أطفال مقاتلون... كيف يتم استغلال صغار اليمن للزج بهم في جبهات الحرب؟

[ طفلان يُقاتلان مع الحوثيّين (محمد حويس/ فرانس برس) ]

يدفع أطفال اليمن ضريبة باهظة في ظلّ التصعيد العسكري الذي شهدته المناطق الشرقية والغربية من البلاد خلال العام الجاري. بالإضافة إلى مئات شرّدتهم المعارك من منازلهم إلى مخيمات هي الأخرى تحت تهديد النيران، انتهك المتحاربون حقوق الأطفال من خلال تجنيدهم، ما يخالف القوانين كونهم لم يبلغوا 18 عاماً. 

وخلال الأسابيع الماضية التي شهدت وصول الأعمال القتالية إلى ذروتها في محافظات مأرب والجوف والبيضاء ولاحقًا  الحديدة، لم يكن من المستغرب تشييع أطراف النزاع جثامين أطفال ولدوا خلال عامي 2004 و2005، مع وصفهم بـ "المجاهدين والمدافعين عن الأرض والعرض". 

ويُعدّ التفكّك الأسري والتسرّب المدرسي وغيرهما من المشاكل التي أفرزتها الحرب المتصاعدة في البلاد منذ مطلع 2015، بيئة خصبة لجذب أطراف الصراع عشرات الأطفال إلى جبهات القتال ضمن عناوين خادعة، منها أنّهم سيذهبون لتحقيق أهداف سامية، على رأسها الجهاد ضد إسرائيل وأميركا، وهذا ما تفعله تماماً جماعة أنصار الله الحوثيّين. 

وخلافاً للقتال بدوافع عقائدية، أجبرت الظروف المعيشية الصعبة عشرات العائلات في المناطق النائية، خصوصاً محافظات الشمال اليمني، على دفع أطفالها للقتال بحثاً عن رواتب شهرية تعينها على مواجهة ظروف الحياة، ليعودوا إليها أشلاء أو يسقطون كأسرى لدى الطرف الآخر في أحسن الأحوال، نظراً لافتقارهم إلى المهارات القتالية وخصوصاً في حرب العصابات. 

ويقول مصدر قبلي في محافظة عمران طلب عدم الكشف عن هويته، لـ "العربي الجديد"، إن جماعة الحوثيين جنّدت قيادات دعويّة مهمتها الرئيسية اصطياد الأطفال للالتحاق بدورات ثقافية في العلن، لكن مضمونها طائفي وفيه دعوة للجهاد والقتال  والعنف. ويُصوّر للأطفال أن الطرف الآخر الذي يحكم مناطق الحكومة الشرعية هم إسرائيليون، ولا بد من طردهم. 

ويذكر المصدر الذي يتحدّر من مديرية بني صريم أنّ غالبية الأسر في بلدتي وادعة وبني قيس قُتل فيها طفل على الأقل خلال المعارك التي دارت العام الجاري. ولجأت جماعة الحوثيين إلى تجنيد الأطفال من جراء خسارة الكثير من مقاتلي الصف الأول لديها.  

وما من إحصائيات دقيقة حول عدد الأطفال المجندين في صفوف أطراف الصراع في اليمن، أو الذين لقوا حتفهم على مدار خمس سنوات من المعارك. وفي منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، اتّهم تقرير صادر عن وزارة حقوق الإنسان في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، الحوثيين بتجنيد 4 آلاف و638 طفلاً منذ مطلع العام الجاري وحتى نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي. 

ويُفيد التقرير بأن الحوثيين استغلوا التوقف الطويل للدراسة من جراء فيروس كورونا لجذب الأطفال إلى جبهات القتال. كما عمدوا إلى عسكرة المدارس في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وأجبروا المدرسين على تلقين الطلاب دروساً تحرضهم على المشاركة في المعارك.

وبحسب منظمات يمنية معنية بحقوق الإنسان، فقد شهدت الأسابيع الماضية مقتل عشرات الأطفال في جبهات الجوف ومأرب والساحل الغربي، 38 منهم يتحدرون من قبيلة واحدة. وتنفي جماعة الحوثيين دقة تلك الأرقام. إلا أن الأدلة، فضلاً عن التقارير الصادرة عن منظمات أممية ولجنة خبراء الأمم المتحدة، تؤكد تورطها في أوسع عملية تجنيد للأطفال في اليمن خلال الحرب. 

ويقول عبد الرقيب الدبعي، وهو من سكان مدينة الحديدة الخاضعة للحوثيين غربي البلاد، لـ "العربي الجديد"، إن تجمعات المهمشين من ذوي البشرة السوداء، ويسكن غالبيتهم في مساكن من الصفيح أو الطرابيل البلاستيكية، باتت المنجم الأكبر للجماعة لجذب المقاتلين الأطفال بشكل غير قانوني. 

ومنذ منتصف العام الجاري، بدأ الحوثيون بالتقرب من ذوي البشرة السوداء الذين يتحدرون من أصول أفريقية، وأطلقوا عليهم وصف "أحفاد بلال"، نسبة إلى مؤذن الرسول بلال بن رباح صاحب البشرة السوداء، ما اعتبره مراقبون وصفاً عنصرياً لأبناء هذه الأقليات. 

وفي ميدان السبعين في صنعاء والمدخل الشرقي لمدينة تعز، نصب الحوثيون لافتات إعلانية عملاقة يظهر فيها 46 شخصاً، بعضهم أطفال، وقد تم تعريفهم بـ "شهداء أحفاد بلال" في مشهد يكشف مدى استنزاف الحوثيين لهذه الأقلية التي يعمل معظم أبنائها في تنظيف الشوارع ويتقاضون أجراً يومياً من الجهات الحكومية. 

وكان شهر أغسطس/ آب الماضي، هو الأكثر حصاداً لأرواح الأطفال المجندين في صفوف جماعة الحوثيين. وأكدت تقارير رصدتها منظمات حقوقية مقتل 111 طفلًا تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاماً، ويتحدر الغالبية منهم من محافظة ذمار وسط البلاد (إجمالي 28 طفلاً)، فيما جاءت محافظة صنعاء في المرتبة الثانية (19 طفلاً) وحجة ثالثة (17 طفلاً). أما بقية العدد فتتوزع على محافظات متفرقة. 

ولا ينفرد الحوثيون في تجنيد الأطفال، كما يقول مصدر قبلي في محافظة مأرب لـ "العربي الجديد"، مشيراً إلى رصد عدد من الأطفال الذين يقاتلون في صفوف المقاومة الشعبية الموالية للحكومة المعترف بها دولياً خلال الأسابيع الماضية. 

وفي الساحل الغربي لليمن، جنّدت ألوية العمالقة في الجيش اليمني المدعومة إماراتياً، عشرات الأطفال المتحدرين من محافظتي أبين ولحج، بهدف ضمان عائدات اقتصادية لهم. وتؤكد مصادر أن أكثر من 30 طفلاً قتلوا خلال الفترة الماضية. 

ويجّرم القانون اليمني تجنيد الأطفال دون سن الـ18. وخلال الأيام الماضية، كان وزير الخارجية محمد الحضرمي يناقش مع الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والنزاعات المسلحة، فرجينيا غامبا، كيفية حماية الأطفال في اليمن وتحييدهم عن الصراع وتجنيبهم أثار وتبعات الحرب. 

وتعمل الأمم المتحدة مع طرفي النزاع على استكمال خارطة الطريق لمنع تجنيد الأطفال، بإشراف من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، لكن تصاعد وتيرة القتال مؤخراً جعل الجميع يخرق تلك الخارطة. 

وفي اللقاء مع غامبا، طالب وزير الخارجية اليمني بـ "معاقبة قيادات الحوثيين المسؤولة عن التجنيد والحشد الممنهج لآلاف الأطفال وسرقة طفولتهم ومستقبلهم، وتحويلهم إلى وقود لحربها العبثية ضد اليمنيين، وضرورة إلزام تلك المليشيات باحترام قواعد القانون الدولي وإنهاء ممارساتها غير الأخلاقية بحق جيل كامل من الأطفال". 

وتتفق الأمم المتحدة مع الحكومة الشرعية على أن جماعة الحوثيين هي الأكثر تجنيداً للأطفال. وفي التقرير الثالث الذي تم عرضه على مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، اتهم فريق من الخبراء مليشيا الحوثيين بتجنيد فتيان وفتيات في كل المحافظات الخاضعة لسيطرتهم. 

ويكشف التقرير أنّه تم التحقق من 259 حالة تجنيد أطفال في اليمن خلال العام الماضي، وقال إن هذا الرقم لا يعكس إلا القليل من حجم وطبيعة تجنيد الأطفال في اليمن. وبحسب التقرير، فقد تحقق الفريق الأممي أيضاً من عملية تجنيد أطفال ضمن معسكر قوات الأمن الخاصة في شبوة والموالية للحكومة المعترف بها دولياً، وتم استخدامهم في الأعمال القتالية في محافظة أبين خلال مايو/ أيار 2020، وتم أسرهم من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً.

وليست جبهات القتال المشتعلة داخل اليمن المكان الوحيد لتجنيد الأطفال، إذ تقوم ألوية موالية للحكومة الشرعية أو التحالف السعودي الإماراتي، أو سماسرة، بعملية تجنيد واسعة للأطفال في محافظات تعز ولحج وأبين، وتنقلهم للتدرّب في معسكرات سعودية من أجل الدفاع عن حدود السعودية من الهجمات البرية الحوثية. 

ويقول الناشط السياسي والحقوقي اليمني ماجد الوهباني، لـ "العربي الجديد"، إن المكافآت الباهظة الثمن التي كانت تدفعها السعودية للمجندين الذين سيدافعون عن حدودها أغرت العائلات الفقيرة، وجعلتها تدفع بأطفالها إلى جبهات القتال. 

يضيف: "للأسف، الجانب السعودي يتعامل مع اليمنيين على الشريط الحدودي كمرتزقة فقط، مستغلاً فقرهم". يضيف أن "ستة من أطفال الحي السكني المجاور لنا في مدينة تعز قتلوا عند الحدود ودفنوا هناك. وقلة فقط ممن حققوا أهدافهم بجني الأموال عادوا لاستثمارها في مشاريع تجارية خاصة. فالحرب هناك ليست عقائدية". 

ووجه تقرير الخبراء الأمميين الثالث اتهامات صريحة لجماعة الحوثيين وحكومة اليمن المعترف بها دولياً والتحالف السعودي الإماراتي، بالاستمرار في حرمان أطفال اليمن من التعليم وتجنيدهم واستخدامهم في الأعمال القتالية، بما يشكل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني، قائلًا إن ذلك "قد يرقى إلى جرائم حرب". 

ويصف وكيل وزارة حقوق الإنسان في الحكومة اليمنية المعترف بها، ماجد فضايل، التقرير بأنه "غير مهني"، لاعتبار  فصائل مسلحة لا تنتمي رسمياً للقوات المسلحة، وإن كانت تقاتل الحوثيين في مناطق الحكومة، بأنها قوات حكومية، مثل الحزام الأمني المدعوم إماراتيا وغيرها.

يضيف في حديث لـ "العربي الجديد" أن أمراً عسكرياً صدر في 17 فبراير/ شباط 2020 من القائد الأعلى للقوات المسلحة، والذي يشغله رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي، بمنع تجنيد الأطفال في صفوف الجيش والأمن، وتنفيذ خارطة الطريق الموقعة بين الحكومة اليمنية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، والتي تم العمل عليها منذ عام 2018.


العربي الجديد

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر