في ثلاثينات القرن الماضي، بدأت الحركة تتحرك ضد الإمامة لمطالبتها بالإصلاحات بعد سلسلة من الهزائم التي منيت بها الإمامة البائدة أمام السعودية في شمالي اليمن، وأمام الاحتلال البريطاني في جنوبه.
 
لا تتشابه الظروف الحالية مع تلك التي كانت سائدة في ذلك الوقت إلى حد كبير، ولكنها لا تخلو من أوجه تشابه محدودة ولكن مؤثرة وفاعلة.
 
بعد هزيمتي 1934 بدأت الحركة الوطنية مطالباتها من سلطة الإمام الكهنوتية بإصلاحات لمواجهة آثار تلك الهزائم ولانتشال الواقع اليمني المزري من حالته. في أقل من 12 سنة على بدء الحركة الوطنية نضالها كانت قد اقتنعت بثورة دستورية أدت إلى مغامرة جريئة للإطاحة بنظام الإمامة قتلت يحيى حميد الدين وبدء الحكم الدستوري.
 
ورغم فشل تلك الثورة عسكريا في الصمود أمام ردة الإمامة، إلا أن الحركة الوطنية استعادت زمام المبادرة بنجاح في 26 سبتمبر 1962.
 
من أوجه الشبه المحدودة بين بدايات الحركة الوطنية والوقت الحاضر؛ الهزيمة الحوثية في السيطرة على كل اليمن وإعادة إنتاج نظام الإمامة بنسخة الملالي الفارسية. صحيح أن المقاومة الشعبية المسلحة والسلمية لم تستطع حتى الآن بوجود الحكومة والتحالف تدمير الحكم الحوثي ولا طرد الاحتلال الإيراني لأسباب متعددة؛ أهمها قيادة الحكومة الحالية البائسة لمعركة مواجهة الحوثي، وهي التي سلمت صنعاء وساهمت بإسقاط الجمهورية دون قتال، بالإضافة إلى دور التحالف في تقسيم المقاومة والعامل الدولي.
 
 
لكن ذلك لا يعني انتصار الحوثي -وفقا لأهدافه التي رسمها هو والملالي الفرس منذ نشأة نظام تصدير الثورة الإيرانية وتشكيل الحركة الحوثية قبل عقود- كما أنه لا يعني انتصارا للحوثي مقارنة بما كان يريده يوم قرر غزو المحافظات اليمنية الأخرى في مارس2015.
 
بالنظر إلى الواقع الحالي، يمكن لكل من الحوثي والمقاومة القول بأنهم انتصروا بشكل ما، دون أن يعني ذلك هزيمة ساحقة للآخر؛ استطاعت المقاومة الشعبية حماية جنوبي اليمن ومأرب وتعز ومناطق واسعة في الجوف والضالع والبيضاء والحديدة من الحوثيين، بينما استطاع الحوثي مواصلة سيطرته على معظم محافظات شمالي اليمن بما فيها صنعاء.
 
ويشير هذا الواقع الآن إلى أن عملية وقف إطلاق النار منذ عشرة أشهر ليست سوى مجرد هدنة لن تستمر إلى الأبد، لكنها  قد تأخذ وقتا طويلاً لأسباب متعلقة بالصراعات في جنوبي اليمن والمناطق المحررة بين القوى المحلية والإقليمية والدولية.
 
بدخول الهدنة والاتفاق الموسع المحتمل بين التحالف بقيادة السعودية والحوثي تتخلق فرصة مهمة للحركة الوطنية في صنعاء والمحافظات المحتلة للتفكير جديا في تنظيم عملها السياسي والوطني للدخول في مرحلة جديدة من النضال والكفاح ضد أسوأ نسخة إمامية إيرانية، بطرق مختلفة، استنادا إلى إرث تلك الحركة من تجارب وقدرات ومقومات هي الأفضل على الإطلاق مقارنة بما كانت عليه قبل قرن من الزمان.
 
ما أود قوله إن الحركة الوطنية والنضال الشعبي من أجل الجمهورية والديمقراطية والهوية في مواجهة الإمامة، لديها كل المقومات من حيث القناعة الشعبية بتلك القيم، والخبرة التنظيمية، والجماعات المنظمة التي بقيت من آثار الجمهورية الفانية، والاستعداد الشعبي للانضمام إلى أي حركة أو فعل مقاوم، مع توفر وسائل الإعلام الحديثة، والموقف القبلي الساخط على الحوثي عبر معاركه المتعددة ضد الحوثي، وانهيار وتلاشي الخطاب الدعائي الحوثي، بل وردته على ما كان يقوله أثناء زحفه على الجمهورية.
 
من المهم بدرجة رئيسية أن تعتمد الحركة الوطنية بمختلف تنوعاتها الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية على ذاتها فقط، وأن لا ترهن تحركاتها على ما يمكن أن تفعله الحكومة اليمنية الشرعية الضعيفة والمفككة لمواجهة الحوثي، بل أن يكون أحد أهم أسسها أنها لن تلقى إلا الخذلان وربما العداء من تلك الحكومة ومن الإقليم العربي، وهذه النقطة هي أهم الأسس التي يمكن أن تعتمد عليها في منهجها أي حركة مقاومة شعبية، دون أن يعني ذلك الدخول في صراع ضدهم.
 
وخلال السنوات الماضية، من الحرب والاحتلال الحوثي لصنعاء وشمالي اليمن، سجلت الحركة الشعبية صورا ناصعة من المقاومة الفدائية والتضحية، قوضت من الاعتقاد الحوثي بأن إسقاط الجمهورية هو نهاية التاريخ. غير أن تلك النضالات الشعبية بصورها العسكرية والقبلية والسلمية والنقابية كانت تفتقر تماما لعنصر التنظيم الوطني العابر للمنطقة والقبيلة والحزب، وهو ما أفقدها أهم شروط الانتصار.
 
وبالتالي فإن المهمة الحقيقية الآن أمام الحركة الوطنية الجديدة هو توفير الرؤية الفكرية والسياسية والأيديولوجية لتحركاتها بما يمكنها من بلورة مبدأي الجمهورية والديمقراطية ضمن تنظيم يقود المقاومة الشعبية ضد الحوثي بمختلف الصور العسكرية والسلمية.
 
إن العمل على بلورة تنظيم مقاومة شعبية واسعة ضد الحوثي وفقا للمبدأين أعلاه، سيعمل على تجاوز نقاط الضعف والفشل التي كانت عائقا حقيقيا طيلة القرن الماضي، وكانت هي السبب الرئيسي في سقوط الجمهورية 2014.
 
كما أن أهمية التنظيم المقاوم وفقا لتلك المبادئ والمبادئ الوطنية الجمهورية سيعمل على تجاوز صراعات القادة ويضمن مشاركة شعبية واسعة يعتمد عليها في مواجهة وسائل البطش والتحديات الحوثية.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر