كيف تعرف ما إذا كنت تعاني من الاكتئاب أو حزن عادي؟

فقد "موجو"، وهو المدير التنفيذي الناجح في منتصف الأربعينيات من عمره، شعوره بالثقة في النفس، وأصبح يعاني من القلق.  

اختفت شهيته إلى جانب رغبته الجنسية، وفقد ما يقرب من تسعة كيلو غرامات.  

كان "موجو" يعتقد أن أعراضه لم تكن أكثر من استجابة متوقعة للعبء المالي الذي يعيشه.  

لكن بعد أن أصرت زوجته على أنه بحاجة إلى المساعدة، استشار أستاذ الطب النفسي السريري ومدير عيادة علم الأدوية النفسية في كلية طب وايل كورني، ريتشارد فريدمان، بعد أن كان قد بدأ يعتقد أنه قد يكون عائقا في حياة عائلته وأنها ستكون أفضل بدونه.  

وفعلا، شخص فريدمان، موجو، بـ "اكتئاب إكلينيكي"، مشيرا في مقال لـ "واشنطن بوست"، إلى أن اعتقاد مريضه بأن حزنه كان مجرد "قلق طبيعي" هو أمر شائع جدا.  

ويوضح أستاذ الطب النفسي بالجامعة الأميركية بالقاهرة، ماهر ضبع، في حديثه مع موقع "الحرة" أن "الاكتئاب الإكلينيكي" يعني أن المريض يحتاج إلى مساعدة طبيب نفسي متخصص، وأنه قد لا يستطيع التعامل مع حالته للخروج منها بمفرده.  

ومع دخول جائحة كورونا وأزمة المناخ وتقلبات الطقس السريعة، والظروف الاقتصادية، والصراعات السياسية والحروب التي يمتد تأثيرها على العالم بأجمعه، ازدادت معدلات الاكتئاب والقلق إليه بحسب ما تشير إليه استطلاعات الرأي.  

وبين عامي 2019 و2022، قفزت معدلات أعراض القلق لدى البالغين من ثمانية إلى 29 بالمئة، وارتفعت معدلات أعراض الاكتئاب من سبعة إلى 23 بالمئة، وفقا لمسح "نبض الأسرة" الذي أجراه المركز الوطني للإحصاءات الصحية بالتعاون مع مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.  

وفي المنطقة العربية، بحسب استطلاع أجراه "الباروميتر العربي" على 25 ألف مواطن ومواطنة على امتداد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ونشرته في سبتمبر 2020، فقد ذكر 35 في المئة منهم أنهم يشعرون بالتوتر في كثير من الأحيان. 

وكان التونسيون (53 بالمئة) والعراقيون (49 بالمئة) والأردنيون (42 بالمئة) من بين أكثر المبلغين عن إحساسهم بالتوتر في كثير من الأحيان أو في معظم الأحيان. وفي الوقت ذاته فإن المواطنين في مصر (27 بالمئة) والجزائر (27 بالمئة) والسودان (22 بالمئة) والكويت (12 بالمئة) هم الأقل إبلاغاً بإحساسهم بالتوتر. 

بينما قال ثلاثة من كل عشرة أشخاص (29 بالمئة) إنهم يعانون من الاكتئاب. 

وبحسب الاستطلاع، تبين أن العراقيين (43 بالمئة) والتونسيين (40 بالمئة) هم الأكثر إبلاغاً بشعورهم بالاكتئاب، يليهم الفلسطينيون (37 بالمئة). بالمقارنة، فإن المواطنين في الجزائر (20 بالمئة) والمغرب (20 بالمئة) والسودان (15 بالمئة) هم الأقل إقبالاً على الاعتراف بالاكتئاب. 

ويقول ضبع لموقع "الحرة"، إن هناك دراسات تشير إلى أن 80 في المئة من المصريين يعانون من الاكتئاب، وهو رقم مبالغ فيه، مشيرا إلى أنه يعتقد أن ستة من كل عشرة مصريين مروا بفترة اكتئاب في حياتهم.  

ويرى ضبع أن هناك زيادة كبيرة في حالات الإصابة بالاكتئاب مؤخرا، "رغم أن لدينا عموما نسبة مرتفعة في الأساس بسبب تحديات وصعوبات كثيرة في مجتمعنا، منها الاجتماعية مثل الزواج المتعثر، أو الضغوط الاقتصادية"، مشيرا إلى أن هناك مرض اكتئاب آخر ينتج عن أمور عضوية مثل تناول أدوية معينة تسبب آثارا جانبية.  

وأشار إلى أن كثيرا من مرضى الاكتئاب لا يلجؤون لطبيب نفسي للعلاج فتستمر الحالة لفترة طويلة، "بسبب مفاهيم رائجة خاطئة، منها دينية، حيث يتم وصم من يعاني من الاكتئاب بأنه ضعيف الإيمان، ويقال: 'له أنت حزين، لأن ربنا ليس له مكان في حياتك'"، معتبرا أن هذه إدانة للمشاعر الطبيعية وتوصيف خاطئ للاكتئاب على أنه "حزن". 
 

كيف يمكنك معرفة ما إذا كنت مكتئبا أم حزينا فقط؟

يعتبر فريدمان أن الاكتئاب متلازمة تنطوي على ما هو أكثر بكثير من الحزن، وأنه بصرف النظر عن الحالة المزاجية الحزينة أو المسطحة، يتسبب الاكتئاب عادةً في الأرق وفقدان الرغبة الجنسية والشهية والانسحاب الاجتماعي وانخفاض الطاقة ومشاعر اليأس والأفكار والمشاعر والأفعال الانتحارية. 

ويقول فريدمان: "إذا لم تكن متأكدا، فاسأل نفسك سؤالين فقط: كم مرة في الأسابيع القليلة الماضية فقدت الاهتمام والسرور بفعل الأشياء؟ كم مرة شعرت بالإحباط أو اليأس؟". 

وأشار إلى استبيان خاص بصحة المريض، قائلا: "إذا كانت نتيجتك ثلاثة أو أعلى، فهناك احتمال كبير أنك مصاب بالاكتئاب، وليس مجرد شعور بالضيق". 

ويشير ضبع إلى أن هناك عاملين اثنين يمكن من خلالهما معرفة ما إذا كانت الحالة يعتبرها اكتئابا أو حزنا شديدا فقط.  

وقال: "كل الناس تمر بفترات من الحزن والألم والإحباط، لكن لو هذه المشاعر استمرت بنفس الدرجة تقريبا لمدة 14 يوما، يمكن أن يشخص اكتئابا، خاصة إذا أثر الأمر على الشخص بحيث أصبح لا يستطيع أن يحيا حياته بصورة طبيعية".  

وحول المؤشرات والعلامات على الإصابة بالاكتئاب وماذا يعني عدم القدرة على ممارسة الحياة بصورة طبيعية، قال: "خلال هذه الفترة، قد يكون هذا الشخص غير قادر على الذهاب إلى عمله، وغير قادر على التعامل مع الناس بصورة طبيعية ويتجنب الآخرين ولا يستطيع أن يجلس مع أسرته وأولاده، وليست لديه قدرة على التفكير الجيد إذا كان عمله يحتاج إلى جهد عقلي، بمعنى عدم قدرته على أن تكون لديه نظرة تحليلية أو استنتاج منطقي قوي، كما أنه غالبا ما تكون هناك أوجاع بدنية ناتجة عن التأثيرات النفسية".  
 

الاكتئاب مرض

ويؤكد فريدمان أن "هناك أدلة علمية وفيرة على أن الاكتئاب الإكلينيكي يرتبط بتغيرات دماغية متميزة في الدوائر التي تنظم الحالة المزاجية والنوم والطاقة والشهية".  

وقال إن "دراسات تصوير الدماغ، حددت مناطق متعددة حيث يوجد نشاط أو بنية متغيرة لدى الأشخاص المصابين بالاكتئاب. فمثلا، في الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب الشديد، هناك انخفاض في حجم الحُصين (أو  قرن آمون)، وهي منطقة دماغية مهمة للتعلم والذاكرة. كلما طالت فترة الاكتئاب وشدتها، زاد انكماش الحُصين".  

يشير ضبع من جانبه إلى أن الاكتئاب قد يأتي من ظروف نفسية أو بسبب عضوي، "بمعنى وجود اضطراب كيميائي في المخ، قد يكون بسبب مراحل عمرية أو دواء تنجم عنه آثار جانبية معينة، ما يؤدي إلى الإصابة بالمرض".  

ويوضح أن "الظروف النفسية لها مسببات مختلفة، مثلا مشكلة كبيرة لا يجد لها حلا، أو زوجة يهينها زوجها أو يعتدي عليها ودائما يقلل من شأنها، أو شخص فاشل في عمله ودائما مهدد بالطرد، أو يتلقى إهانة من مديره أو زملائه".  

ليس هناك اختبار محدد أو تحليل دم مثلا يوضح إن كان هذا الاكتئاب نفسيا أو عضويا، بحسب ضبع.  

ويقول فريدمان: "نحن لا نفهم حتى الآن أسباب حدوث التشوهات البيولوجية في الاكتئاب في المقام الأول، لكننا نعتقد أنها ناتجة عن تفاعل معقد بين الجينات والضغط البيئي".  

ولمعرفة ما إن كان الاكتئاب عضويا أم نفسيا، يبدأ ضبع مع مرضاه بالبحث عما إن كانت لديهم مشكلة عميقة في حياتهم، والعمل على حلها، "مثل إصلاح الزواج، أو تغيير الحوارات الذاتية للشخص الذي لا يثق في نفسه، ثم نرى إن قلّت وطأة الاكتئاب وعاد الشخص ليمارس حياته بصورة شبه طبيعية، أو لا".  

وقال: "إذا وجدنا أن كل هذا لم يأت بنتيجة يكون هناك احتمال أن هذا الاكتئاب بسبب شيء عضوي"، مشيرا إلى أن "هذه الأعراض العضوية تأتي بصورة فجائية مرتبطة بدواء على سبيل المثال، أو حدثت مشكلة في جسم الشخص".  

ويصيب الاكتئاب الشديد 17 في المئة من الأميركيين في حياتهم، وهو عامل رئيسي للانتحار، حيث تشير التقديرات إلى أن اثنين إلى 15 في المئة من الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب قد يموتون بالانتحار، بحسب "واشنطن بوست".  
 

علاج نفسي أم أدوية

ويشير ضبع إلى أن الاكتئاب الذي ينشأ عن ظروف عضوية تعالج بالأدوية، أما ما ينشأ عن ظروف نفسية، فيعالج بالعلاج النفسي من خلال تعديل طريقة التفكير أو أسلوب التعامل، أو إصلاح الزواج، وما شابه.  

لكنه قال: "قد نلجأ للدواء من البداية، إذا كان الشخص غير قادر على التجاوب مع العلاج النفسي، ولو لفترة مؤقتة، ثم يتوقف الدواء إذا ثبت أن المرض مرتبط بظروف الحياة".  

ويرى فريدمان أن "كلا من العلاج النفسي ومضادات الاكتئاب فعالة للغاية في علاج الاكتئاب".   

لكنه يؤكد أن "العلاج النفسي هو علاج الخط الأول للأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب الخفيف إلى المتوسط، ولكن عندما يكون الاكتئاب شديدا، بمعنى إما وجود أعراض ذهانية أو أفكار ومشاعر انتحارية، فإن الجمع بين العلاج والأدوية المضادة للاكتئاب هو النهج الأكثر أمانا وفعالية".  

في عام 2019، قدرت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها "سي دي سي" أن 15.8 في المئة من الأميركيين يتناولون أدوية للصحة العقلية، لكن ارتفعت هذه النسبة غلى 25 في المئة في يوليو الماضي.  

يحذر فريدمان من تناول الأدوية لمن يشعرون بالحزن الشديد، "مضادات الاكتئاب ليست علاجا للتعاسة أو الضيق اليومي، ولن تجعلك أكثر سعادة، ما لم يكن لديك شكل من أشكال الاكتئاب السريري مع التغيرات البيولوجية المرتبطة به".  

وقال إن "إساءة استخدام مضادات الاكتئاب لعلاج الضيق الطبيعي يشبه استخدام مضاد حيوي لعلاج نزلات البرد التي يسببها فيروس". 

ينصح فريدمان بممارسة الرياضة، مشيرا إلى أن لها تأثيرات كبيرة من خلال إفراد الإندورفين الذي يساعد في علاج الاكتئاب.  

وحول كيفية عمل الأدوية، قال ضبع: "هي غالبا ما تضخ مادة السيروتونين، المرتبطة بالإحساس بالسعادة وأن الإنسان يشعر بأنه متصالح مع ظروفه".  

وأضاف "عندما يقل السيروتونين، لا يستطيع أن يعيش الإنسان حياته بصورة طبيعية"، مشيرا إلى أن هناك أشياء غير الأدوية تزيد من هذه المادة في جسم الإنسان، مثل الشوكلاتة والسفر أو تغيير الظروف الحياتية وأحيانا الموسيقى، أو الرياضة والكثير من الوسائل الأخرى، لكن أقواها وأسرعها هي الدواء.  

واعتبر أن "هذه الأدوية تأتي بنتائج جيدة، لكنها تحتاج إلى التجربة وهناك هامش للخطأ، بمعنى أننا نجرب الدواء ثم نرى نتيجته بعد 14 يوما أو أكثر، ثم نقلل أو نزيد من الجرعة، وفي معظم الأحيان يحتاج الشخص إلى أكثر من دواء والتنسيق بينهما يساعد في تقليل حدة الاكتئاب".  

أما بالنسبة لموجو، مريض الدكتور فريدمان، فإنه شعر بالدهشة والارتياح عندما شرح له أنه يعاني من اكتئاب شديد وليس حزنا أو قلقا طبيعيا.  

ويقول فريدمان: "بدأ مريضي في تناول مضادات الاكتئاب، وتحسن نومه وشهيته للطعام خلال الأسبوع الأول، وبحلول نهاية الأسابيع الثلاثة، اختفى إحساسه بالرهبة والتفكير الكارثي".  
 

المصدر: موقع الحرة 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر