"السياسة" مشكلة #قحطان الكبرى


عبدالحكيم هلال

ما أعلمه أنا: أن مشكلة المختطف السياسي محمد قحطان، أنه آمن بالسياسة باعتبارها "عصا موسى" السحرية، التي عن طريقها سيخذل السحرة فرعونهم ويتحولون إلى مؤمنين. وفي حالة قحطان بالطبع: سيتحولون إلى مؤمنين بالعمل السياسي كمنهاج وحيد لإدارة الخلافات، وتجنيب البلاد الفقيرة المتضعضة المنهارة، ويلات انتقام "نيرون" بعد اسقاطه من عرشه.

في نقاشات عدة معه، كنت حاضرا فيها، وتحديدا بين الفترة: منذ انطلاق مؤتمر الحوار الوطني وحتى ما قبل أسابيع قليلة من اختطافه وتغييبه، ظل قحطان ينظر إلى جماعة الحوثي باعتبارها جزء أساسيا من التركيبة الاجتماعية اليمنية التي لا يمكن تجاوزها بمواصلة تهميشها تحت أي مبررات.

هكذا كان يعتقد، ويؤمن؛ حتى وإن كانوا يشذون في بعض الوسائل والتوجهات العنيفة، ويغالون في بعض الأفكار والقضايا الرئيسية الراسخة في المجتمع اليمني، إلا أن السياسة تقول أنه لابد وان نتوصل معهم إلى قواعد مشتركة للعمل عليها. لأنهم - كما يقول دائما – مثل أي جماعة، قوة، أو تشكيلة، سيكونون بحاجة إلى بيئة ومناخ صحي سليم، معافى ومستقر – ولو بالحدود الدنيا - للمواصلة والمضي قدما لتحقيق أهدافهم بيسر. وأي تكن تلك الأهداف، في نظره، فإن لديهم الحق في العمل عليها، وذلك لن يتأتى لهم بالقوة، بل وفق عقد اجتماعي جماعي يتم الاتفاق حول شكله وآلياته وقوانينه وإجراءاته التنفيذية. وهو عمل تقوم به السياسة لا غيرها.  

ومنذ أنطلق مؤتمر الحوار الوطني الشامل، سعى قحطان، مع آخرين، نحو تيسير إمكانية تحقيق هدف تحويل جماعة الحوثي من جماعة دينية مسلحة إلى قوة/تيار/حزب سياسي، والاندماج في العملية السياسية، بعد تخليها عن حمل السلاح، والنزول من الجبال إلى تحت قبة البرلمان، حتى لا تظل تشكل تهديدا دائما للبلاد.

ولعلنا ما زلنا نتذكر تلك اللقطات، والفيديو المسرب من القيادي الحوثي آنذاك"علي البخيتي"، حينما كان قحطان في صعدة – ضمن وفد رئاسي مشكل من وزراء في الحكومة وممثلين عن الأحزاب والقوى السياسية للتفاوض مع زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي – والتي ظهر فيها قحطان وهو يوقع على اتفاق جانبي مع قيادات حوثية كبيرة (هذا الاتفاق لم يكن له علاقة بمهمة الوفد الرئاسي) يقضي بإلزام الطرفين (حزب الإصلاح وجماعة الحوثي) بالتوقف عن التعامل فيما بينهم على أسس مذهبية وطائفية ونبذ كل ما يؤدي إلى ذلك ويغذيه.. الخ.

وقَعَ قحطان ذلك الاتفاق، بعيدا عن حزبه، ودون أخذ الإذن من أحد. حدث الأمر كله بشكل مفاجئ وخلال فترة زمنية قصيرة ومتصلة، بحيث لم يتح له الطرف الأخر وقتا مستقطعا للتشاور مع قيادات حزبه. ربما كانوا بذلك، يعتقدون حينها حدوث أحد أمرين، وكليهما لا يخلوان من مصلحة بشكل او بآخر: إما أنه لن يجرؤ على القيام بالأمر قبل أن يطلب منهم وقتا مستقطعا للتشاور مع القيادة العليا لحزبه، وبذلك يظهرون هم كمتسامحين وغير متعصبين مذهبيا، بينما يظهر قحطان وحزبه كمتعصبين وطائفيين؛ وإما أن يتورط بالتوقيع مباشرة، وبالتالي سيكابد تداعيات ذلك القرار الانفرادي المستعجل مع حزبه. لكنه قام بذلك بثقة مطلقة، لأنه كان يؤمن بتلك الفكرة، في الوقت الذي يدرك فيه أن جميع القيادات في حزبه تؤمن بها مثله، لذلك مضى في الأمر دون تردد.

ربما كان قحطان السياسي، يأمل من وراء ذلك التوقيع، اتخاذ الخطوة الصحيحة الأولى في سبيل ردم الهوة المذهبية، على أمل أن يمهد ذلك بقية الطريق للوصول إلى متفقات مشتركة في إطار محاولة تصحيح مسار العملية السياسية لإخراج اليمن من صراعاتها القاتلة.

كان الرجل السياسي المخضرم، يؤمن أن السياسة لا غنى عنها، مستندا في إيمانه ذاك، إلى تلك الحيوية السياسية التي وصل إليها الشعب اليمني بعد تجربة عقدين ونيف من تحريك العملية السياسية. الحيوية التي بلغت ذروتها وقُطِفت ثمارها بالثورة الشعبية السلمية.

 لذلك كان ما يزال يعتقد أن كل ما قام به الحوثيون مع حليفهم المخلوع صالح - ومازالوا يقومون به حتى لحظة احتلالهم القصر الرئاسي، ومحاصرتهم رئيس البلاد ورئيس الحكومة في منزلهما وفرض الإقامة الجبرية عليهما وعدد من الوزراء، هي أفعال لا يمكنها أن تنقطع - بشكل او بأخر - عن كونها جزء من السياسة، حتى وإن كانت بطريقة فرعون الذي خُلِعَ من عرشه بعد أكثر من ثلاثة عقود ويسعى إلى الانتقام من خصومه السياسيين، مستغلا في ذلك قوة جماعة مازالت تفتقر إلى الخبرة السياسية.

لكن أين هي السياسة من كل تلك التجريفات القاتلة، يا قحطان؟

كان رجل السياسة، يرى أن المخلوع يرمي من وراء كل ذلك، ممارسة الضغط والابتزاز في سبيل محاولة فرض خياراته السياسية، بغية استعادة جزء من قوته المفقودة بفعل الثورة، بعد أن عجز عن استعادتها عن طريق الحوار السياسي. لذلك كان ولابد – في نظره - أن يعود الجميع إلى السياسة كخيار أخير، حيث لا بد وأن تنتهي إليه كافة الخيارات الجانبية الأخرى، مهما جنحت وطارت بعيدا.

  خاض قحطان، وظل يخوض معترك السياسة ذاك بكل ثقة: منذ ما قبل عمران وبعد عمران؛ قبل اجتياح صنعاء وبعد اجتياحها؛ قبل طاولات موفنبيك وبعد طاولات موفنبيك؛ قبل اتفاق الشراكة وبعد اتفاق الشراكة..، قبل احتلال القصر الرئاسي وبعد احتلاله؛ قبل استكمال الانقلاب.. وبعد..!! لم يعد هناك بعد، فقد تم قطع رحلته السياسية تلك باختطافه من منزله بصنعاء، وتغييبه بعيدا عن عصاه السحرية (السياسة)، التي ظل ردحا طويلا من حياته يحملها كسلاح وحيد.

وحينما كانت الأحداث تتسارع في لحظاتها الاخيرة، كان قحطان في منزله، فلماذا لم يغادره بأي طريقه كما فعل غيره؟ مع علمي أنه كان قادرا على ذلك، فقد زرناه ذات يوم إلى مقيله، بينما كان المسلحون يحيطون بالمنزل. لم يكونوا كثًر إلى درجة استحالة التفكير بطريقة ما لإنجاز فكرة الخلاص. بل أبعد من ذلك، شعرنا أن أولئك الحراس القبليون المجبرون على المرابطة هناك، كانوا قادرين على مضغ القات أكثر من القدرة على منع سياسي محنك محاصر من التخطيط لمغادرة منزله.

كان قادرا، لكنه لم يفعل..!! ومرة أخرى: لماذا يفعل؟

من كل ما سبق، يمكن القول: لأنه كان ما يزال يؤمن أن قوة السياسة ستنتصر على سياسة القوة، وأن صوت الحوار - في نهاية المطاف - سيطغى على صوت الرصاص، عاجلا أم آجلا.  

يقال في السياسة، أن "لكل جواد كبوة، ولكل فارس هفوة". ترى: هل وقع فارس السياسة اليمني المخضرم، في تلك الهفوة القاتلة، حين وضع كل خياراته في سلة السياسة فقط؟   

 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر