الخيار العسكري في الحديدة.. حسم أم تمهيد لتسوية؟

[ افراد من الجيش في الساحل الغربي ]

تطورات متلاحقة تشهدها الساحة اليمنية: فشل محادثات السلام قبل أن تبدأ واستئناف معركة الحديدة. ما الأهمية الاستراتيجية للمعركة على المدينة الساحلية؟ وهل السلاح هناك للحسم العسكري الشامل أم بهدف التمهيد لتسوية سياسية؟

لم تمضِ إلا سويعات قليلة على الموت الجنيني لمفاوضات السلام الأممية بين الحكومة اليمنية والحوثيين حتى علا غبار المعارك سماء الحديدة من جديد. فقتل 11 مقاتلاً من الحكومة وأصيب 17 بجروح، بينما لقي 73 مقاتلا من جانب الحوثيين مصرعهم وأصيب عشرات بجروح. المعارك العنيفة جرت في محيط مدينة الحديدة.

مات قبل أن يولد

كان من المفترض أن ترعى الأمم المتحدة في جنيف بدءاً من الخميس الماضي أول مشاورات سياسية بين طرفي النزاع الرئيسيين، الحكومة والمتمردين، منذ 2016. المحلل السياسي اليمني د. علي العبسي يرى في حوار مع DW عربية أن مؤتمر جنيف أُعد "على عجل". وفي حيثيات رأيه يذهب المحلل السياسي المقيم في العاصمة الألمانية إلى أن "التحالف بقياة السعودية والحكومة اليمنية كانا تحت ضغط دولي على خلفية قصف المدنيين العشوائي وغير المحسوب. ومن هنا أرادوا إظهار أنهم مستعدون للسلام".

وفي أحدث حلقة من سلسلة الانتقادات الحقوقية للتحالف العربي، حثت ميشيل باشليه مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان اليوم الاثنين (العاشر من أيلول/سبتمبر 2018) التحالف بقيادة السعودية على إبداء شفافية أكبر بخصوص قواعد الاشتباك التي يتبعها ومحاسبة المسؤولين عن الضربات الجوية التي أودت بحياة مدنيين في اليمن بما في ذلك ضربة على حافلة أطفال في صعدة الشهر الماضي. كلام باشليه، التي شغلت سابقاً منصب رئيسة تشيلي، جاء في أول كلمة لها أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، بعد تعيينها خلفاً للأمير الأردني زيد بن رعد.

أما فيما يخص الحوثيين، فيرى العبسي أنهم "ميلشيا عقائدية" لا تؤمن بالحل السياسي والحوار: "كان ذلك مراوغة لكسب الوقت وتحسين مواقعهم على الأرض. المسألة بالنسبة لهم حياة أو موت. يرتب السلام عليهم الالتزام بالقرار 2216 والذي ينص على تسليم السلاح والخروج من العاصمة صنعاء وهذا يعني نهايتهم"، حسب وصفه. وذكّر المحلل اليمني بمناورات ومراوغة الحوثيين في مفاوضات سابقة (الكويت وجنيف).

منذ اشتداد الصراع في اليمن في آذار/ مارس 2015 جرت عدة محاولات لإحلال السلام منيت جميعها بالفشل، أولها غير مباشرة عقدت في جنيف السويسرية في حزيران/ يونيو من نفس العام تحت إشراف المبعوث الخاص للأمم المتحدة آنذاك إسماعيل ولد الشيخ أحمد. وفي 15 كانون أول/ ديسمبر، دخلت هدنة حيز التنفيذ في اليمن مع بدء محادثات السلام التي رعتها الأمم المتحدة بين الحوثيين والحكومة في سويسرا. وانتهت المحادثات في 20 كانون أول/ ديسمبر دون اتفاق. وفي السادس من آب/ أغسطس من عام 2016، انتهت المحادثات التي بدأت في الكويت في نيسان/ أبريل برعاية الأمم المتحدة دون أي تقدم.

وفي 16 شباط/ فبراير من عام 2018، عين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الدبلوماسي البريطاني السابق مارتن غريفيث وسيطاً في أزمة اليمن، خلفاً للدبلوماسي الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد. وباشر الدبلوماسي البريطاني عمله بجولات على أطراف الصراع في آب/ أغسطس توجها بإعلان الجولة الأخيرة من المحادثات في جنيف في 6 أيلول/ سبتمبر والتي كان مصيرها الفشل كسابقاتها.

ويعتقد العبسي أن المبعوث الأممي ربما يحاول تحقيق إنجاز على المستوى الشخصي، واصفاً ذلك بأنه "أنانية"، أو ربما يعود لـ"عدم" فهم المبعوث الأممي للوضع اليمني، على حد تعبيره.

معادلة "صفرية"

أطلقت القوات الحكومية في حزيران/ يونيو الماضي حملة عسكرية على الساحل الغربي بهدف السيطرة على ميناء الحديدة، الذي يعتبره التحالف العسكري بقيادة السعودية ممراً لتهريب الأسلحة. وأعلنت الإمارات، الشريك الرئيسي في قيادة التحالف والتي تقود العمليات في غرب اليمن، عن تعليق الحملة بعدما وصلت القوات الحكومية إلى مشارف المدينة، لإفساح المجال أمام محادثات السلام، حسبما أُعلن.

وعن الأهمية التي تكتسبها المعركة يقول العبسي إن الحديدة هي المرفأ "الرئيس" لليمن حتى بالمقارنة مع ميناء عدن: "70 بالمئة من الواردات والمساعدات الدولية تأتي عن طريقه، و80 من إيرادات الحوثيين المالية تأتي من حركة التجارة في الميناء"، مردفاً أن الميناء هو الشريان الرئيسي الذي يمد الحوثيين بالسلاح، حسب قوله.

ورغم المعارك الجديدة في محيط الحديدة، ذكر مسؤولون عسكريون في القوات الحكومية أن هذه المعارك لا تعني استئناف الحملة، وإنما هدفها السيطرة على طريق رئيسي شرق المدينة يصل وسطها بمدينة صنعاء ومدن أخرى ويطلق عليه اسم طريق الكيلو 16. وقالوا إن هذا الطريق يشكل ممرّاً رئيسياً لإمدادات الحوثيين العسكرية من صنعاء والمناطق المحيطة بها إلى مدينة الحديدة، لكنه يعتبر أيضاً الطريق الرئيسي لنقل البضائع من ميناء الحديدة إلى المناطق الأخرى شرقاً وبينها العاصمة.

وفي حال تمت السيطرة على هذا الطريق، سيتعين على قوات الحوثيين استخدام طريق آخر لنقل البضائع والإمدادات، أطول مسافة، يقع في شمال مدينة الحديدة. وأكّدت المصادر أن القوات الحكومية نجحت في الساعات الماضية بالسيطرة "نارياً" على هذا الطريق، تحت غطاء من طائرات التحالف العسكري.

ويخلص المحلل السياسي علي العبسي إلى أن المعادلة في اليمن "صفرية"، بمعنى أنه لا حلولا وسطا وتسويات، بل "كسر عظم"، على حد تعبيره. ولكنه يستدرك بأن الحوثيين، وحتى في ظل دعم "إيراني" طويل الأمد، لن يكون بمقدورهم الاستمرار في المعركتين السياسية والعسكرية لوقت طويل في حال خسروا هذا الميناء. ويجزم العبسي بأنه وفي النهاية سيتم "إخراج" الحوثيين من الحديدة، طال الوقت أم قصر. ويعزو ذلك إلى "اختلال" التوازن العسكري، مفسراً بأن دور طيران التحالف حاسم والطبيعية الجغرافية المنبسطة لا تلعب في صالح الحوثيين.


المصدر: دويتشه فيله

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر