إب: المليشيات تحكم بأساليب قطاع الطرق

سجلت حادثة التحكيم القبلي لإدارة خلاف نشأ بين قيادي حوثي كبير في المحافظة ومؤسسة طبية جدلاً واسعاً في أوساط المثقفين ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي، الذين عدوا الحادثة نكوص عن المدنية وحضور الدولة لحساب أعراف وتقاليد لم تعرفها إب من قبل.

الحادثة المثيرة للجدل والتي خاض فيها الكثير نقاشات عدة بدءاً باستقواء متنفذ حوثي بالقوة المليشاوية واستصدار قرار إغلاق للمؤسسة الطبية التي يخوض معها خلافاً بحجة خطأ طبي ـ كما يدعي هو ـ أودى بحياة أحد أقاربه، مروراً بحالة السخط الشعبي والمجتمعي لهذا الاستعباط المليشاوي، وانتهاء بالتحول الكبير في القضية الذي ذهب نحو التحكيم القبلي ،وما صدر عنه من حكم جائر بحق النظام والقانون واللوائح السائدة في هذا البلد.

كل هذا الجدل كان كفيل بفتح هذا التقرير عن حالة النكوص عن المدنية والاحتكام للدولة وقوانينها من مدينة عُرفت تاريخيا بإيمانها المطلق بالدولة والاحتكام لقوانينها على الرغم من الحضور المتخم للمشائخ القادمين من شمال الشمال والعادات والتقاليد التي رافقتهم والتي عادة ما تكون في الضفة الأخرى من الدولة.

نضالات إب وثورية قياداتها ونزعتهم التحررية من براثن الاستبداد والإمامة والكهنوت في الثورة السبتمبرية 62م، وكذلك التأريخ المشرف لأبناء المحافظة في إدارة الدولة ومؤسساتها بدءاً من رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وحتى آخر موظف في السلك الإداري للدولة، تتعرض اليوم لتجريف واسع وعملية طمس معالم مشرقة في تأريخ اليمن الحديث من خلال هذا العبث المليشاوي الطاغي في الحياة اليومية بمحافظة إب.

بداية النكوص

في أكتوبر 2014م اجتاحت مليشيات الحوثي وصالح المدينة الحضارية وراحت تسيطر على كل مرافق الدولة فيها، وما هي إلاّ أيام حتى بدأت مظاهر الرجعية عن الدولة والنكوص عن الإيمان بها تظهر للعيان من خلال احتكام المواطنين لمحاكم مليشاوية بعيدة كل البعد عن الدولة والعمل المؤسسي فيها.

غُيبت الدولة وحضرت المليشيا، وراح الناس خلفها ينشدون وهم الاستقرار باحتكامهم إلى الفوضى، فذهبت كثير من الحقوق أدراج الرياح خلف مسميات (ركبة، مهجم، منزوع، تحكيم، وصله) وظُلم كثير من المواطنين تحت قوة السلاح وتصادرت حقوق الكثير منهم ، وتفخخت محاكم الدولة بأحكام عرفية صُدّرت لها كفيلة بإشعال فتيل صراع بين أبناء المحافظة لعشرات السنين القادمة.

انتشرت محاكم الانقلابيين في المحافظة شرقاً وغرباً، وذاع صيت أشخاص وهميين متسترون خلف أقنعة "كُنى"، ومعهم اتسعت رقعة النكوص عن الدولة والذهاب نحو الاحتكام لأعراف وتقاليد بعضاً منها لم تعرفها المحافظة من قبل، فسجلت المحافظة تدني كبير في مؤشر حضور الدولة وطغت على معيشتها الحضور المليشاوي بكل مساوئه.

عُكفي الانقلاب

حبه للسلطة وعشقه لمنصب محافظ المحافظة وارتباطه الوثيق بعلي صالح ،أعمى بصيرته وأنساه مدينته، فارتضى لنفسه أن يكون عكفياً للانقلاب في المحافظة

"عبدالواحد صلاح" أحد مشائخ المؤتمر ورجل صالح في إب ، يشغل منصب وكيل أول محافظة إب منذ زمنٍ طويل ورأس المؤتمر في المحافظة إلى قبل أشهر ،عُرف عنه انحيازه الكامل لمصالحه الشخصية حتى وإن كانت على حساب مصالح الوطن والمحافظة وأبناء مدينته .

رجل "عفاش " في إب والقاسم المشترك بينه وبين الحوثيين ،انتظر طويلاً لمنصب المحافظ فلم يصل إليه فاختار طريق الانقلاب كونه أقرب الطرق المؤدية إلى المنصب ،وفي سبيل الوصول إليه باع كل شيء حتى بات متجرداً من كل صفات الإنسان السوي.

بعد تعيين الانقلابين "صلاح" عاملاً لهم في إب ،يكون قد وصل إلى هدفه الذي سعى له منذ أمدٍ كبير، ولأن وظيفته المعين فيها مهمتها الأساسية هي تسهيل الأعمال للانقلابين وعرقلة أي عائق يقف في طريقهم امتهن " صلاح " دور رجل الإطفاء فبات يُطفئ أي انتفاضة في وجه الانقلابين أو أي مقاومة شعبية لممارساتهم الإجرامية.

"صلاح" الذي سلّم الأجهزة الأمنية لمليشيا الحوثي لتعبث في إب كيفما تشاء وتمارس كل صنوف التعذيب والإرهاب بحق معارضي الانقلاب لم يقف يوماً في صف أبناء محافظته الذين عجّت بهم السجون الرسمية والخاصة بل ساعد وساهم وبكل إمكانيات الدولة والمؤتمر في ترسيخ هذا الواقع لكي يستمر في منصبه .

جرائم ضد الإنسانية

جرائم بشعة ارتكبتها المليشيات الانقلابية بحق أبناء محافظة إب ورموزها ووجاهاتها الاجتماعية كل ذلك بإدارة وتخطيط من شريك الانقلاب ووكيله الأول في المحافظة "عبدالواحد صلاح"، والذي يقع على عاتقه ـ كما يرى مراقبون ـ إطفاء الحرائق التي تشتعل في وجه الانقلابيين من المجتمع جرّاء هذه الممارسات والجرائم المرتكبة.

جريمة إعدام أبناء النادرة، وجريمة مقتل الشيخ الشلح في السياني، وتفجير منازل بيت القادري في جبلة ،ونهب وتفجير منازل مشائخ بيت الجمال بإب وبعدان، ونهب أملاك الشيخ "العجل" وإقتحام منزل الشيخ عبدالعزيز الحبيشي بالمدينة واختطاف نجله ،وجرائم أخرى لا حصر لها عادة ما ينبري لها "صلاح" بعد وقوعها ويشكل اللجان ويحاول جاهداً طمس معلم الجريمة ومعاقبة الضحية بذبح الحيوانات والتهجير القبلي ،في عملية منظمة هدفها وأد أي ردات فعل مقاومة من المجتمع وأكثر من ذلك طمس كبرياء إب ونضالاتها وتدجينها للانقلاب بصورة أصبحت فيها المحافظة وأبنائها مثار السخرية والاستهزاء من كل أبناء اليمن.

مستقبل  المحافظة

عودة المحافظة إلى كنف الدولة وعودة الإيمان بالدولة لدى أبنائها مرتبط ارتباط وثيق بطريقة استعادة الشرعبة لهذه المحافظة الأبية، فليس من طريق لهذه العودة سوى التحرير الشامل لها من كل رواسب الانقلاب ومخلفاته، غير ذلك ستبقى المشكلة قائمة.

الحل العسكري الشامل هو الخيار المتاح من بين الخيارات لاستعادة وعي أبناء المحافظة، وإيمانهم المعهود بالدولة، وأي حلول سياسية تقضي بإنهاء الانقلاب بصورة شكلية هو في المقام الأول يخدم الإنقلابيين ومشاريعهم الرجعية التي عملوا على غرسها في المجتمع وتعميق جذورها بتواجدهم الصاخب في كل مرافق الحياة داخل المحافظة، كما أن المحاصصة السياسية هي الأخرى ستعمق هذا النكوص وبالتالي تأجيل عودة إب إلى حضن الدولة لسنين قادمة قد تكون طويلة.

 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر