إلى أين يذهب اليمني؟


منذر فؤاد

يظن المواطن اليمني_ وبعض الظن إثم_أنه يمتلك وطنا كبيرا، تتجاوز مساحته الخمسمائة ألف كيلو متر مربع، لكنه يكتشف إذا ما كُتب له النزوح، أن هذه المساحة كلها لا تساوي في قيمتها مساحة غرفة واحدة في منزله في الأصلي، الأنانية العفنة وحدها من يمكنها التمدد بكل أريحية، على مساحة لابأس بها  من الأرض اليمنية.
 
الأخبار القادمة من على مشارف عدن، عاصمة اليمنيين المؤقتة، مثيرة للخزي والعار وتحمل في طياتها حجم من الألم لا تقوى الجبال على تحمّله، النازحون الهاربون من جحيم الحرب في الحديدة مُنعوا من دخول عدن، يفترشون التراب عند مداخلها فلايؤذن لهم بالدخول، ينشدون تدخلا إنسانيا من الرئيس وحكومته لإنقاذهم من الجنون الحاصل، فلا الرئيس يجيب ولا الحكومة تملك القرار!
 
تمتلك أدوات الإمارات في عدن مبررات معقولة، يتم بموجبها حماية المدينة من أي غزو حوثي قد تتعرض له المدينة، ومنع النازحين الأبرياء يأتي في إطار هذا السياق، كذبة مخزية كهذه لا تزال تلوكها الألسن المناطقية، لتبرير جريمة لا تغتفر بحق أبرياء لا صلة لهم بمؤامرات مفترضة، لا توجد إلا في خيالهم المريض.
 
تبدو مأساة نازحي الحديدة صورة مصغرة من مأساة كبيرة طالت غالبية اليمنيين، داخل وخارج الوطن، أصبح اليمني عرضة لنيران العدو والصديق على حد سواء، تختلف الأساليب فقط، أما النتيجة فتبدو متشابهة كثيراً.
 
يحمل النزوح في طياته مآس لا يحس بها إلا من خاض تجربتها المريرة، النزوح إلى  خارج الوطن للبحث عن منفى، صورة أخرى للمأساة المكانية التي عانى منها اليمنيون خلال سنوات الحرب، ودفعتهم للتفكير في طرق بديلة ولو كانت غير آمنة، للبحث عن مكان آمن وعمل يوفر لهم لقمة يقتاتونها، بعد أن تقطعت بهم سبل العيش والإقامة داخل وطنهم.
 
قبل أيام قلائل، تواترت الأنباء عن مأساة جديدة قرب السواحل الليبية، كان بين ضحاياها ثلاثة يمنيين قضوا غرقا رفقة آخرين من جنسيات أخرى، أثناء محاولتهم الهجرة إلى أوروبا عبر البحر الأبيض، بحثا عن منفى يليق بهم لقضاء بقية أعمارهم فيه، قبل أن ينقلب القارب الذي كان يقلهم، ويضع نهاية مأساوية لأحلامهم التي غرقت معهم في عرض البحر.
 
في حين يغادر اليمني أرض الوطن مضطرا للبحث عن مكان يأوي إليه، يعود اليمني أيضا إلى أرضه مضطرا بعد أن تقطعت به سبل الإقامة في بلاد الغربة، وأصبح هدفا لإجراءات وقرارات ملكية لأصحاب السمو والمعالي تهدف للتضييق عليه وإجباره على المغادرة، وتلك مأساة أخرى تضاف إلى المأساة المكانية التي يتيه فيها اليمني داخل وخارج وطنه، وهنا يتجلى بوضوح البيت المعنى الحقيقي للشاعر الكبير البردوني، الذي يقول فيه:
يمانيون في المنفى، ومنفيون في اليمن!
 
قبل أن يشن الحوثيون، حربهم العبثية على اليمنيين، كان لدى اليمني بيتا يقطن فيه، ويمارس أعمالا ليحصل منها على ما يسد به رمقه، في بلاد ترزح تحت وطأة الفقر والبطالة وأخيرا القهر، لكن بيت اليمني أصبح اليوم إما ركاما بفعل تفجيره من قبل الحوثيون، أو بفعل غارات جوية غادرة، أو أصبح مترسا عسكريا تتحصن فيه عصابة الميليشيا، أو مسرحا لعمليات عسكرية تطال كل شيء، أو أصبح البقاء فيه سببا للاعتقال والملاحقة، حينها تتعدد خيارات الهرب من هذا الواقع المثخن بالسواد، وتضيق هذه الخيارات عند أول منعطف!
 
لقد أصبحت حياة اليمني عبئا عليه، وعلى حدود ومساحات داخل وخارج أرض الوطن، وحدهم تجار الحرب من يتنعمون ببقائه شقيا، ووحده من يكتوي بنيران مدافعهم، الموت حياة جديدة له، والحياة امتداد لجحيم لا يطاق، فإلى أين يذهب؟
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر