مسؤول حكومي: المساعدات المالية الدولية تفقد 54% من قيمتها لصرفها في السوق السوداء

[ يمني يسير قرب شاحنات تحميل قرب ميناء الحديدة غرب اليمن (رويترز) ]

كشفت وزارة المالية اليمنية لـصحيفة «الشرق الأوسط»، أن المساعدات المالية الدولية الواردة لليمن عبر المنظمات الإنسانية، تصل بالدولار الأميركي، لكنها لا تدخل الحسابات البنكية إلا بعد مرورها بعمليات صرف في السوق السوداء، وهو ما يفقد هذه المساعدات نحو 54 في المائة من قيمتها.

وأكدت وزارة المالية اليمنية خلو سجلاتها من معاملات صرف العملات لصالح مكاتب المنظمات الإنسانية الدولية طوال العام الحالي، في إشارة إلى أن جميع عمليات الصرف التي نفذتها هذه المكاتب تمت خارج إطار أسعار الصرف الرسمية.

وقال في هذا الخصوص نائب وزير المالية، اليمني منصور البطاني، خلال اتصال هاتفي: «لم تفتح لأي من المنظمات الدولية حسابات في البنك المركزي، وبالتالي هي خارج إشراف وزارة المالية، وكانت تسجل حسب رغبة الدول المانحة في حسابات في البنوك التجارية، وهو ما سهل عملية المضاربة بهذه الأموال في السوق السوداء».

وأضاف: «أرجو من المانحين أن تمر أموال الإغاثة والمساعدات عبر البنك المركزي تحت رقابة وزارة المالية، كي تسجل في حساب الدولة العام، ليتم التصرف بها بصورة سليمة، ولا يتم استغلالها في المضاربة في السوق السوداء».

وأشار إلى «وجود حالات تلاعب في أسعار صرف العملات، وذلك عبر استغلال التباين بين السعر الرسمي والأسعار السائدة في السوق السوداء»، داعيا في الوقت نفسه إلى «تجنب المضاربات في السوق السوداء، وصرف العملات عبر القنوات الرسمية».

وفي السياق ذاته، كشف لـ«الشرق الأوسط» مصدر مالي رفيع المستوى - فضل عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية - أن جميع مؤسسات الصرافة العاملة في مناطق نفوذ التمرد الحوثي ترفض حتى الآن تنفيذ قرار تعويم سعر العملة، وذلك للاستفادة من فارق سعر الصرف بين القيمة الرسمية والقيمة التي يفرضها واقع الحال في السوق السوداء.

وأفصح المصدر المالي عن أن فارق سعر صرف الريال اليمني في السوق السوداء يتجاوز 135 ريالا عن السعر الرسمي، عند التعامل بالأسعار النقدية، فيما يصل الفارق إلى أكثر من 245 ريالا عند التعامل بالشيكات الآجلة، وهو ما يفتح بابا واسعا للتكسب من خلال المضاربة في السوق السوداء بالمساعدات المالية الواردة إلى اليمن.

وشهدت مكاتب تابعة لمنظمات دولية في اليمن اختفاء 702 مليون دولار خلال تسعة أشهر من العام الحالي، وذلك من أصل مبالغ مالية قدرها 1.3 مليار دولار مخصصة للشعب اليمني، فيما يساوي المبلغ المختفي قيمة الفرق بين سعر العملة الرسمي والسعر المتداول في السوق السوداء.

وفتح اختفاء المبلغ المالي الخيالي الذي غاب عن الأنظار خلال نحو مائتي يوم عمل هذا العام، الباب واسعا أمام انتشار روائح تدل على إمكانية حدوث شبهة فساد داخل مكاتب منظمات دولية تعمل في المناطق غير المحررة، التي من أهمها العاصمة صنعاء.

وشرح الدكتور مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، الطريقة التي يتم فيها التكسب من خلال ثغرة فوارق سعر الصرف، بقوله إن قيمة المساعدات التي قدمت إلى اليمن في الأشهر التسع الماضية وصلت إلى 1.3 مليار دولار بإقرار المنظمات نفسها، فيما تقييدها بالسعر الرسمي، قبل أن يتم صرفها بأسعار السوق السوداء السائدة في اليمن.

وأضاف، أنه لا أحد يعرف وجهة المبالغ التي يتم تحصيلها من وراء فوارق سعر الصرف التي تتجاوز بـ135 ريالا يمنيا لكل دولار واحد، ما يعني أن الفارق الإجمالي يصل إلى 702 مليون دولار.

وأوضح أن معظم المنظمات الدولية تتعامل مع بنوك خاصة مركزها في صنعاء، وذلك بحكم أن المراكز الرئيسية للمنظمات في صنعاء، قائلا إن «هذه البنوك جنت أرباحا كبيرة من هذه الفوارق، واستفاد منها سماسرة لهم علاقة بهذه المنظمات».

وبيّن أن الصرف بالسعر السابق الذي كان قبل قرار تعويم الريال اليمني وتجاهل الصرف بالسعر الجديد أضر بالمستفيدين، وجعل ملايين الدولارات تهدر بهذه الفوارق، مشددا على أن المسؤولية في هذا الجانب تقع على الحكومة الشرعية التي يجب أن تطلب من المنظمات أن تتعامل بالسعر الجديد المبني على قرار البنك المركزي اليمني بتعويم الريال مقابل الدولار.

وأفاد بأن المنظمات الدولية خاضعة لوزارة التخطيط والتعاون الدولي، ما يعني أن على هذه الوزارة أن تدعو إلى التنسيق مع البنك المركزي المنظمات الدولية والبنوك، للتعامل بالسعر المحدد من قبل المركزي، وهو ما سينعكس على ما يتحصل عليه المستفيدون من مبالغ يتم توزيعها.

والمعروف أن التمرد الحوثي والأجهزة الاقتصادية والمالية التابعة له ترفض إقرار تعويم العملة اليمنية، ما يعني الإبقاء على ثغرة فارق سعر الصرف مفتوحة أمام الراغبين في تنفيذ عمليات التلاعب المالي.

وعلى صعيد متصل، أبلغ «الشرق الأوسط» مسؤول عن الشؤون المالية في مناطق خاضعة لنفوذ التمرد الحوثي، أنه تم عرض إمكانية فتح حسابات مخصصة للمساعدات المالية في البنك المركزي لتوريد الأموال، لكن هذه الفكرة لم تجد أدنى درجات التجاوب من قبل العديد من المنظمات التي تم تقديم هذا العرض لها.

وعلل المصدر تجاهل الحسابات الرسمية في البنك المركزي بقوله إن هذه الخطوة لو تمت تعني القضاء على باب فوائد فارق سعر الصرف بين السعر الرسمي والسعر السائد في السوق السوداء، مشددا على وجود «دعم مالي مهول، لكن أكثر من نصف هذا الدعم يتم حرقه عبر فوارق أسعار الصرف».

من جهته، أكد مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، أن التفاوت الكبير في سعر الصرف الرسمي، وسعر الصرف في السوق السوداء، أدى إلى تربّح واسع النطاق من خلال استفادة البنوك التي تجرى عن طريقها التحويلات النقدية للمنظمات الإنسانية الدولية من تلك الفوارق، محققة أرباحا كبيرة على حساب المستفيدين من التحويلات النقدية في اليمن.

يشار إلى أن الحكومة اليمنية طلبت نقل المكاتب التابعة للأمم المتحدة وغيرها من مكاتب المنظمات الإنسانية من صنعاء إلى عدن، لكن طلبها قوبل بالموافقة التي لم تقترن بالتنفيذ، فيما بدأت منظمات وكالات دولية إنسانية في التحوّل من توفير السلع الأساسية إلى تقديم التحويلات النقدية المباشرة للمستفيدين في اليمن اعتبارا من منتصف عام 2016.

 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر