الهدنة ومأزق الحوثي


سلمان المقرمي

 قبل الحوثي مكرها الهدنة الأممية إثر تلقيه هزائم مدوية في شبوة وجنوبي مأرب، بعد تنسيق عال بين السعودية والإمارات، مكن القوات الحكومية من كسر أكبر هجوم حوثي بل إيراني منذ الثورة الخمينية قبل أربعة عقود، على مأرب، معقل القوات الجمهورية ومناهضي الحوثي منذ سقوط صنعاء والجمهورية قبل ثمان سنوات.
 
لم تكن الهزيمة العسكرية للحملة الحوثية الثانية،  إن جاز التعبير، على مأرب التي بدأت في 2019 وتوقفت بالهدنة الأممية  بعد انكسار شديد في تنظيمه وقوته، العامل الوحيد لقبوله الهدنة، بل عوامل عدة من ضمنها السخط الشعبي بين أنصار جماعته والقبائل، وخلافات مستشرية بين قادته، وتنازع الجماعات الموالية لإيران فيما بينها، وانهيار الأوضاع الاقتصادية، والأهم كان برأيي التقدم في المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة في مطلع السنة الجارية.
 
لم تحسن الهدنة من وضع الحوثي بالمستوى العام، وغياب التحالف العربي وطيرانه مكن الحوثي من إعادة ترتيب قواته وحركاتها بسهولة وأمان،  لكنها فقدت فعلا روح الانتصار، وجذت حماستها للقتال، وصارت ترى النصر بعيدا بعد أن كان يلوح في الأفق نهاية السنة الماضية.
 
الأشد من ذلك على الجماعة الحوثية كان تصاعد المواجهة بين الشعب هناك وبين الجماعة الحوثية، بعد غياب العذر الحوثي الشديد "نحن في عدوان" وتلاشت هيبة جماعته وعناصرها بين القبائل التي تخوض حروبها بوجوده.
 
الفائدة الوحيدة للهدنة بالنسبة لجماعة الحوثي كانت على حافة هاوية الجماعة، هي ازدياد الموارد المالية من تدفق سفن الوقود بانتظام، لكن شراهة الحوثي لجباية الأموال بسلسلة من الجوع الباهظة وكانت أحد أهم أسباب تفجر الصراعات القبلية المتناثرة ضد جماعته، في عدد من المحافظات القبلية.
 
إذن، عودة الحديث الحوثي عن رفض تمديد الهدنة من قبل الجماعة ليس له أي دوافع محلية تحفز الجماعة فعلا، على رفض تمديدها، وهي التي كانت قبل نشوء العوامل المحلية السابقة ترفض مرارا قبول أي وقف لإطلاق النار، كالمبادرة السعودية في مارس 2021، و الهدنة الأحادية الجانب من التحالف نهاية 2019 وحتى مطلع 2020.
 
لم يبق من تفسير للحديث عن رفض الحوثي لتمديد الهدنة على لسان محمد عبدالسلام الحوثي، قبل يومين، الذي كان أول قيادي في الجماعة أعلن رفض جماعته للتمديد بالوضع الراهن، ثم تلاه عبدالملك الحوثي الأحد، ومحمد علي الحوثي بذات اليوم، إلا ما نشره موقع جاده الإيراني، أمس الأول السبت بأن إيران ردت على قمة بايدن مع دول الخليج ومصر والعراق والأردن، بتحريك أتباعها في المنطقة.
 
وقال كاتب التقرير في الموقع الإيراني علي هاشم، إن تصريح حسن نصر الله أمين عام حزب الله اللبناني التابع لإيران عن قدرته على استهداف حقل الغاز كاريش المتنازع عليه، وما بعده، ليس سوى ورقة إيرانية مشرعة في وجه التحركات التي تراها ضدها وكذلك كانت التهديدات الحوثية برفض تمديد الهدنة مرة أخرى.
 
على أن قمة بايدن مع دول الخليج والدول الثلاث الأخرى، لم تحقق اختراقات مهمة في أجندة بايدن ولا دول الخليج، فلا تطبيع مع إسرائيل، ولا طاقة قصوى، في مواجهة روسيا، ولا نيتو عربي ضد إيران، وبالتالي فإن الخيارات الإيرانية للعودة إلى شن هجوم كاسح أو كبير عبر الحوثي يفتقد بشدة إلى النجاح وتحقيق هدفه، خاصة إن تمكنت القوات الحكومية من الصمود في الأيام الأولى من أي هجوم حوثي وإفقاده زخمه، خاصة في جبهتي مأرب وتعز.
 
يتضاعف المأزق الحوثي إذن، بين هدنة تفجر خلافات جماعته، وبينها وبين حلفائه، وبينها وبين الشعب، وبين عودة للحرب لم تعد تهم الكثير من أتباعه، بعد انكسار نفسية أنصاره، وبيئته من تحقيق نصر عسكري، ومن أداء جماعته في صنعاء.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر