المملكة المتحدة، تروم مصالح الحوثية كأساس لتوازنها اقليميا ودوليا. مع العلم أن هذه النقطة بالذات، كانت أحد أهم أسباب الحرب ومدخلاتها الكارثية.
 
الأمر الذي يجعل السلام والاستقرار والأمن الوطني اليمني، رهنا للمصالح الدولية والإقليمية وترسا فيه. وذلك عبر إعادة رسم وهندسة تلك المصالح على أساس قوى يمنية متعددة، ومنشدة، ومستندة، لمصالح قوى إقليمية ودولية بعينها. وكل ذلك على حساب المصلحة العليا والثابتة لليمن واليمنيين جميعا.
 

سياسات الإمارات.. الوجه الثالث للتحدي
 
فبدلا من أن تكون القرارات الأممية داعمة للأمن وأساس للسلام والاستقرار اليمني، عبر ترسيخ قاعدتهما المتمثلة بمسألتي الوزن والتوازن الجيواستراتيجي لليمن- دولة ومجتمعا- أضحت تضرب تلك المسألة في العمق!! خصوصا وأن سياسات دولة الامارات في محافظات اليمن الجنوبية والشرقية، قد رسخت وهيأت الارضية المناسبة لتحركات المملكة المتحدة.
 
الأمر الذي يشي بثأريتها المتخفية ازاء تلك السياسات، وتكاملها في حلقة جهنمية، ذروة سنامها الحديدة. سيما ولحظة استعمارها وهزيمتها ثوريا، لم تغادر مخيلتها السياسية والوجدانية بعد. فما بدأته الامارات جنوبا، تستكمله وتشرعنه المملكة المتحدة، أمميا، غرب اليمن ومن الحديدة.
 
 وبالتالي يصبح الوزن والتوازن لليمن، جغرافيا وسياسيا وامنيا وتجاريا واقتصاديا وإنسانيا، ومجتمعيا ككل، مرهون بمواجهة تحد مركب بثلاثة أوجه: إماراتيا- حراكا انفصاليا جنوبا، من جهة؛ وحوثيا- اماميا فئويا شماليا، من جهة ثانية؛ وبريطانيا- امميا دوليا، من جهة ثالثة.

 

 حقوق النشر محفوظة "يمن شباب نت"  ©2019  

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر