بعد ثلاث سنوات من انطلاق عمليات التحالف العربي بقيادة السعودية لإعادة الحكومة اليمنية إلى اليمن وتتبع مساراتها وسياساتها تجاه هذا الهدف -في المناطق المحررة والمناطق التي لم يسيطر عليها الحوثي - يمكن النظر إلى نتائجها بكثير من الخيبة والفشل، وأكثر من ذلك لا يبدو في المستقبل القريب حل للأزمات اليمنية المتراكمة بل مشاكل مضافة ومعقدة نتيجة مقاربة التحالف للحل على مجموعة من الأسس الهشة.
 
الوهم الأول :إمكانية تجاوز بنية الدولة اليمنية وشرعيتها ومؤسساتها القانونية
 
قبيل بدء عاصفة الحزم استقال الرئيس اليمني عبدربه هادي منصور من منصبه ليتجاوز مطالب حوثية بتعيين مئات القادة الحوثيين في كل مفاصل الدولة ومؤسساتها في كل المحافظات، كانت تلك وسيلته المتبقية بعد سقوط صنعاء في سبتمبر2014م، وبعد محاصرته أخيرا في 21يناير 2015  في منزله، بهذه الاستقالة فقد الحوثيون (جماعة دينية تؤمن بأحقيتها الدينية في الحكم لانتمائها السلالي لعائلة النبي محمد وترى المناصب السياسية والاجتماعية والمالية استحقاق ديني) كل الغطاء الشرعي لتحركهم وانقلابهم على دولة الجمهورية الديمقراطية، وفشلوا في إنتاج بديل قانوني يعتمد عليه الناس قانونيا تجاه مختلف القضايا، رغم امتلاكهم مؤسسات للحكم بعيدا عن أجهزة الدولة الرسمية، كاللجان الثورية والمشرفين، وبعد سنتين من الانقلاب لجأوا أخيرا إلى إضفاء المشروعية والقانونية إلى ما تبقى من مجلس النواب بعد توافقهم الرسمي مع حزب المؤتمر الشعبي العام شريكهم في الانقلاب بقيادة صالح، رغم عدم اكتمال النصاب القانوني للمجلس، إلا أنه مؤشر على رفض الشارع اليمني لتجاوز الدولة. وفي نهاية 2017م أصدرت قيادة الحوثي قائمة بألف ومائتين شخص ومؤسسة وطلبت من البنوك تجميدها، غير أن البنوك رفضت ذلك لعدم قانونيتها وخضعت لذلك حكومة الحوثيين الانقلابية.
 
في القضايا المالية والتعاملات الجنائية يرفض الناس في مناطق سيطرة الحوثي اللجوء إلى قيادة الحوثيين لحل الإشكالات الكبيرة، ويصرون على الذهاب إلى قسم الشرطة، أو توثيق الحلول العرفية بأقسام الشرطة التي يديرها الحوثيون لكن قسم الشرطة يمثل رمزا لدولة، بغض النظر عن خضوعها لسيطرة الحوثي، هذا بالمناطق الخاضعة للانقلاب، أما في المناطق المحررة رغم ضعف حكومة الرئيس هادي فإن معظم قراراته تنفذ، على سبيل المثال حين قرر الرئيس هادي إقالة عيدروس الزبيدي أقوى شخص في جنوب اليمن وتدعمه الإمارات بالمال والسلاح ويمتلك ألوية مسلحة فإنه تخلى عن المنصب ولم يعد يتحكم بمؤسسات الحكومة الشرعية لكنه يعرقل أداء الحكومة الشرعية، كذلك فعل الوزير المقال المدعوم من الإمارات الشيخ السلفي/ هاني بن بريك قائد الحزام الأمني، ما أود قوله هنا أنه لا يمكن تجاوز فكرة الدولة المشروعة والشرعية بمؤسساتها المختلفة، أما بالنسبة لبقية المناطق خارج سيطرة الحوثي والزبيدي فقرارات الحكومة القليلة تنفذ طوعا في أغلب الأحيان.
 
أعتقد أن هذه المقدمة ضرورية للقول إن التحالف العربي حين يحاول خلق واقع جديد قائمة على القوة المسلحة ومخرجات الحرب ستصادم حتما أزمة افتقاد المشروعية والشرعية، مثلا إعادة السيطرة على ميناء عدن من قبل شركة موانئ دبي بشكل فعلي، فإنها حتى الآن لا تعد قانونية ولا يترتب عليها أي التزامات ويمكن مقاضاتها لأن اتفاقات من هذا النوع تستلزم موافقة مجلس النواب اليمني. ومثل هذا الموضوع بناء القواعد العسكرية للإمارات في مناطق يمنية عدة. وغيرها. واستمرار تعامل التحالف العربي على هذا الشكل ينتج إشكالات جديدة بمصالح غيرة مشروعة وتعقيدات إضافية، إنه يسير في وهم الحل وليس في طريق الحل فعلا.
 
الوهم الثاني: السياسة ليست مدخلا لحل الأزمة الاقتصادية.
 
كانت اليمن إحدى الدول الفاشلة قبل 2011م وتعتمد بشكل كبير على مصادر النفط المحدودة والدعم الدولي، وكانت الأزمة الاقتصادية متفاقمة أصلا، كانت مقاربة النظام السابق للأزمة الاقتصادية هي الاعتماد على السياسة في حلها،  كالتزوير في الانتخابات والقوة العسكرية في مواجهة الاحتجاجات الشعبية، كالتي حدثت أثناء رفع الدعم عن الوقود في 2005 وحين خرج الشارع للتظاهر أنزل نظام صالح الدبابات واستعان بالجيش لقمع التحركات الشعبية جراء الأزمة الاقتصادية، بعد ست سنوات أجبر على الرحيل.
ما يعانيه اليمنيون اليوم لم يعد أزمة اقتصادية فقد تطورت إلى أسوأ كارثة إنسانية في العالم بحسب منظمات دولية خلال الخمسين سنة الأخيرة، وبعد ثلاث سنوات من الحرب والتحالف العربي، ليس هناك أي مقاربة اقتصادية حقيقية لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تمثل جذر المشكلة السياسية في اليمن، إنها تصيب بنية الدولة ومؤسساتها بالشلل التام، حتى الآن، لا تستطيع الحكومة اليمنية رغما عنها إعادة إنتاج النفط وتصديره مع أنه موجود كليا تحت سيطرة الحكومة والتحالف العربي، ولازال ميناء الحديدة المدمر يستقبل قرابة 76% من ورادات اليمن، ليس لضعف الموانئ الأخرى كعدن، بل لعدم اعتماد التحالف استراتيجية تقوية الدولة وحل المشكلات الاقتصادية من خلالها، ميناء المخا على سبيل المثال حولته الإمارات إلى قاعدة عسكرية مغلقة، وشكت مؤسسة موانئ عدن التي تدير الميناء من أن التحالف العربي يؤخر إصدار التصاريح اللازمة للسفن التجارية لمدة قد تتجاوز 4 أشهر مما يسبب انقطاع الخطوط الملاحية مع الميناء وارتفاع الأسعار ونقص في السلع داخل الأسواق اليمنية. ضمن مقاربة إماراتية بالأساس لكن بصمت سعودي ترى حل الأزمة الاقتصادية تاليا لحل الأزمة اليمنية مما ينتج مزيدا من التعقيد والمشكلات في اليمن.
 
الوهم الثالث: تجاوز الجمهورية والديمقراطية وفرض الحلول بالقوة المسلحة
 
تهندس الإمارات بموافقة سعودية تامة أو عدم قدرة سعودية على الاعتراض (لم تعترض السعودية حتى الآن على أي إجراء إماراتي في هذا السياق) مقاربة إعادة بناء قوة عائلة صالح عبر استضافة طارق صالح في عدن وتجميع قوات الحرس الجمهوري بعيدا عن الشرعية اليمنية، الرئيس اليمني هادي قال عقب مقتل صالح في اجتماعه بالسفراء الـ18 في الرياض إن فترة صالح طويت على أي حال، وما تهندسه الإمارات في هذا السياق تحت لافتة حشد القوى المختلفة لمواجهة الحوثي ليس صحيحا فهي تستهدف نظام الجمهورية الديمقراطية، بنظر كثير من الشعب اليمني، هذا وهما لن ينتج سوى مليشيات جديدة متحاربة، في الواقع فإن الهبة الشعبية في الربع الأخير من العام 2010م التي انطلقت في اليمن وازدياد الأزمة السياسية وتعطل انتخابات مجلس النواب اليمني في 2009م قبل الثورة السلمية كانت ضد التأبيد والتوريث، اعتراضا على إقدام الرئيس السابق علي عبدالله صالح على إرسال مسودة مقترحات دستورية لتعديلها لدى مجلس النواب تقضي بالسماح له بالترشح مرة ثالثة(  لأن دستور الجمهورية اليمنية لا يسمح بالترشح أكثر من مرة وقد ترشح صالح في 1999م وترشح في 2006 وفاز بالمرتين طبعا رغم شوائب التزوير إلا أنها كانت مقبولة لدى الأحزاب اليمنية وتحقق الحد الأدنى من الشرعية على الأقل) أو كما سماها رئيس الكتلة النيابية في حزب صالح آنذاك سلطان البركاني قلع العداد إشارة منه للتأبيد كمقدمة ضرورية للتوريث، وبعد اندلاع الربيع العربي بما في ذلك اليمن طرح صالح مبادرة لأحزاب المعارضة للمشاركة في الحكم، كان رد الأحزاب واضحا حينها إقالة أقاربك أولا، في تلك الاحتجاجات التي أطاحت بصالح كانت أحد الشعارات التي هتف بها المتظاهرون: أين الدستور أين الوحدة... أصبحنا ملك الأسرة. وهو تعبير واضح إلى رفض الشعب اليمني فكرة تجاوز الجمهورية، أما عن الديمقراطية فالأحزاب اليمنية خاصة الإصلاح والمؤتمر (يقول مراقبون عن المؤتمر الشعبي أنه سينهار على غرار أحزاب الحكام العرب الذين سقطوا أثناء الربيع العربي)  وبدرجة أقل الاشتراكي والناصري لها شعبية واسعة وهي من تولت المفاوضات عن الشارع المعارض أثناء احتجاجات 2011م في المبادرة الخليجية بعكس بقية البلدان العربية في الربيع، باعتبار الحزبية هي أحد أهم ركائز الديمقراطية، ومع أن المبادرة الخليجية نصت على تولي الرئيس هادي السلطة بانتخابات غير تنافسية إلا أن الإقبال على التصويت حينها كان كثيفا جدا، قدرته لجنة الانتخابات بسبعة ملايين صوت. بمعنى مشاركة عالية لمن يحق لهم الاقتراع. وأي حل يتجاوز هذين النقطتين لن يكون مقبولا ولن ينتج حلا، بل أزمة جديدة إلى سلسلة الأزمات التي لا تنتهي في اليمن.
 
قوة الجمهورية والديمقراطية في اليمن لدى الشارع اليمني جعلت الحوثي (جماعة دينية من نسل السلالة الهاشمية كما تعرف نفسها وتؤمن في معتقداتها بأن الولاية/ الحكم حق إلهي محصور بهم ) أكثر من مرة يؤكد على أنه مؤمن بالنظام الجمهوري، وإذا كان لأحد أن ينجح مؤقتا في مواجهة الجمهورية والديمقراطية بالقوة العسكرية فهو الحوثي وليس غيره ومع ذلك نرى كيف أن لا أحد في العالم يعترف بشرعيته بما في ذلك حليفهم الرسمي إيران. وبالتالي فإن المقاربة الإماراتية لخلق واقع جديد بالقوة العسكرية تحت لافتة المشاركة في الحكم في جنوب اليمن، ولافتة حشد القوى لمواجهة الحوثي في الشمال ليس لها أي أفق في النجاح. خاصة بعد التفاعل الكثيف في الاحتجاجات السلمية في 2011 في أكثر من ثماني عشرة محافظة يمنية. قبل أيام قليلة أجاب نائب الرئيس اليمني علي محسن الأحمر عن سؤال صحفي ماهو دور القبيلة في مواجهة الحوثي، أجاب بشكل واضح: الأحزاب مخترقة للقبيلة ومسيطرة عليها، ولم تعد مؤسسة اجتماعية قادرة على التحرك منفردة عن أحزابها.

العنوان الأصلي للمقال" البناء على الوهم: استراتيجية التحالف العربي تجاه الأزمة اليمنية" وقد تم اختصاره للمساحة

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر