سقوط الدولة وتزييف وعي الناس


ياسر عقيل

يتحول أحياناً سرد الأحداث التأريخية إلى عملية "تزييف لوعي الناس" في أبرز المحطات التي تمر بها البلدان في الصراعات السياسية والحروب الأهلية، وفي الوقت الذي تمر فيه اليمن حرب منذ سنوات وعلى إثرها حدثت سلسلة من التحولات وتغيرت أشكال التحالفات بين المتحاربين.
 
التشابكات المعقدة قبل وبعد بدء الحرب في اليمن بحاجة إلى تدوينها للتأريخ بدقة وموضوعية، كي نبقي للأجيال القادمة فرصة وإرث يستطيعون التعامل معها بحقائقها ومن خلال دراستها يستطيعون تجاوز جملة الأخطاء والكوارث التي أودت بالبلاد في مراحل تأريخية معينة، بالإضافة إلى اننا بحاجة للتعامل مع الحاضر والمستقبل وفقاً لمعطيات التحولات التي حدثت في مسار الحرب.
 
قبل أربع سنوات وبالتحديد 21 سبتمبر 2014 أثناء سيطرة الحوثيين على صنعاء بقوة السلاح بالتحالف مع على عبد الله صالح، كانت تلك البداية للحرب وسبقها سلسلة من الأحداث انتهت بسقوط الدولة مما تسبب بكارثة إنسانية، وتم التدخل العسكري من قبل التحالف العربي بقيادة السعودية وامتدت الحرب طويلاً وهذا صنع خلافات بين طرفي الانقلاب على الدولة الحوثيين وصالح انتهت بقتل الأخير في منزلة عقب إعلانه انتفاضة مسلحة ضد الحوثيين في 2 ديسمبر 2017.
 
تأتي الذكرى الرابعة للانقلاب هذه المرة بدون تحالف الحوثيين وأنصار صالح وحزب المؤتمر الذي أصبح أجنحة متعددة، الجناح الذي انضم إلى الحكومة الشرعية سواء قبل أو بعد مقتل صالح يحاول تسويق فكرة بطولة صالح في مواجهة الحوثيين ومقتله في سبيل ذلك، في محاولة تظليل للتحالف الذي كان بينهما وإخفاء مراحل تأريخية مهمة كان صالح أبرز المتسببين في سقوط الدولة وجزء أساسي في المأساة والحرب.
 
محاولة إعادة قراءاه الأحداث في اليمن وتوصيفها بشكل دقيق هي مهمة جد للتأريخ إذ أن مهمته أصبحت مزدوجة في تمكين الإنسان من فهم مجتمع الماضي وزيادة سيطرته على مجتمع الحاضر" ضمن ما أصطلح على تسميته في "فلسفة التأريخ" كما يراه "ابن خلدون" في مقدمته، حيث لم يعد التأريخ عبارة عن سرد أحداث فقط بل إعادة تحليلها من جميع الجوانب باعتبار الماضي جزء من استمرار الحركة والاتصال الإنساني والذي يحدد الحاضر والمستقبل على حد سواء.
يرى ابن خلدون أن التأريخ هو ايراد او سرد حقيقة ما حدث وتفسيرها، لذا لا يمكن اعتماد الحديث عن نتائج الحرب كواقعة تأريخية دون البحث في أسبابها المحورية، والتي تحمل صالح جزء كبير من تلك المسببات بالإضافة إلى قيادات عسكرية وسياسية في الدولة تورطت بشكل مباشر وغير مباشر في الحرب الجارية في تسهيلات وتواطئ مع الميلشيات دون اكتراث للنتائج الكارثية التي يمكن ان تتسبب بها.
 
لا يمكن أن نتجاوز أن على عبد الله صالح كان شريكاً أساسياً للحوثيين في السيطرة المسلحة على صنعاء وأكد في أكثر من خطاب تحالفه الوثيق معهم في الحرب، وعمل تسهيل سيطرتهم والانقلاب من خلال نفوذه بالقوات المسلحة ووحداتها العسكرية، وهو صاحب الخبرة الطويلة لأكثر من ثلاثة عقود في الحكم ويعرف تفاصيل الأمن وأجهزة المخابرات ويواليه قيادات عسكرية كبيرة منهم وزير الدفاع حينها محمد ناصر احمد.
 
حينها كان صالح ناقماً من ثورة فبراير 2011 التي أطاحت به وأراد أن ينتقم من الرئيس هادي بعد خلافات بينهما والأحزاب السياسية التي كانت جزء من الثورة وساندت هادي في رئاسته ضمن التوافق على المرحلة الانتقالية وتقاسم تشكيل الحكومة التي كان فيها حزب صالح يمثل 50%، غير أنه لم يروق له تلك التسوية السياسية رغم تنحيه عن السلطة لكنه ظل يثير الجدل ويتصدر المشهد السياسي منتظر لحظة الانتقام، إلى ان حصل عليها من خلال التحالف مع الحوثيين لإسقاط والدولة وهو آخر تحالف في حياته كان ثمنه مقتله بطريقة بشعة.
 
اللحظات الدامية من التأريخ من المفترض ألا تمر دون سرد الحقائق وتفسيرها للناس للحفاظ على وعي الناس من التزييف، لم تندمل جراح اليمنيين وأوجاعهم بسبب الحرب والانقلاب الذي أسقط الدولة وجعل مصير الشعب كله رهن تصرف ميلشيات، هذا الوجع الذي ضرب الجميع، لن ينسى اليمنيون من غدر بحياتهم وستظل الجريمة محفوظة في ذاكرة الأجيال للاستفادة من دروسها وعدم تكراراها مستقبلاً.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر