أنس الشراعي.. شاب من "إب" حلم بوطن للجميع فأستشهد من أجله في "دمت" (بورتريه)

 
 بالنسبة لبعض محبيه ومن يعرفونه "تبدو الحياة موحشة بعد مغادرة أنس لها". لكنها لجزء أخر منهم، فـ"أنس" بالنسبة لهم يبدو "ملهما للإصرار والنضال من أجل حياة كريمة في وطن تسوده الحرية والعدالة والمساواة".
 
وفي الخلاصة؛ يجسد الشهيد "أنس"، قصة حياة لم تكتمل- بالنسبة للبعض. لكنها قصة ثورة حية مكتملة في وجه الفساد والظلم والانقلاب- بالنسبة لأخرين.
 
تاريخ نضالي


الشهيد "أنس عبده أحمد الشراعي"- 23 عاما، من محافظة إب، تشّربََ النضال منذ نعومة أظافره. عاش في كنف أسرة متدينة أحسنت تربيته، مع إخوة صقلوه على العمل والمثابرة في وجه قسوة الحياة، لتنمو فيه قيم مقارعة الظلم والانتصار لمبادئ العدالة والمساواة.
 


في ثورة فبراير 2011، كان ما يزال فتىً يافعا، 16 عاما، لكنه حاز مكانة عالية بين مصاف كبار ثوار محافظة إب برغم صغر سنه، منتزعا مكانته تلك من استبساله وبطولاته المشهودة، وحضوره القوي والبهي في كل مجال. حيث انخرط في صفوف لجان ساحة "خليج الحرية" المختلفة: لجنة النظام واللجنة الأمنية والإعلامية والتغذية...، وكان يبرع ويبرز في كل ميدان يعمل فيه، كأنه مجاله الأول.
 
وفي مقاومة الانقلاب الحوثي، طغى حضوره وعلا صوته باكرا في كل الفعاليات الرافضة للانقلاب. جاب شوارع إب، ومن مقدمة الجموع ظل يهتف بحماس: "الشعب يريد إسقاط الانقلاب".
 
وحين لم تسعه "إب"- بعد أن خانها مسئولوها وسلموها بطبق من ذهب للانقلابين تحت خديعة السلام "المكذوب" لتجنيب أبنائها الاقتتال، لتتحول للحوثيين نتيجة ذلك إلى منتجع سياحي ومورد اقتصادي ومعسكر أمني لمطاردة الناشطين- ما كان منه إلا أن غادرها صوب مريس بمحافظة الضالع، ليلتحق هناك بالجيش الوطني، حتى استشهد في صبيحة الـ 18 من شهر نوفمبر الجاري، في معارك تحرير دمت من قبضة الميليشيات.
 
صناعة بطل

 منذ طفولته، بدأ "أنس" مشوار الكفاح، مساعداً أسرته في مواجهة تكاليف الحياة. فعمل وهو في سن السادسة بجوار أخيه في "مقصف" بجامعة أهلية. ولم تمنعه الدراسة من مواصلة العمل. فقد كان واحد من القلائل الذين يجيدونهما معا.
 
ويتحدث "عوض الشراعي"ـ أحد أبناء منطقته- عن أنس الطالب والعامل، قائلا: "عندما يأتي رمضان كان للشهيد برنامجه الخاص مع مجموعة من أقرانه في الكفاح وطلب الرزق الحلال". كان شهر رمضان يمثل موسما جيدا لأنس وأقرانه، حيث اشتهروا ببيع "السنبوسة" والحلويات في مفرق جبلة.
 
ليس ذلك فحسب. بل لم يمنعه الاجتهاد في الدراسة ولا المثابرة في العمل من الالتحاق بحلقة تحفيظ للقرآن في جامع الخير في مفرق جبلة- جنوب مدينة إب، الذي كان أنس أحد رواده، واستمر لسنوات في تلك الحلقات في سبيل اتمام حفظ كتاب الله.
 
مشعل ثورة وعاشق حرية

وحين هبت النسمات الأولى لثورة فبراير 2011، كان أنس الشراعي من أوائل الثوار في إب، ضمن ما عرف بالخروج الأول للثورة في شوارع المدينة، ليصدح في الأرجاء، مع أولئك القلة، بشعار الثورة: "الشعب يريد إسقاط النظام". كما كان أيضا ضمن آخر من غادروا ساحة "خليج الحرية" بعد قرار رفعها، عقب عامين من النضال دون كلل أو ملل.


 
ويشهد الإعلامي "محمود الحمزي"، من محافظته، أن أنس الشراعي "كان من أوائل ثوار فبراير بمحافظة إب، بل كان فيها ثورة لوحده، وظل قنديلا يضيء ساحات الثوار، دون أن تلن له عزيمة أو تنثني إرادته الصلبة"، مضيفا: "لقد كان روح ثورية عصية على الضيم والظلم، يعشق الحرية وقيم الإنسانية ويتطلع لمستقبل يليق بكل اليمنيين"
 
هكذا كان أنس، ذو صولات وجولات وبروز وتفاني في يوميات الثورة المليئة بالأحداث البطولية. كانت الثورة تغلي في دمائه: في سيارة الصوتيات تجده، وبالقرب من أماكن الخطر تراه يدافع عن المسيرات التي كانت تتعرض لمخاطر القنابل المسيلة للدموع وإطلاق النار الحي من جنود النظام وبلاطجته.
 
"انس الشراعي، ذلك الشعاع الذي اخترق كتلة الخوف، مؤمنا بأن اليمنيين يستحقون حياة كريمة تليق بهم، حياة ثمنها تضحية ونضال وصبر وامل". وهكذا يصفه رئيس اللجنة الإعلامية في ساحة خليج الحرية، عادل عمر، مضيفا: "كان انس، ذلك الشاب الفبرايري الذي سبق سنه، من أوائل من أوقدوا شعلة التغيير الشبابية، مؤمنا بأدواتها السلمية، فكبر وزاد تمسكه بالحلم الذي ضحى من اجله".
 
ويرثيه الناشط "أمجد الجحافي"، قائلاً: "سأخبر الله وكل العالم، أن أنس خرج رافعا صوته في وجه عصابة نظام صالح حتى انتصر صوته. وعندما جاءت الانتفاشة الحوثية، كان من السباقين الرافضين لها. وبعد أن أعلن "الحوثي" التعبئة العامة ضد شعبنا وهويتنا، واستحال النضال السلمي عليه، لم يكن من أنس إلا أن خرج شاهرا سلاحه في وجه الظلم، من أجل بلده ووطنه وشعبه".


 
من ساحة الثورة إلى ميدان التضحية

ومع انتهاء الفعاليات السليمة ضد الحوثيين في المدينة، وبدء إعلان المقاومة ضد المليشيا الانقلابية، كان أنس من أوائل الملتحقين بالمقاومة ضمن أحد الألوية العسكرية في جبهة حمك- الجبهة الشرقية لمحافظة إب، والغربية لمحافظة الضالع. واشترك في جميع المعارك التي دارت في جبهة حمك ومريس ودمت.
 
ومع ذلك، يجهل الكثيرون أن "أنس" كان يقاتل هناك في تلك الجبهة. ذلك أنه رحل سرا دون أن يعلم الآخرين بوجهته، خشية أن ينكل الحوثيون بأسرته، كما يفعلون مع كل أسرة ينخرط أحد أفرادها في الجيش الوطني.


 
ومما لا يعرفه الكثيرون أيضا، أن أنس الشراعي "كان ضمن ثلة قليلة قاموا بتأسيس خلية الإسناد المعلوماتي للمقاومة الشعبية، وكان ينقل أحداث إب من خلال حساب وهمي أعد لذات الغرض". كما كشف "أبو عبد الفتاح الإبي"، وهو أحد من عملوا بالقرب معه.
 
تنقل "أنس" في النضال والمقاومة من طور إلى آخر، باحثا عن حياة كريمة ووطن يتسع للجميع، تسوده قيم العدالة والمساواة، حتى ارتقى شهيدا في جبهة دمت بالضالع الأحد الماضي (18 نوفمبر). حيث كان في مقدمة الصفوف في معركة تحريرها، وهو ينظر إلى محافظته (إب)، التي كان يتمنى أن يدخلها فاتحاً في معركة تحرير شاملة تستعيد الوطن من خاطفيه.
 
وحول استشهاده، يقول المهندس وليد الجعور، رئيس المركز الإعلامي للمقاومة إب: "كل من كان يعرف الشاب البطل الشهيد انس الشراعي، يعلم انه لم يكن يليق به سوى الشهادة"
 
ويضيف: "الشهيد انس، كان عنوان للشاب الوطني الحر الغيور على دينه ووطنه. لقد كان كتلة من النشاط والحيوية والعزيمة والطموح والصدق والاصرار والتضحية. وبمثله سيتحرر الوطن قريبا".

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر