طالبت بتشكيل لجنة أممية خاصة.. منظمة تدعو المجتمع الدولي للتدخل العاجل لإنهاء الحصار المفروض على تعز

وجهت منظمة سام للحقوق والحريات، اليوم الخميس، نداء للمجتمع الدولي للتدخل العاجل لإنهاء الحصار الذي تفرضه مليشيات الحوثي على مدينة تعز (جنوب غربي اليمن) وذلك بالتزامن مع مرور ثلاثة آلاف يوم.
 
وقالت المنظمة في بيان لها، إن الحصار الذي تفرضه جماعة الحوثي على مدينة تعز منذ ١٣ يوليو ٢٠١٥، فرض قيود شديدة على تدفق  السلع والخدمات وحرية التنقل، مما ساهم في خلق كارثة إنسانية في المحافظة، أثرت بصورة مباشرة على أهم الحقوق الأساسية التي كفلها القانون الدولي.
 
وأشار البيان، إلى أن الأرقام والحوادث التي رصدها فريق المنظمة الدولية أظهر تأثر المدنيين بشكل مباشر جراء الحصار المفروض الذي حوّل مدينة تعز إلى سجن كبير لممارسة عقاب جماعي على كل من يعيش فيها.
 
ولفت إلى أن الحصار قطع أوصال المدينة، حيث تنتشر النقاط المسلحة على مداخل المدينة، بصورة أثّرت على حركة المدنيين من وإلى خارج المحافظة، وأثرت تلك التعقيدات على عملية التنقل داخل المدينة وجعلتها أكثر كلفة وإرهاقًا، خاصة للمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة.
 
وأوضح البيان، أن الطريق الذي كان يستغرق ساعة من المدينة إلى منطقة الحوبان الواقعة تحت سيطرة مليشيا الحوثي تحول إلى طريق يستغرق 8 ساعات مع تكلفة تُقدر بنحو اثني عشر ألف ريال يمني على الفرد.
 
وأضاف، "تحرم جماعة الحوثي المواطنين في تعز من وصول البضائع واحتياجاتهم الأساسية وتفرض قيودًا مشددة على دخول وخروج البضائع، حيث تأثرت الحركة التجارية في تعز بسبب الحصار المفروض على المدينة، وتسببت في ارتفاع كبير للأسعار تجاوزت قدرة المدنيين الشرائية".
 
وذكر أنه بحسب مسحها الميداني فإن تقديرات تكلفة التنقل في الطرق الالتوائية من وإلي المدينة أصبحت مرهقة وفوق قدرة المواطن، حيث يُقدر ما ينفقه المواطن التعزي قرابة  70 مليار ريال يمني من ماله الخاص، كما أنه يفقد ما يقارب 500 ألف ساعة يقضيها في طرق الْتفافية للوصول إلى غايته.
 
كما تطرق البيان، إلى تأثير الحصار على الكثير من العمال الذين يعملون في مصانع "هائل سعيد"، الواقعة في منطقة الحوبان، وذلك بحرمانهم من أعمالهم أو إجبارهم على نقل أسرهم إلى منطقة الحوبان، في رحلة شاقة تسببت في تفكيك الأسر.
 
ودعت منظمة سام إلى الضغط على جماعة الحوثي من أجل وقف حصارها غير القانوني واللا إنساني لمدينة تعز وإعلان وقف عملياتها العسكرية دون أي اشتراطات.
 
كما دعت إلى تشكيل لجنة أممية خاصة بملف تعز وإرسالها للوقوف على حجم الانتهاكات ومعاينة الأوضاع المعيشية المتردية داخل المحافظة.
 
بالإضافة إلى السماح للجهات الدولية بإنشاء ممر غذائي وبشري آمن، من أجل نقل الجرحى والمصابين لتلقي علاجهم في المستشفيات المجاورة أو خارج البلاد، والسماح بإدخال المواد الغذائية والمستلزمات الطبية العاجلة للمدينة.
 
وطالبت المنظمة أيضا، بتشكيل لجنة تحقيق للوقوف على التداعيات الخطيرة التي أسفرت عنها العمليات العسكرية والحصار الممارس بحق مدينة تعز.
      
تكملة بيان منظمة سام:
 
طريق الحوبان
 
يربط طريق الحوبان تعز ببقية المحافظات الشمالية والجنوبية على حد سواء بوقت قياسي حيث لا يفصل تعز عن عدن عن طريق الحوبان سوى ساعتين ونصف بدلًا من 10 ساعات في الطرق الالتفافية الترابية المرهقة، وتختصر المسافة إلى صنعاء إلى 4 ساعات بدلا من 10 ساعات.
 
لكن بعد إغلاق جماعة الحوثي للطرق الرئيسية المؤدية إلى الشمال الشرقي باتجاه منطقة الحوبان، وكذلك الطرق المؤدية إلى الشمال والشمال الغربي والتي تربط مدينة تعز ببقية اليمن، أضحت أبسط الطرق تستغرق أكثر من 6 ساعات، فعلى سبيل المثال: كانت الرحلة من مدينة تعز إلى منطقة الحوبان تستغرق حوالي 10 أو 15 دقيقة قبل 2015، لكنها تستغرق الآن من 6 إلى 8 ساعات. هذا ويُضطر سكان مدينة تعز إلى سلوك طريق الأقروض الجبلي غير المعبّد، وهو التفاف حول المدينة يزيد طوله عن 60 كيلومتر. كما أنه طريق ضيق ومتعرج، وفيه الكثير من المنعطفات الحادة والعديد من نقاط التفتيش الحكومية والحوثية.
 
إنهاك للاقتصاد
 
تحرم جماعة الحوثي المواطنين في تعز من وصول البضائع واحتياجاتهم الأساسية وتفرض قيودًا مشددة على دخول وخروج البضائع، حيث تأثرت الحركة التجارية في تعز بسبب الحصار المفروض على المدينة، وتسببت في ارتفاع كبير للأسعار تجاوزت قدرة المدنيين الشرائية.
 
ولتقريب الصورة بشكل أكبر سنذكر مثالا على مقياس أجر نقل الطن من البضائع الذي يُكلف نحو 45000 ريال يمني نحو المدينة حاليًا عبر هيجة العبد، وإذا ما تم نقل البضائع عبر طريق كربة الصبيحى وهو الطريق البديل لهيجة العبد فسيرتفع ثمن النقل إلى 70000 ريال يمني للطن، بينما لن يزيد ثمن النقل عن 15000 ريال يمني إذا ما تم فتح الطرق الرئيسية.
 
أما أسعار البضائع المحلية من الحوبان فقد ارتفع إيجار الطن إلى نحو 20000 ريال يمني، فيما لن يزيد عن 4000 ريال يمني في حال فُتحت الطرقات الرئيسية لنقل البضائع. علاوة على ذلك، تتعرض تلك البضائع للتلف والتهتك والفساد بسبب وُعورة الطرق الجبلية وطول الطريق الذي يستمر لعدة أيام، أو التقلبات الطقسية كالسيول، والانهيارات الصخرية والحوادث، وما إلى ذلك، حيث تتعرض البضائع مثل الأجبان والدجاج المجمد والأسماك والألبان للتلف بسبب تلك العوامل.
 
كما لاحظت المنظمة ارتفاع غير مسبوق في أسعار البضائع وارتفاع سعر صرف العملة إلى 500%، حيث بلغ في بعض الأحيان ثمن كيس الأرز 50 كيلو بنحو 55 ألف ريال يمني بفارق يزيد عن 300%، وارتفع سعر دقيق القمح إلى نحو 50 ألف بفارق يزيد عن 250%، كما ارتفع سعر الزيت حجم 12 لترا إلى 50 ألف ريال يمني. إضافةً إلى زيادة أسعار الأدوية بشكل يفوق قدرة المواطن الذي توقف راتبه، مع ضعف سوق العمل إلى حده الأدنى.
 
يُشار إلى أن هناك عدة أسباب لارتفاع الأسعار، حيث تزيد تكلفة النقل عبر هذه الخطوط بما نسبته 10 إلى 15 % بالنسبة للبضائع المعبأة في كراتين، وما نسبته 5% تقريبًا من المواد الأساسية "قمح ودقيق وسكر" المعبأة في أكياس، وبالتالي تُضاف نسبة الزيادة إلى قيمة السلع، مع العلم بأن الزيادة وتكاليف النقل المرتفعة من ميناء عدن يتحملها أبناء تعز سواءً من في المدينة أو الحوبان، إلى جانب ما يتكبده القطاع التجاري من ضرر لمنشآته وممتلكاته أو توقف أعماله، وهو ما ينعكس بطبيعة الحال على المواطن، ذلك أن استمرار الحصار وإطالة أمد الحرب أفرز هذه النتيجة الحتمية (من ارتفاع للأسعار وخسائر اقتصادية وتجارية فادحة شملت عدة مناطق وقطاعات).
 
يضاف إلى ذلك تأثير الحصار على الكثير من العمال الذين يعملون في مصانع "هائل سعيد"، الواقعة في منطقة الحوبان، وذلك بحرمانهم من أعمالهم أو إجبارهم على نقل أسرهم إلى منطقة الحوبان، في رحلة شاقة تسببت في تفكيك الأسر.
 
القطاع الصحي.. انهيار متسارع
 
أما على الصعيد الصحي فقد أظهرت التقارير الطبية المحلية وصول الأوضاع الصحية في المحافظة المنكوبة بالحرب وحصار الميليشيات الحوثية إلى درجة الانهيار، بالتوازي مع شح الإمكانات والأدوية ونقص الأطباء ومغادرة بعضهم ورفض المشافي استقبال المرضى في ظل تفشي الأوبئة، ومنها فيروس كورونا. حيث أظهرت المعلومات أن احتدام المعارك في مناطق التماس من وقت لآخر بين القوات الحكومية والميليشيات الحوثية أسهم في تدهور القطاع الصحي، خاصة مع مغادرة عدد كبير من الكوادر الطبية، من اختصاصيين واستشاريين، من المحافظة إلى دول أخرى أو المحافظات المجاورة لتعز.
 
وذكرت "سام" بأن مكتب الصحة في "تعز" يواجه تحديًا في توفير الأدوية والمستلزمات الطبية في المستشفيات الحكومية العاملة ، حيث تسبب الحصار بإتلاف العديد من التجهيزات الطبية، نظرا لعدم وجود قطع غيار، فضلًا عن شح الإمكانيات، حتى لتكاد المستشفيات الرئيسية في تعز تفتقر إلى معظم التجهيزات الطبية الحديثة، إذ لا يوجد مستشفى حكومي في المحافظة يمتلك جهازا طبقيا محوريا أو جهاز رنين مغناطيسي وإنما يوجد في بعض المستشفيات الخاصة وبمواصفات قديمة جدا، ناهيك عن التكلفة العالية للغاية.
 
وبحسب مسؤولي قطاع الصحة في تعز، فإن عدد سكان المحافظة يقارب الخمسة ملايين نسمة، بما يمثل 15 أو 20 في المائة من إجمالي سكان اليمن و50 في المائة من إجمالي سكان المناطق الخاضعة للحكومة الشرعية، ما يعني حاجتها إلى العشرات بل إلى المئات من أجهزة التنفس الصناعي، على سبيل المثال.
 
استبعاد من اتفاقات التهدئة
 
رغم الإعلان عن التوصل إلى اتفاقية استكهولم في سبتمبر/ أيلول 2018 وإدراج قضية تعز كأحد البنود الأساسية فيه، حيث نص البند  الثالث من الاتفاق على " إعلان تفاهمات حول تعز" إلا أن المحافظة نُسيت وتركت لمعاناتها الإنسانية المتفاقمة، ففي أبريل 2022 أعلن المبعوث الأممي "هانس" عن هدنة بين أطراف الحرب في اليمن نص فيها على "فورية دخول الهدنة حيز التنفيذ" ودعوة المبعوث الخاص الأطراف إلى اجتماع للاتفاق على فتح طرق في تعز وغيرها من المحافظات لتيسير حركة المدنيين" إلا أن الحال لم يتغير، حيث عقد وفدان يمثلان الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي مفاوضات مباشرة في العاصمة الأردنية تحت رعاية المبعوث الأممي "هانس" من أجل تنفيذ بند رفع الحصار عن تعز، إلا أن الطرفين لم يتوصلا إلى نتيجة؛ حيث يحمل وفد الحكومة الشرعية جماعة الحوثي مسؤولية فشل التوصل إلى تفاهمات حول رفع الحصار عن تعز.
 
 لقد أدى غياب دور المجتمع الدولي في إدراج تعز ضمن أي اتفاقات للتهدئة إلى زيادة انتهاكات جماعة الحوثي بحق الأفراد داخلها.  تقول الناشطة الحقوقية "داليا محمد": "إن أيّ حديث عن هدنة في تعز يعني مزيدًا من المجازر والقصف والقنص والرعب، لأننا أصبحنا نعرف الحوثين عبر تجربتنا معهم في الهدن السابقة خلال السنوات الماضية، والأمر نفسه ينعكس على الهدنة الأخيرة والتي بدأت من شهر 4/2022، إذا خرقتها جماعة الحوثي من منتصف ليلة الإعلان عنها، من خلال قصف الغربية بالضباب والأحياء الشرقية، إلى جانب سقوط العديد من الجرحى المدنيين نتيجة قصف وقنص المنازل واستهداف المدنيين وبشكل خاص النساء والأطفال".
 
وتابعت الناشطة حديثها "شهد شهر مايو من عام 2022، أبرز جريمة، إذ استهدفت جماعة الحوثي أحد المنازل في قرية السائلة والذي راح ضحيته طفل وإصابة الأب والأم بجروح وكسور متفاوتة، وبعدها مجزرة العيد في منطقة الروضة التي راح ضحيتها الأطفال، وإلى يومنا هذا والانتهاكات مستمرة وكان آخرها الهجوم الذي راح ضحيته 10 قتلى من الجيش إلى جانب الجرحى أثناء صدهم الهجوم الذي هدف  إلى غلق شريان المدينة الوحيد، ومنذ تاريخ 31 سبتمبر/ أيلول إلى يومنا هذا لا يزال القصف العشوائي واستهداف خط الضباب الذي يعد شريان المدينة الوحيد، مستمرًا".
 
تعقيب المنظمة
 
تؤكد المنظمة على أن الحصار الممتد منذ سنوات أثّر بشكل كبير على مجريات الحياة في المدينة، لكن أخطر  تبعات هذا الحصار إضراره بصورة كبيرة بالحق في الحياة الأسرية، حيث أدى إلى الفصل بين أفراد الأسرة الواحدة؛ الأمر الذي يعكس آثارّا سلبية على الأسرة باعتبارها خليّة أساسية في بناء المجتمع، وعلى الطفل –  الطرف الضعيف في الأسرة– الذي يتوجب حمايته وعدم فصله عن أسرته، فقد تجزأت الأسر في تعز إلى قسمين بعضها يعيش داخل المناطق المحاصرة، والبعض الآخر في مناطق سيطرة الحوثيين،  ومنذ سنوات الحصار حُرمت بعض الأسر من زيارة ورؤية بعضها. وهي ممارسة غير قانونية يجب أن ينظر لها بمنظور إنساني بحت.
 
إلى ذلك، ترتب على الحصار الخانق المفروض على تعز، حرمانها من مطارها الدولي الذي كان يمكن أن يشكل منفذا مهما لإنقاذ الكثير من الحالات الإنسانية التي تضطر إلى سلوك طرق التفافيّة طويلة ومرهقة للوصول إلى مطار عدن أو مشافي صنعاء، وكذلك حُرمت من مينائها في المخا والذي كان يمكن أن يساهم في تنشيط الحركة التجارية ووصول البضائع والمواد الأساسية والأدوية والمعدات الطبية، وهو أمر يجب أن يكون محل اهتمام، فالسلام منظومة متكاملة لا يجوز تجزئته بإهمال الجانب الإنساني منه.
 
تؤكد "سام" على أن مدينة تعز تكبدت الكثير خسائر اقتصادية مهولة، وهو ما أظهرته الأرقام المالية والاحصائية على مستوى الإيرادات أو الإنفاق الفردي على الصحة والتنقل، كما تحملت تعز العبء الأكبر من التكلفة البشرية لضحايا القصف العشوائي والقنص المتعمد والألغام الفردية التي زرعتها جماعة الحوثي، في ظل تجاهل ملحوظ من قبل الحكومة والمجتمع الدولي.
 
المراجعة القانونية
 
أكدت المواثيق الدولية على أن ممارسات الحصار الجماعي وجرائم القتل خارج القانون واستخدام القوة غير المبررة في الاعتداء على المدنيين تعتبر جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وفقًا لميثاق روما المشكل للمحكمة الجنائية الدولية، إضافة لمخالفته قواعد لاهاي واتفاقيات جنيف لاسيما الرابعة التي أقرت بالحماية الكاملة والخاصة للمدنيين أثناء النزاعات المسلحة.
 
تشدد "سام" على أن القانون الدولي الإنساني والاتفاقيات الدولية ذات الصلة تُلزم قوات وأفراد جماعة الحوثي بشكل خاص وأطراف الصراع بشكل عام، احترام القواعد القانونية التي كفلت الحماية للمدنيين، لا سيما معايير الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، التي أكدت مجتمعة على حماية حقوق المدنيين وتجريم كل اعتداء أو سلوك أو ممارسة عقاب جماعي أو حصار من شأنها أن تستهدف أو أن تشكل خطرًا يمس المدنيين في أماكن تواجدهم وتجمعاتهم.
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر