لم يكن للسلفيين دور محوري في الواقع السياسي اليمني منذ نشأتهم وتوسعهم خلال العقود الماضية وحتى إسقاط الجمهورية على يد الإمامة الحوثية في العام 2014م. ويشير مصطلح السلفيين هنا إلى مجموعة من المراكز العلمية الدينية وتيارات عدة غير منتظمة بمؤسسة واحدة أو تنظيم سياسي موحد، إلا أن لها سمات مشتركة تجمعها وأبرزها هي عدم رغبة التيارات والمراكز السلفية الدخول في الصراع السياسي على الحكم دون أن تنزع الشرعية عن نظام الحكم ومؤسساته رغم موقفها من بعض أسسه كالديمقراطية .
 
غير أن هذا الأمر لم يدم طويلا، إذ شهد الواقع السلفي تحولا مهما عقب إسقاط الجمهورية وغزو الحوثيين للمحافظات اليمنية؛ حيث انخرط السلفيون في مجابهة الإمامة الحوثية وشكلوا رأس الحربة في عدة محافظات يمنية مثل عدن وأبين والساحل الغربي.
 
وعلى عكس السلفيين في بلدان عربية أخرى الذين سعوا بمجرد انخراطهم في الشأن العام لتقويض الدولة الوطنية وتشكيل الإمارات الإسلامية، فإن سلفيي اليمن أبدوا نضجا سياسيا عاليا ومرونة (رغم بعض الانحرافات التي تشكلت في تعز بقيادة أبو العباس ) تخلقت من الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي المعقد في اليمن، إذ اندمجوا في المقاومة الشعبية وانخرطوا في السلك العسكري للجيش اليمني التي تديره الحكومة، لكن قسما منهم بقيادة الشيخ هاني بن بريك انقلب على الحكومة اليمنية واندمج مع الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال، وبغض النظر عن هذا الموقف الذي له تداعياته وأسبابه إلا أنه تمكن من تجاوز فكرة الإمارة الإسلامية المرتبطة بالوعي العام بالسلفيين، ويشير الكاتب سامي الكاف إلى انقسامات السلفيين المنخرطين في القتال ضد الحوثيين إلى تيار مع الحكومة الشرعية وتيار آخر مع المجلس الانتقالي الجنوبي.

 
وعلى كلٍ فإن الدور السلفي الفاعل في مناهضة الحوثيين له دوافعه الخاصة حيث لم يتأسس بعد تيار سلفي منظم يسعى إلى مصالح سياسية واقتصادية وثقافية معينة ولم يتحول إلى جماعة تحكمها المصالح المادية السياسية والاقتصادية البحتة، رغم دخولهم المتدرج إلى هذا الواقع بحكم السلطة والقوة والنفوذ والتأثير الذي امتلكوه في عدة مناطق وخصوصا عدن.
 
ومع تقدم الجيش في جبهات صعدة واقتراب الجيش من وادي آل أبو جبارة الذي كان يقع فيه مركزا للحديث تابعا لمركز دماج الشهير، فإن على السلفيين شحذ الهمم والدفع بقوة بالعمليات العسكرية الجارية في محور صعدة وخاصة جبهة كتاف للوصول بشكل سريع إلى مدرستهم الأولى في أبو جبارة ودماج لما لذلك الإنجاز -لو حدث- من قيمة معنوية ونفسية وعسكرية وثقافية كبيرة سيزيح عن كاهل الشعب اليمني جزءا من الغمة التي حلت به بعد سقوط هذين المركزين نهاية العام 2013 ومطلع 2014 م.
 
وإذا كان يجب على السلفيين الاستمرار في الدخول المتدرج للواقع السياسي اليمني وصناعته بواقعية وذكاء بدون تعصب أيديولوجي وفكري والتعامل بتفهم واحترام لأسس الجمهورية ومصالحها فإن عليهم أن يشكلوا واقعا ثقافيا وفكريا صلبا وشجاعا يقف أمام الإمامة الكهنوتية في صعدة بما يؤدي إلى هدم أسسها الفكرية والعقائدية الباطلة، واستبدالها بقيم التوحيد الحقة الرافضة لعبودية سلالة أو أسرة بغطاء ديني.
 
وانطلاقا من واقع التجربة السلفية خلال العقود الماضية فإنهم لم يشكلوا خطرا حقيقيا على أسس الدولة ولم تصدر بحقهم تهم الإرهاب فإنه بالاستعانة بهذه التجربة، يُؤمل على السلفيين بدعم الجمهورية صناعة واقع ثقافي وسياسي واجتماعي في صعدة رافض لفكرة الإمامة والسلالة المتسلطة على المحافظة منذ ألف ومائتي سنة، ولا يقتصر هذا المهمة عليهم بل على كل مؤمن بالجمهورية من أحزاب ومؤسسات، لكن التأثير السلفي ينبغي أن يكون هو في المقدمة لتحصين الجمهورية من السقوط مرة أخرى في يد الإمامة أو الاستبداد. وليكونوا بصنيعهم هذا قوة سياسية واجتماعية وطنية أصيلة في خلق واقع أفضل للشعب اليمني يمكنهم من تجاوز حروب الحكم في المناطق الأكثر تأثيرا على الحكم في اليمن وأعني صعدة وصنعاء وعدن وغيرها من المناطق.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر