ردة فعل فقط


محمود ياسين

كأننا فقط تحولنا إلى استجابة محضة لأفعال صالح وخططه.. ردة فعل فقط .

مضت سنوات من رفع العلم الجنوبي وإجراءات الانفصال عمليا حد التهجير من عدن بالبطاقة، وثمة تفهم ثقافي سياسي للتوجه هذا مع احتجاجات على بعض السلوكيات كالتهجير من عدن ليس بوصفه عملا انفصاليا ولكن بوصفه يفتقر للحصافة في ذلك التوقيت وقد يلحق ضررا بوحدة الصف المناوئ وليس بوحدة البلد، أما المثقف الإنساني فقد اكتفى بالدافع الأخلاقي دون اكتراث للمدلول الكبير للتهجير والذي هو الانفصال.

 

وعندما طرح ناشط يشتبه بعلاقته بصالح مبادرة للانفصال تحولنا جميعا لوحدويين ومستعدين للموت في سبيل حلم الوحدة، انه لمن المهين حقا أن أقوم هنا بمرافعة وحدوية أبين فيها موقفي الذي لا يتغير بشأن أننا لن نكون ولن ننجو إلا بوصفنا يمن موحد وبوجود منسجم على كامل الخريطة اليمنية ، فذلك لا يعود مرافعة للنجاة من الشتات اليمني بقدر ما هي في هذه الحمى مرافعة للنجاة من فوبيا صالح.

 

كأنه لم يمسي الحوثي خطرا بهذا القدر إلا عندما تبينت علاقته بصالح، هذا قبل أن يتبين الآن انه ربما يكون على علاقة بفكرة الانفصال، أننا جاهزون فقط لمحاولة النجاة من شرور صالح وتفويت فرصته في ان يخدعنا مرتين ، مرة بالوحدة وأخرى بالانفصال، لا يجدر بنا منحه هذه القدرة على تحفيز وعينا بمزاج منفعل وكأنه يتحكم بهذا الوعي من خلال ردات الفعل.

 

إننا ماضون في جعله محور كل شيء، وكأننا كرهنا السعودية أيام رئاسته فقط بسبب قناعتنا أنها الراعي لرئاسته، والآن أمسى علينا أن نحبها قليلا أو كثيرا بالقدر الذي تكرهه وتستهدفه ، أمثلة فحسب على كيف سمحنا للمسافة معه تحديد أين نقف.

 

بينما يتداعى بلد يتطلب فعلنا الأكثر حيوية واستقلالية عن المجال النفسي لصالح وكأن المسافة معه هي معيار الشرف الأوحد، والاستجابة الانفعالية لمراميه هي وطنية ما بعد كل شيء، لا استبعد شخصيا ان له علاقة بالمبادرة كتلك ولو على سبيل اختبار ردة فعل او حتى اقتطاع الجزء الشمالي من بلاد امسى جنوبها بالنسبة اليه متعذرا.

 

لكن.. يفترض بنا استعادة بلادنا دون ان نفقد يقظتنا بسبب ما قد يفعله أو لا يفعله صالح، الهاوية التي حدقنا فيها حتى أصبحنا جزءا منها، حد توصيف احدهم اليمن لا ينجو إلا بمحاولة استبصار الطريق بهدوء.

 

اذكر مثالا اورده نيكوس كزنتزاكي في " تقرير الى غريكو" كتابه الأثير وهو يتحدث عن شكلين من ردتي فعل لطائرين وقعا في الأسر، اذ بقي النسر هادئا يحدق في الأرجاء مستجمعا قوته ليكسر القضبان عند اول فرصة ويفلت، بينما يتخبط طائر آخر ربما تكون فرصه في النجاة اكبر مبدئيا لكنه يتخبط ويجرح أجنحته وهو يرمي بنفسه على القضبان حتى تنفذ قواه ويخور ولا يعود بوسعه المغادرة حتى لو فتح له باب القفص.

 

 

*من صفحة الكاتب على فيسبوك

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر