كلامنا أقل من المعركة، وكوابيسنا أكبر من المصرح به..مازلنا نغمغم ونتحدث بصوت خفيض، في حين نقبع في الرعب والإنكشاف. تدوي في رؤوسنا القذائف، ويخترق الرصاص صدورنا المثقلة بالبكاء والغضب المكبوت، فلا نقوى حتى على الصراخ. تثقلنا الهزائم والانتكاسات، تفزعنا المسارات المرعبة، وتخنقنا الضرورات المخترعة، والتي تفرض علينا التجمل والتحمل بأكثر مما نطيق.

 

ما أكثرها الاعتبارات التي تضعنا خارج الاعتبار. يقال: هذا ما لديكم، الوضع صعب، ولا خيارات أخرى ممكنة، الظروف تقتضي.. لكأن الشرعية هي ما تبقى لنا من قلة الحيلة وليس علينا سوى حملها على ماهي عليه دونما تعويل ولا تبرم او اعتراض...! 

 

الأحداث والتحديات الكبرى تستدعي رجالا بقدر المسؤولية، تتطلب العظمة والجرأة والشجاعة وجسارة الموقف والقوة في الفعل والقول، والتاريخ سرديات حافلة تمجد البطولات والأبطال الاستثنائيين الذين صنعوا تحولات فارقة في حياة شعوبهم وأوطانهم وشكلوا حالة الهام انسانية متجاوزة وغدوا رموزاَ يقظة، ونضال، وجزءَ من الوعي والروح والذاكرة...

 

نحن في أكثر المراحل خطورة.. والتحديات تتطلب مسؤولين كبارا نكبر بهم ونجدهم على الدوام بقدر الوطن وقضيته الكبيرة. في وسع كل وزير او مسؤول اختيار البقاء المشرف أو الانسحاب الأكثر شرفا في حال انعدمت امكانيات الفعل وتلاشت فرص إحداث أي تغيير يخدم الناس والمقاومة ويعزز صمودها واستمرارها.

 

في مقدور الجميع رفض الوجود الشكلي والعمل من أجل تمثيل المشروعية بصورة تمنحها حقيقتها وتثبت اليقين العام بها في هذه المرحلة الجحيمية القاسية وبما يكرس لدى الناس الثقة والأمل ويمدهم بالقوة والعزم اللازم للاستمرار في المواجهة.

 

نحتاج مسؤولين بحجم المرحلة. وبقدر اثقالها وبمستوى وجع اليمنيين ورجاءاتهم. تعيين الرداءة خيانة وإهانة لروح اليمن الجريح..انتقاص من كبرياء الواقفين في جبهات البطولة والشرف، ضرب للمعنى وتحطيم للمعنويات. 

 

الوضع الهش يستدعي قوة أكبر وفاعلية قصوى في الأداء والنشاط. لكن أن تصير الهشاشة مبررا لتولية الضعاف   ودافعا للتنصل والتخلي عن المسؤولية والاكتفاء بالتبرم والانظمام الى الجموع الشاكية والتذرع بالندرة وانعدام القدرة وتوزيع اللائمة على هذا وذاك فتلك هي الكارثة. 

 

ثمة سلوكيات لا تليق بمسؤولي دولة ورجال بلد هم ملاذها الأخير. لدى الناس هموم ومشكلات في الداخل وفي الشتات..وهناك قضايا وملفات كثيرة تتعلق بالحرب اليومية الدائرة على كل صعيد، وهناك جمود وهمود وشلل يكاد يكون كليا في المستويات القيادية للشرعية عموما..وثمة شعور عارم بالخيبة لدى الجميع من استجابة المعنيين في الحكومة لمطالبات الناس ومستوى تفاعلهم معهم وحرصهم على مشاركتهم وتبني همومهم والبحث عن سبل لحلها ومعالجتها.

 

الكل يتحدث بيأس عن الشرعية حد الشعور بالخيبة وفقدان الرجاء. لا تجد مسؤولا يتكلم بلغة ترضي كبرياءنا الجريح. وعلى مستوى الحكومة يقتضي الإنصاف أن أذكر الدكتور أحمد بن دغر، رئيس الحكومة، كاستثناء في هذا المشهد المحبط والمقبض. ففي كل مرة اسمع منه كلاما يليق به، وبنا عموما، نحن المفجوعين الذين تعاظم حسهم بالفقدان حد افتقاد الكلمة الصالحة للعزاء.

 

يتحدث بن دغر كرجل دولة أخير مخذول ومحاط بكل المحبطات الباعثة على السخط. لكنه يستمر في محاولة قول ما يجب وكسر الصمت والقاء الأوجاع الى الفضاء العام لتوسيع حالة الانتباه واليقظة ولاستدعاء ما تبقى من روح اليمن وعزم ابنائها المخلصين.

 

في اول يوم من رمضان، غادر رئيس الوزراء الرياض متجها الى عدن مع مجموعة من ممثلي حكومته، ومذ ذلك الحين وهم في معاشيق. يحاول الرجل، بحسب مصدر صحفي، أن يحتوي الجميع وأن يوضح لهم ما يجري ويضعهم في الصورة ويدعوهم للعمل مع بعض ورص الصف بهدف حفظ الأمن وترتيب الأوضاع ويريدهم أن ينقلوا الصورة للناس. عقد لقاءات يومية مع السلطات المحلية وقيادات المقاومة وقيادات الجيش والأمن والشخصيات الاجتماعية والإعلاميين ومنظمات المجتمع المدني... الخ، كل فئة على حدة. لا يخرج بن دغر إلا نادرا وإلى أماكن محدودة وكذلك الوزراء..هناك تحريض واضح على الحكومة ورئيسها من قبل جهات معروفة لا تريد الرجل. ومن الواضح أن هناك جوا مشحونا ومأزوما. تظل تعابير بن دغر ابعد من أن تلامسه كياسة وسياسة، وربما يأسا وتأجيلا، وخلاصة القول: أن ما يقال يقل ويقصر عن واقع الحال وسوء المآل.

    

اسأل عن الوزراء والنواب الذين يرافقون رئيس الحكومة ومستوى الظهور والحضور؟ فيأتي الجواب: لم يبرز منهم أحد بشكل لافت...! ولا يكاد يبين لهم دور أو نشاط، غير حضور لقاءات رئيس الوزراء مع الجهات المختلفة...!

 

لا استطيع بالطبع نفي جهود الجميع، ولا الحكم عليهم هكذا دون اقتراب وتمعن، لكني اتحدث عن مستوى من الحضور العلني المعبر والواضح، المطامن للروح المسكونة بالخواء ورعب الانكشاف وفجيعة الضياع والتشرد بلا وطن ولا دولة ولا حكومة، في ظل شرعية تندبنا للموت في سبيلها وتسلم رقابنا للخيانات والهزائم، إذ تولي العجز والفشل والفضيحة والنطيحة وما أكل الزمن في ظروف يراها الشريف فرصة للفروسية والعمل المجيد في إقامة ما انهد من الوطن على الأرض وداخل الروح، في حين لا يراها كذلك الانتهازي والمتسلق، المختار عبطا وعصبية ولحسابات لا علاقة لها بالكفاءة والاستحقاق وتقديم النموذج في العمل بما يقوي المسار ويحقق الطموح.

 

يشعر البعض أنه من اليسير التهرب من المسائلة، اذ لا وجود لبيئة قادرة على المتابعة والمراقبة والمحاسبة...! لا احزاب متخففة قادرة على الاعتراض والرفض، ولا صحافة حرة مستقلة، في حدها المعقول، تتصدى لنقد القصور والخلل في الأداءات، ولا مؤسسات فعلية قائمة بحق وتتمتع بإمكانات مادية وبشرية كي تؤدي واجباتها المقررة..  وكل ما هنالك مجرد مسميات هي في الخارج منتوفة وعلى الأرض مخطوفة.

 

بعضهم يجد هذا الواقع مصدر فرح وباعثا على الاسترخاء، يكفيه قرار التعيين واستحقاقات المنصب، ولهم في الوضع الهش ما يرفع عنهم العتب واللوم ويكفيهم التعب والنصب، ولهم من يأس الناس ما يصرفهم بحنق مكتوم وشعور بالغ بالقهر والألم المكبوت اتقاء شماتة العادين.

 

كل ما هنالك إننا بحاجة الى قامات بقدر الوطن المقاوم..ورجال هم روحه وضميره صورته وصوته الجهير.

 

حقوق النشر محفوظة ©2016 يمن شباب نت

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر