بنك الفساد المركزي!


منذر فؤاد

 ليس كل ما يعاد تدويره، صالحا للاستخدام مرة أخرى، في اليمن مثلا، أعادت المنظومة الدولية تدوير وجوه السلطة القديمة في مناصب تختلف عن تلك التي كانت تشغلها سابقا، لكن هذه العملية لم تعد بالنفع على المواطن اليمني، بقدر ما ضاعفت من معاناته.
 
آخر قضايا فساد السلطة، فاح ريحها من البنك المركزي اليمني، الذي تورط بعمليات غسيل معقدة، كما أورد تقرير خبراء الأمم المتحدة، وهذه الفضيحة ترسم صورة أكثر وضوحا لعمل آلية الفساد، التي تقود البلد نحو المجهول.
 
هل كان مسؤولو البنك ليمارسون الفساد بهذه الأريحية، لو أن مرؤوسيهم يمتلكون ضمائر حية؟ بالطبع لا، والذين يحصرون الفساد في مؤسسة البنك، إنما يرسمون صورة مثالية غير موجودة للأسف؛ أغلبية المؤسسات تغرق في الفساد، لكن ربما لم يحن دور فتح أغطيتها بعد!
 
لو أن قضية فساد البنك المركزي، حدثت في دولة تحترم المواطن، لاهتزت لها كراسٍ، واستقالت رؤوس، ولحوسب المسؤول الأول عن البلد، أكان الرئيس أو رئيس الحكومة، ولكنها حدثت في اليمن، البلد الذي يجد الفساد مبررات كثيرة ليواصل طريقه، كالحرب وغياب مؤسسات الدولة.
 
وعندما يصبح الفساد ممارسة اعتيادية لرجال الدولة، يعني ذلك أن الرئيس هادي أساء الاختيار أو أنه شريك في الفساد، باعتباره المسؤول الأول في السلطة، وفي كلا الحالتين هو في دائرة ليست رحبة، كصدور الذين يضيقون من انتقاده ويرونه فوق مقام النقد.
 
إن قضية فساد البنك المركزي، يجب أن تشكل دافعا للتقصي والبحث عن الرؤوس الكبيرة التي تعبث وتسرق مقدرات البلد، في جميع المؤسسات وفضحها أمام الملأ، وهذا جهد يحتاج إلى استقلالية، بعيدا عن وصاية الأحزاب السياسية، وضغوطات الإعلام الذي يخضع للدفع والطلب.
 
ولسائل أن يسأل: ما الفائدة من تصريف الطاقات في جهد كهذا في ظل واقعٍ التغيير فيه أبعد ما يكون بسبب الأزمات المتعددة؟ والجواب لا ينحصر فقط في تعرية وجوه الفساد، إذ تكمن أهمية هذا الجهد بشكل أساسي في توثيق الحقائق والوقوف أمام أي محاولة مستقبلية لتزييف التاريخ، فضلا عن أن هذه الحقائق هي شهادة إدانة قد تؤتى ثمارها غدا في مقاضاة الذين أفلتوا من عدالة اليوم.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر