المخطوفون في اليمن: محنة الأبناء تجمع الأمهات

 
قُبض في اليمن على آلاف الأشخاص واعتقلوا، دون توجيه تهم إليهم في أغلب الأحوال، في الصراع الذي مازال مستمرا منذ أكثر من عامين.

ومع فقدان الأسر للآباء، والأزواج والأبناء، تترك النساء في الغالب بلا نصير يلجأن إليه.

وقد وفرت رابطة أمهات المخطوفين، التي بدأت عملها في العاصمة اليمنية صنعاء التي مازالت تقع تحت سيطرة حركة الحوثيين، شريان حياة لمن ينتظر أقاربهم أشهرا، وأحيانا سنوات، ليعودوا إلى منازلهم.

الأخوة
أحضرت أم عبدالله معها الطعام الذي أعدته في منزلها عندما جاءت لزيارة ابنها في السجن. وحينما وصلت وجدت أما أخرى تنتظر لرؤية ابنها لكنها كانت خاوية اليدين. ويقول الأهالي إن السماح للزوار بإحضار طعام معهم أمر يتوقف على قرار مديري السجن، ولم تدرك تلك الأم أن بمقدورها إحضار شيء معها.

وبلا تفكير قسمت أم عبدالله ما أحضرته وشاركت الأم الثانية فيه لتعطي منه لابنها. وهي تدرك أنها - باعتبارها أما لمعتقل - مدى مرارة الإحباط التي كانت ستشعر بها لو ضاعت عليها فرصة يمكن من خلالها توفير بعض الراحة لابنها.

أسست رابطة أمهات المخطوفين في صنعاء في أبريل/نيسان 2016، وكانت المدينة حينئذ خاضعة لسيطرة الحوثيين وحلفائهم الموالين للرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح منذ أكثر من عام ونصف، ومازال عدد المعتقلين والمختفين قسريا في ازدياد، بحسب تقارير.

وقد لمت الرابطة شمل أقارب المعتقلين من النساء للمطالبة بحقوقهم، ومتابعة قضاياهم. لكن قيمتها بالنسبة إلى كثير من العضوات تكمن في الدعم المعنوي الذي توفره كل منهن للأخرى.

فأسرة أم محمد لم تتلق أي شيء بشأن ابن عمها منذ اعتقاله قبل أكثر من عامين. وهي تصف الرابطة بأنها مثل الأسرة. "بعض الناس يمكن أن يقولوا أحيانا أشياء قاسية، وأحيانا يتحدثون عن احتمال موته (الشخص المختفي) دون أن يدركوا أن هذا الكلام قد يؤلمني".

ويمتد هذا الشعور بالأخوة بين الأخوات ليشمل محافظات أخرى خاضعة للمتمردين، وتجمع عضوات الرابطة أحيانا من مواردهن ليدفعن لأعضاء الأسر حتى يتمكنوا من زيارة أقاربهم المعتقلين في سجون صنعاء.



نساء يبحثن عن إجابات
مازال الاعتقال العشوائي، والاختفاء القسري مستمرا في اليمن، وهو جانب مؤلم في الصراع.

وتجد النساء - في كثير من الحالات - أنفسهن يدرن البيوت، ويواجهن إحباط البحث عن أي معلومات عن مصير أحبائهم المختفين. وأحيانا لا يجدن إجابة.

وغالبا ما يجد أعضاء الأسرة أنفسهم - في أعقاب ما يحدث من فوضى بعد الخطف - يلاحقون الإشاعات والتكهنات، من أجل العثور على إجابة. ومع فقدان المعلومات الموثوق بها، تطارد الأقارب - بحسب ما يقولونه - التقارير التي تنشر عن التعذيب والموت خلال الاعتقال.

وقال رئيس الوزراء اليمني، أحمد بن دغر إن هناك أكثر من 3000 معتقل لدى قوات الحوثيين والقوات الموالية للرئيس صالح.

أما عدد المعتقلين في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة فغير معروف، بالرغم من التقرير الذي نشرته وكالة أسوشيتيدبرس وقالت فيه إن نحو 2000 شخص تعتقلهم قوات مكافحة الإرهاب - التي تساندها الإمارات - في سجون سرية في المحافظات الجنوبية. وتنفي حكومة الإمارات هذه الادعاءات.

وأخيرا استطاعت أم الصبيان زيارة ابنها في سجن في صنعاء لأول مرة منذ سبعة أشهر بعد خطفه، ومعها زوجة ابنها وحفيدان.

وقاومت الأم كثيرا عندما التقت بابنها وجها لوجه حتى تصدق طمأنته لها بأنه بخير، قائلة "جسمه مغطى بطفح جلدي، وكان شاحبا جدا إلى درجة تستطيع معها رؤية عروقه".

وعندما تمكنت من الحصول على تصريح إدارة السجن لإرسال صابون ومرهم إليه، أرسلت كمية كافية للسجناء الآخرين، الموجودين في المبنى الذي توجد فيه زنزانته، الذين يعانون أيضا من الطفح الجلدي.

وقالت "هذا هو الحال أيضا مع الطعام، فعندما يسمحون لنا بإرساله، نعد قدرا كافيا له وللمعتقلين الآخرين حتى يأكلوا معا".

وبدا صوتها متحشرجا وهي تصف الضريبة النفسية التي تحملتها الأسرة خلال نحو عام منذ غياب ابنها. وهي تعلم أنها ليست الأم الوحيدة التي تعاني من هذا الألم.
"ليس هناك بيت واحد في حينا ليس لديه شخص مخطوف أو مقتول".

الخطف في عدن
بدأت رابطة أمهات المعتقلين والمختفين قسريا في مدينة عدن الساحلية أنشطتها أوائل هذا العام.

وقد طرد المتمردون من المدينة قبل أكثر من عامين، بعد شن الحملة العسكرية التي تقودها السعودية بوقت قصير، والتي تساند بها الرئيس عبد ربه منصور هادي، المعترف به دوليا.

وأفادت تقارير بزيادة أعداد المعتقلين عشوائيا والمختفين قسريا، بالرغم من كون عدن مقرا مؤقتا للحكومة.

كانت الساعة 03:00 صباحا عندما أيقظت أم هاني وأسرتها طرقات بعض الرجال على باب منزلهم، يسألون عن زوجها وابنها.

"سألناهم: من أين هم؟، وما هي التهم التي يتهمونهما بها، لكنهم لم يجيبوا بكلمة".

كان زوج أم هاني موظفا حكوميا، وكان ابنهما - البالغ من العمر 20 عاما - في السنة الأخيرة من دراسته الثانوية.

ومع فقد الزوج والابن، تركت الأم وابنتها فاطمة - البالغة من العمر 21 عاما - تديران وحدهما شؤون المنزل، وترعيان ثمانية أطفال صغار.

وتقول فاطمة "نشعر بأن أمنا - بارك الله فيها - أصبحت هي الأم والأب لهذا البيت".

وأمضت الأم وابنتها الشهور السبعة الماضية في البحث في السجون ومراكز الاعتقال، دون أن تتلقيا كلمة واحدة عن مكان اعتقال الأب أو الابن.

وتقول أم هاني إن اتصالاتها مع عضوات الرابطة الأخريات يساعدهن على الشعور بأنهن لسن وحدهن.

"لا نستطيع وصف مشاعرنا قبل مقابلة العضوات الأخريات، كنا نحس بالإحباط، وبالحزن، وفقدان الأمل".

وفي صنعاء تقول أم محمد إن النساء في الرابطة يساعدنها على أن تظل متفائلة، بالرغم من الخوف والقلق.

"إنهن يقلن لي إنني يوما ما سأعرف أين يوجد ابن عمي، وإنه سيطلق سراحه، وإنهن سيأتين للاحتفال معي عندما يرجع".

الأسماء في الموضوع غيرت لحماية أصحابها

* المصدر: سمية بخش لـ"بي بي سي"
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر