‏عبر أربع سنوات من الحرب، لم تنجح الامم المتحدة في لملمة جراح اليمنيين، كما هو مطلوب منها وفقا للدور المفترض والمناط بها.
 
تاريخياً، نشأت هذه المنظمة في أعقاب الحرب العالمية الثانية بأهدافٍ نبيلة. وعبر ميثاق تأسيها فأنها، وعبر طابعها الدولي، تملك آلية العمل على قضايا السلم والأمن ونزع السلاح، وصولاً لقضايا المناخ والتنمية المستدامة. ولربما من المستحسن الإشارة أنه كان هناك، قبلها، منظمة تدعي "عصبة الأمم"، وفشلت في مهامها عقب نشوء الحرب العالمية الثانية.
 
وهو ما خلق الان هذا الكيان المسمّى "الامم المتحدة"، والذي يتشكل- تقريبا- من جميع دول العالم المستقلة. هذا الكيان، الذي في تاريخه لم يضمد جراحات دولة، الا وفقاً لأجندات وأرادات مصالح الدول الكبرى. فهل نحن مخدوعون بالدور المفترض لهذا الكيان، أم متواطئون ومتماهون معه؟!
 
‏وهنا، يفترض التفريق بين أمرين: بين موقف الحكام والشعوب من هذا الكيان، وبين مصالح وأرادات الدول الكبرى، والمصالح الضيقة للدول الصغرى، والتي هي مصالح ذات أفق ضيق، باعتبارها تعبير عن مصالح دول لا تلتفت لمصالح شعوبها، بقدر ماهي اختزال لمصالح ذاتية انتهازيه لهذا الحاكم أو ذاك.
 
 بالمحصلة اذن؛ هذا الكيان الأممي ليس جمعية خيرية. كما يريده البعض من البسطاء المقهورين، والذين لا حيلة لهم الا التسول بكرامة، عبر ما اعتقدوه حق أنساني منصوص عليه في أدبيات النشأة لمنظمة الامم المتحدة؛ أو الحكام عديمي المخيلة، مترهلي الفكر. كمثال حق استرداد الارض المغتصبة من المتمردين على الشرعية الدولية، وحق العيش بكرامة.. حتي اثناء الحروب، من خلال الاعتقاد أن هذه المنظمة هي اليد الحانية على الضعفاء، ممن فقدو الحماية والمأوى، تحت افعال الانقلاب، على سبيل المثال. أو انتهاكات العصابات الانقلابية، والكثير من الخيالات الحالمة لقليلي الحيلة من الشعوب..
 
‏إن مدينة نائية من نيويورك، حيث يقع مبني الامم المتحدة، والتي تقع في أقصي جنوب قارة اسيا، كمدينة "تعز"، والتي كانت ولا تزال محاصرة من قبل جماعة، هي، حسب ميثاق الأمم، جماعة خارجة عن العرف والقانون الدولي. هذه الجماعة، التي انتزعت الدولة بقواتها، من الشرعية، وقذفت بمصير 29 مليون في هول سحيق من المآسي..
 
‏في حين أن هذه المنظمة، بمبعوثيها الأربعة الى اليمن، وحسب ذاكرة الناس في تعز، لم ترسل أي من مندوبيها في فروعها العديدة، والمندرجة تحت عناوين إنسانية مؤثرة، كـ"اليونسيف"، الفرع الأممي للطفولة، سوى مندوبا واحدا فقط طيلة سنوات الحرب والحصار الحوثي، ونحن اليوم على أبواب السنة الخامسة للحرب، هو جوليان هارنس، والذي أتي هرولة لنجدة أقلية في صبر تتبع جماعة الحوثي مذهبياً، وتحت غطاء تقديم الدعم للمنشآت الصحية وتفقد مرافقها ودعم السلطة المحلية في المدنية آنذاك.  
 
‏بالطبع، هي قضية الأقليات، التي تمثل البوابة الباذخة لكل تدخلات الامم المتحدة، وعبر تاريخها لإشعال النزاعات بحجة حلها. تلك القضية أولوية، بلا شك، اكثر من أطفال المدينة المحرمين من المياه النظيفة، وفتك الأمراض، والألغام والقذائف التي خلفت جيلا بلا أطراف؛ جيل يمشي، في احسن أحواله، على قدمٍ، أو يكتب دون أصابع..!!
 
‏مثال آخر، مؤخرا، هو الكوميديا السوداء بعينها: الجهة الوحيدة التي تزرع الألغام، تحصد عشرون سيارة رباعية الدفع، عبر منحة من البرنامج الانمائي لمكافحة الألغام التابع للأمم المتحدة. وحسب المنظمة الدولية ذاتها، انه وفي عام 2018 تجاوز زراعة الألغام من قبل الحوثي ما يزيد عن مليون لغم..!!
 
‏مثال، ولن يكون الأخير، وباعتراف البرنامج الانمائي لمنظمة الامم المتحدة ذاتها: أن هذه الجماعة المتوحشة تقوم ببيع النصف من المساعدات الإغاثية للجوعى والنازحين، بعد توزيع النصف الاول على اتباعها ممن ينتمون الى ما يسمي "آل البيت"، والجزء الاخر لمقاتليها في الجبهات، حسب تحقيق استقصائي لـ"الجزيرة نت".

اخيراً؛ يبقي أن بقاء الحرب ذاتها- برغم كل القرارات الدولية التي تدين هذه الجماعة- شاهد حي على فشل، أو تواطؤ هذا الكيان المشبوه في حياة الشعوب في عصرنا الحاضر.
 
‏لهذا أظن انه بات حتميا، الحاجة الماسة لمراجعة دور الامم المتحدة في ادارة الحروب والنزاعات، وتشكيل وعي وفهم حقيقي حول هذا الدور، ودراسة تاريخ المنظمة وإنجازاتها في هذا الصدد. ودعم التوجه الشعبي اليمني الضاغط حول أنحرف هذه المنظمة لصالح الانقلاب الحوثي. 
 
‏وبالتوازي، هناك طلبا عاجلاً أيضاً؛ بتعرية منظومة الفكر النخبوي الثقافي والفكري والإعلامي، الذي يمد أنظمة الفساد بسبل التمدد والاسترخاء، كأحدي الحلول ربما، للوقوف أمام مأساتنا ذات الأذرع والوجوه المتعددة، اقليما ودوليا ومحلياً.
 
‏وقبل كل شيء: ماذا ينتظر الرئيس هادي وحكومته أمام كل هذا؟! هو السؤال العصي على الفهم، والذي منه يأتي الحل، لا الركون على ما نظنه الجمعية الخيرية الانسانية الدولية، وفي ظل هذا الأفق، أفق الرئيس هادي المسدود بلا أمل..!!
 
‏يبقي هناك بابا أخر في مواجهة العالم المتأكل انسانيا وضميراً، بحكامه ومنظماته ونخبة، يضرع اليه الناس، وهو الذي يرسل العدالة الإلهية.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر