"نحن أبناء الحياة".. فلسطينيان في غزة يزفان داخل مدرسة نزحا إليها

[ أقاما حفل زفافهما في مدرسة للنازحين في رفح (الأناضول) ]

 لجأ الفلسطيني مصطفى شملخ، الذي دُمّر منزله جراء الهجمات التي نفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر، إلى مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في مدينة رفح جنوبي القطاع.
 
أقام مصطفى شملخ، الذي تزوج خطيبته أفنان جبريل من سكان حي الزيتون، حفل زفافهما في المدرسة التي لجأ إليها. وحضر حفل الزفاف في مدرسة السلام أقارب العروسين.
 
"نحن أبناء الحياة"

وبرغم كل الظروف الصعبة، إلا أن العروسين تحديا الواقع وأصرا على نشر رسالة "نحن أبناء الحياة" نحيا بالفرح والتفاؤل، وحوّلا مدرسة لـ"أونروا" في حي السلام برفح، جنوبي القطاع، إلى قاعة أفراح تنبض بالمحبة والسعادة والتفاؤل بدل الركام والأنقاض ومرارة الفقدان.
 
اكتملت زينة العروس أفنان، التي لم تزد عن تاج الورود الحمراء والبيضاء والثوب الفلسطيني التقليدي المطرز باللون الوردي والمزركش بنقوش شعبية تعبر عن الفرح، ومنها رسوم لزهرة النرجس الشهيرة في شتاء فلسطين، وهذا كان بديلاً عن البدلة البيضاء الخاصة بالعروس التي منعت ظروف الحرب توفيرها.
 
واشتعل الفصل الدراسي، الذي بات مكانا لسكن عائلة العروس الفلسطينية، بالتصفيق من شقيقات أفنان وجاراتها النازحات بالمدرسة نفسها، في الوقت الذي كانت تعلو فيه أصوات الموسيقى والأغاني الشعبية، ولم تتوقف النسوة عن إطلاق زغاريد الفرح، وكان من أشهرها: "أويها (صوت الزغرودة) يا شاشي على راسي (يا تاج على رأسي)... أويها يا دارنا الواسعة يا برجنا العالي... أويها وملي قلوب العدا (املأ قلوب الأعداء) بارود ورصاصي.... لولولويش (الصوت النهائي للزغرودة)".
 
وفي لحظات استرقها مراسل الأناضول من أجواء الفرح هذه، تحدث خلالها مع العروس أفنان لتقول: "قصتي بدأت قبل الحرب بيومين عندما خطبني مصطفى، وكنت سعيدة للغاية وقررنا يوم السبت أن يصحبني خطيبي إلى بيت أسرته ليعرفني عليهم وأقضي يومي كله هناك".
 
"لكن في صباح ذلك اليوم اندلعت الحرب فجأة ولم تتوقف إلى يومنا هذا، ونزحنا عدة مرات من حي الزيتون (جنوب شرقي مدينة غزة) حتى وصلنا قبل عدة أسابيع إلى مدرسة السلام التابعة لأونروا في مدينة رفح، وما زلنا نعيش في ظروف قاسية لا تتوفر فيها أدنى متطلبات الحياة"، تكمل العروس الفلسطينية.
 
وبابتسامة حاولت الحفاظ عليها طوال وقت الزفاف القصير، تضيف العروس أفنان: "اتفق أهل خطيبي مع أسرتي على أن نتمم زواجنا حتى تدور عجلة الحياة، فلا شيء بالأفق يلوح حول انتهاء هذه الحرب المدمرة، وبذلك قررنا إقامة حفل زفاف بسيط رغم الصعوبات والمآسي التي نعيشها".
 
وبنبرة حملت الكثير من معاني الإصرار على الفرح والبحث عن ملمح حياة وسط كل معالم الموت التي تشهدها المدينة الفلسطينية المنكوبة، تواصل الشابة الغزية حديثها: "حتى الصواريخ والحرب لن تمنعنا عن فرحتنا. إن شاء الله ستكون حياتنا أفضل".
 
وتصف الشابة عرسها: "هو فرح بسيط اجتمعت المدرسة في حفلة وغنت لي. شغلنا أغاني وفرحنا المدرسة وغيرنا نفسيتنا ونفسية النازحين هنا. كان نفسي أفرح مثل أي شابة وأرتدي البدلة البيضاء، ولكن الظروف منعتنا من ذلك فاشتريت هذا الثوب حتى يكون الحفل فلسطينياً بامتياز ولنعبر عن حبنا لفلسطين وفخرنا بأننا فلسطينيين".
 
دقائق فرح ليست طويلة بما يكفي مرت قبل أن يأتي العريس مصطفى شملخ ليصطحب عروسه من الفصل الدراسي ليحتفل بها مع عائلته وعائلتها وبقية النازحين على أنغام الأغاني والموسيقى الشعبية الفلسطينية.
 
وبعد إتمام مراسم حفل الزفاف، انتقلت العروس إلى مكان سكنها المؤقت إلى حين انتهاء الحرب والعودة إلى مدينة غزة، وهو أمل ما زال يقطن قلوب أكثر من نصف مليون فلسطيني نزحوا من المدينة إلى مناطق جنوبي القطاع.
 
والمنزل الجديد للعروس الفلسطينية عبارة عن خيمة من القماش وقطع النايلون أقامها العريس في منطقة قريبة من المدرسة، التي لم تعد تتسع للنازحين.
 
لم يكن الشاب الفلسطيني يرغب بالحديث عن تجربته هذه، لكن والده فايز شملخ تحدث برسالة تؤكد إصرار الفلسطينيين على البحث عن الحياة والسلام والفرح، ليقول: "مصطفى حاله مثل بقية الشباب أسس حياة له وقام ببناء منزل وكان موعد زفافه في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ولكن اندلعت الحرب".
 
ويضيف: "نزحنا بعد أيام قليلة من الحرب وهدمت منازلنا ودمرت الطائرات الإسرائيلية منزل ابني الجديد، وانتهى بنا الحال نازحين في هذه الخيام وطالت الحرب ولا نعرف متى ستنتهي".
 
"وجدنا أن الحل الأنسب أن نتمم هذا الزواج ويقيم العروسان في خيمة إلى حين أن تنتهي هذه الحرب. والد العروس رحب بالفكرة وأتممنا الزفاف بفضل الله (...) لدينا شهداء ولدى عائلة العروس شهداء والجرح واحد، ولكن هذا الكون لا بد أن يعمر ويجب أن نتعايش مع هذه الظروف المؤلمة، وإن شاء الله تنتهي الحرب وتعود الحياة لطبيعتها"، يكمل الفلسطيني شملخ.
 
وقبل العروسين شملة وأفنان، كان الفلسطيني ماجد الدرة قد أقام زفافه على سارة أبو توهة في مدرسة نزحا إليها تحت وطأة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
 
حفل زفاف ماجد وسارة أقيم في مدرسة المغازي بمخيم المغازي وسط قطاع غزة، حيث نظم الشاب الفلسطيني حفلاً صغيراً بحضور أفراد من العائلتين.
 
وعلى الرغم من الأوضاع الصعبة والحزن الذي يسود القطاع الفلسطيني بسبب الحرب، حصل العروسان على لحظات من الفرح وسط الأهل.
 
المصدر: الأناضول

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر