في شهرين تقريبا؛ أعطت حركة المقاومة الإسلامية حماس، دروسا لمختلف قوى المقاومة العربية المناهضة للاحتلال بصوره المختلفة، سواء كان احتلالا صهيونيا أمريكيا غربيا، أو احتلالا إيرانيا أمريكيا.

إن أهم الدروس التي يجب أن تلهم المقاومة العربية (لا نعترف بمسمى المقاومة التابعة لإيران) خاصة في اليمن نحو تطوير رؤية للتعامل مع حواضنها الشعبية، والدول العربية، والأهم مع الشعب، وأيضا مع حركات المقاومة الأخرى ذي التوجهات الأخرى.

على قرابة شهرين تقريبا من عملية طوفان الأقصى، وأبشع حرب تهجير صهونية أمريكية غربية بحق سكان قطاع غزة، لم نسمع أي تعويل من حركة حماس على جهات أخرى لمساعدتها، وذلك يعني أن الحركة أخذت على عاتقها العمل بإمكاناتها وحدها فقط، دون التعويل على أي جهد أو مساعدة من أحد، بأي شكل من الأشكال.

الإيمان بهذا المنطق حري بالمقاومة الشعبية المسلحة والسلمية في اليمن، أن تدرسه وأن تؤمن به على نحو جدي، ذلك يعني أن لا أعذار بعد اليوم، ذلك أنه لا يصح مطلقا مقارنة الواقع المتاح غير المستغل للمقاومة اليمنية مقارنة بالمقاومة الفلسطينية، مع أن التشابه متطابق في حالة العدوين الصهيوني والإيراني ومن خلفهما معا الولايات المتحدة والمشروعات الاستعمارية لأوروبا.

أسست حماس بناء على تكفلها وحدها بالمقاومة، علاقة مدهشة مع الشعب الفلسطيني، وأنقذته تماما من أي انقسام حاد بين مكوناته، رغم تعدد المكونات السياسية والعسكرية، وتعدد داعميها، وأدت إلى خلق حالة من التكامل بين الشعب الداعم للمقاومة رغم القصف المدمر على كل شيء تقريبا. بالإضافة إلى ذلك لم تشن حماس أي نقد يذكر على السلطة الوطنية الفلسطينية، التي تقع على الضد منها تقريبا في كل شيء. وأدت هذه المقاربة الحمساوية للمقاومة، إلى تعاون وثيق مع فصائل المقاومة في غزة خاصة الجهاد الإسلامي، وبقية الجهات الأخرى.

بالتوازي مع ذلك، أسست تلك القناعة والمبادئ أيضا إلى حشد جهاز الإدارة المدني في غزة، للعمل كما لو أن جميع تلك المؤسسات تابعة لحماس، من الدفاع المدني، إلى وزارة الصحة، إلى السجل المدني، إلى الإعلام الحكومي، وبقية المرافق، فلا حملات اتهامات ولا تخوين ولا أعذار، وبكل تأكيد لم نر انكسارات مؤلمة.

اعتناق حركة حماس بأن المقاومة يجب أن تستمر، عليها وحدها فقط، جنبها أيضا صراعات مع النظم العربية، خاصة مع مصر، والأردن، ودول الخليج، ولم يستطع أحد أن يصنف حماس على أنها تتبع هذه الدولة أو تلك.

على المستوى الداخلي للحركة لا يعرف من قادة حماس العسكريين سوى أفراد معدودين، ذلك يعني أن حياتهم قبل الحرب عادية، بل لم يعرفهم أحد، ذلك يعني أنهم قبل هذه الجولة، لم يكونوا يعيشون تحت راية "أنا مقاوم، أو أنا قائد، أو أنا قدمت تضحية، أو أنا المسؤول الفلاني .. الخ" من المظاهر التي رأيناها في المقاومة اليمنية ضد الاحتلال الإيراني. 

على المستوى الأخلاقي ظهر أن بعض القادة للحركة المقيمين في الخارج، لم تكن عائلاتهم ولا أقاربهم في الخارج أيضا، بل يعيشون في غزة جنبا إلى جنب مع سكان القطاع دون أي ميزة أو أثرة أو مرافقين، أو مستحقات أو امتيازات باسم المقاومة.

بالمجمل؛ انتهجت حركة حماس نهجا أخلاقيا حاسما ودقيقا، لم يجعل المقاومة تتحول إلى امتيازات واستحقاقات، ومكاسب، بل جعلتها عند مستوى القضية العادلة والأخلاقية التي تمثلها: عمل بإخلاص دون مكاسب شخصية مطلقا ولا مكاسب حتى للحركة ذاتها، وإيمان مطلق بالله واعتماد على الحركة وحدها، وقهر للظروف الجبارة من الحصار الخانق، وتخطيط دقيق، وبناء تنظيمي صارم وسري ومرن ومؤسسي بالوقت ذاته، يجعل هزيمتها أو اختراقها صعبا جدا على دولة الاحتلال ومخابرات الولايات المتحدة والناتو معا.

ثمة إلهامات كثيرة، ودروس وعبر لكل من يريد أن يقاوم، لكن النهج العقدي والأخلاقي لما لقنته المقاومة وكتائب القسام على رأس تلك الدورس، يجعل المقاومة اليمنية ضد الاحتلال الإيراني أمام اختبار صعب للغاية على جميع المستويات، ويفتح أمامها التساؤلات التي تحتاج إلى إجابة حقيقية: ماذا فعلنا من أجل المقاومة مقارنة بحماس؟

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر