مساعٍ إماراتية حثيثة للسيطرة على ثروات اليمن الاقتصادية.. هل ستنجح؟

[ قوات إماراتية في جنوب اليمن ]

حضور دولة الإمارات في أذهان اليمنيين الذي رسمه الشيخ زايد آل نهيان بإعادة بناء سد مأرب التاريخي في ثمانينيات القرن الماضي لم يتلاش فحسب، بل تبدل بمشاعر لا تخلو من العداء لأبوظبي.

يأتي هذا العداء بفعل سياستها تجاه اليمن خلال العقد الأخير، لا سيما محاولة فرض مشهد سياسي معين واستغلال الثروات الاقتصادية للبلاد، تحت حكم قيادة جديدة تصدر المشهد فيها ولي العهد محمد بن زايد، وغاب رئيس البلاد خليفة بن زايد عن الساحة السياسية تماماً.

الاقتصاد سبق السياسة في الأجندة الإماراتية تجاه اليمن، حيث حاولت أبوظبي توقيع اتفاقية لتشغيل ميناء عدن منذ التسعينيات إلى أن نجحت في العام 2003، لتقوم بتعطيله بما يحقق مصالحها في موانئ دبي، كما يقول اقتصاديون.

الوقوف مع صالح

ويمكن القول إن العام 2006 شهد بداية محاولة التأثير الإماراتي في السياسة اليمنية؛ حيث دعمت الإمارات الحملة الانتخابية للرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، بحسب اتهامات للمعارضة حينها.

وهذا ما أكده صالح في خطاب متلفز قبيل مقتله، بثته قناة اليمن اليوم (تابعة لنجله)، منتصف يونيو الماضي، حين أشار إلى تلقيه لأموال من دول أجنبية على سبيل دعم حملاته الانتخابية.

لكن ثورة فبراير الشبابية الشعبية في العام 2011، التي خلعت صالح من الرئاسة، كشفت دعماً إماراتياً لنظام المخلوع من خلال مساعدات مالية وغذائية كانت تقدم لأنصاره، ولا سيما المنضوين بمخيمات موازية لمخيمات شباب الثورة.

ولأن موقف أبوظبي من ثورات الربيع العربي كان مضاداً في مختلف بلدان الربيع، وتتبنى موقفاً متشدداً ضد الإسلام السياسي، فقد اتخذت من أي عدو للتغيير بالعالم العربي صديقاً لتنفيذ أجندتها.
 
دعم الحوثيين

من هنا كانت مقاربة دعم أبوظبي لمليشيا الحوثي الموالية لإيران، وحليفهم صالح، للسيطرة على محافظة عمران في العام 2014؛ بحجة تقويض نفوذ حزب الإصلاح الإسلامي، حيث جرت لقاءت بين قيادات حوثية، منهم القيادي المنشق علي البخيتي، مع شخصيات إماراتية وسعودية، وفقاً لمصادر إعلامية.

تلا ذلك اجتياح الحوثيين صنعاء، وملاحقة المحسوبين على ثورة فبراير ، بضوء أخضر من سفارات أجنبية، وفقاً لحديث الناطق باسم مليشيات الحوثيين محمد عبد السلام لقناة "الجزيرة"، قبل أن يتجاوز الحوثيون المخطط بالسيطرة على بقية المناطق اليمنية.

تشجيع الانفصاليين

عادت أبوظبي من خلال التحالف الذي تقوده السعودية لدعم الحكومة الشرعية، وما إن تحررت مناطق الجنوب ومأرب حتى بدلت الإمارات مسارها بتدريبها وتمويلها مليشيات انفصالية خارج سيطرة الحكومة الشرعية.

ومنعت الإمارات الرئيس عبد ربه منصور هادي من العودة إلى عدن خلال الفترة السابقة، ولم تكتف بذلك، بل أرسلت قواتها العسكرية لاحتلال جزيرة سقطرى، قبل أن تنسحب بفعل موقف الحكومة اليمنية والتنديد الدولي تجاه الحدث، لكنها لا تزال تعرقل عمل الموانئ والحكومة.

ثم انتقلت إلى طور جديد تمثل في دعم طارق صالح، نجل شقيق المخلوع صالح، الذي كان أحد قيادات الانقلاب العسكرية، وتحاول تقديمه كمنقذ من بوابة معارك الساحل الغربي.

وسبق ذلك تهجير قيادات المقاومة الشعبية المؤيدين للشرعية المحسوبين على حزب الإصلاح، ودعم أي ممارسة لاجتثاث الحزب، وإحراق مقراته، كما حدث في عدن، رغم أن الحزب يدعم الشرعية وفي جبهة واحدة مع الإمارات بالحرب، ويشكل منتسبوه القوة الكبرى في تشكيلات قوات الشرعية.

ومؤخراً أجرت الإمارات تعديلات على علاقتها بالحكومة اليمنية، وسمحت للرئيس هادي والحكومة بالعودة إلى عدن، وخففت من أنشطة الانفصاليين، لكنها لا زالت ممسكة بزمام الموانئ، وحجر عثرة أمام تطبيع الحياة في المناطق المحررة، وفقاً لمراقبين.

 حجر الزاوية

وحول السياسة الإماراتية في اليمن، قال المحلل السياسي اليمني، عبد الرقيب الهدياني: إن "الإمارات تنطلق من مطامعها، وتحقيق هذه المطامع هو أساس كل هذا العبث الذي مارسته وتمارسه حتى اليوم، فهي دعمت نظام صالح لكونه تنازل لها عن موانئ عدن فعملت على تعطيلها لإنعاش موانئ دبي".

وبين الهدياني لـ"الخليج أونلاين"، أنه "بعد الإطاحة بنظام صالح في 2011 بثورة شعبية، وصعود حكومة الرئيس هادي التي ألغت سيطرة أبوظبي على موانئ عدن، عملت الإمارات على تشجيع ودعم تحالف الحوثيين وصالح لإسقاط  هادي بالانقلاب في 2014".

وأضاف: إن "تدخل الامارات مباشرة في تحالف تقوده السعودية للحرب باليمن، تحت لافتة نصرة شرعية هادي ومحاربة الانقلاب الحوثي المدعوم من طهران، مكنها من الإمساك بيديها ووكلائها موانئ وجزر اليمن باسم  التحرير من الحوثيين".

ووفقاً لدراسة صادرة عن مركز الإمارات للإعلام، في فبراير الماضي، فإن أبوظبي تنفق قرابة 1.3 مليار دولار شهرياً (بأقل تقدير) في اليمن، في العمليات البرية والجوية ضمن التحالف العربي الذي تقوده السعودية، ما يصل إلى (16 مليار دولار) سنوياً.

وأوضح الهدياني أنه "طيلة 3 سنوات من تدخلها في حرب اليمن تعمل الإمارات على عدم الحسم العسكري، وتقويض السلطة الشرعية بالمناطق المحررة من الانقلاب ".

وتابع: إن "هدفها هو إبقاء اليمن في حالة الفراغ واللادولة؛ لتحقق المبرر من استمرار وجود قواتها وتحقيق مطامعها في السيطرة على الشريط الساحلي الممتد من الحديدة على البحر الأحمر غرباً إلى عدن وشبوة وحضرموت شرقاً، وجزر باب المندب والمطلة على المحيط الهندي ومثلها الموانئ".
 

الثأر من الربيع

من جهته يرى المحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي، أن "الإمارات دخلت في معركة اليمن على خلفية سياسية ثأرية مع المتغيرات الجديدة التي أفرزها الربيع العربي في البلاد؛ لهذا لم تكن تضع هزيمة الحوثيين جزءاً من أولوياتها، وهي التي دعمتهم في بادئ الأمر تماماً كما فعلت السعودية".

وأكد التميمي لـ"الخليج أونلاين" أن جهود أبوظبي "انصبّت على إقصاء وهزيمة القوى السياسية التي شكلت روافع التغيير والتحول السياسي في اليمن، ثم تطور هذا الموقف إلى استهداف السلطة الشرعية عندما بدأت هذه الأخيرة تدرك الأبعاد الجيوسياسية للإمارات، ورغبتها الملحة في فرض نفوذها على المناطق التي تم دحر الحوثيين منها".

ويلخص التميمي الدوافع التي تؤثر على المهمة العسكرية للإمارات باليمن في "الرغبة بهزيمة وإنهاء تيار الإسلام السياسي، ودعم مشروع تفكيك الدولة اليمنية، الذي تراه ضرورياً لتسهيل مهمة السيطرة على البلاد وموانئها ومواقعها الاستراتيجية الهامة، وفي المقدمة منها مضيق باب المندب؛ بهدف تعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي".

 معاول هدم

واستطرد المحلل السياسي اليمني قائلاً: "استثمرت الإمارات كثيراً في بناء دولة قمعية موازية في المحافظات التي يدعي التحالف أنه حررها، وهذه الدولة تعطل كل الجهود الهادفة إلى إعادة تطبيع الحياة".

وتابع: إنها "تنصرف بشكل خاص إلى نشر الرعب والفوضى والقتل الاعتقالات والتغييب القسري والتعذيب حتى الموت في سلسلة كبيرة من السجون السرية والمعلنة، وكل ذلك يتم تحت شعار مكافحة الإرهاب الذي يلقى آذاناً صاغية ودعماً وتأييداً من واشنطن".

ويشير إلى أن الأدوات العسكرية والأمنية الإماراتية في اليمن تحولت إلى "معاول هدم" لبنيان الدولة اليمنية؛ الأمر الذي يضع الإمارات في مصاف الأعداء الخارجيين الذين يتعين مواجهتهم "اليوم قبل الغد".
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر