حقيقة نفاد مستلزمات مركز غسيل الكلى في إب ومعاناة المرضى

بين معاناة المرض والمتاجرة بآلامهم يعيش أكثر من 500 مريض فشل كلوي في محافظة إب بألم مضاعف ومتاعب لا تتوقف،يتوسلون الحياة ويشترون البقاء بمبالغ مالية كبيرة ينتزعونها انتزاعاً من أقوات أطفالهم في وقت تعيش فيه البلد حرباً مفتوحة منذ أكثر من عامين بفعل انقلاب مليشيات الحوثي وصالح على مؤسسات الدولة.

الجميع يعاني في زمن الانقلاب،بما في ذلك المرضى وأصحاب الأمراض المزمنة،وللمرضى في إب منهم النصيب الأكبر،حيث يعشعش الفساد في كل مفاصل الدولة التي سيطرت عليها المليشيات الانقلابية،وتتسابق قياداتها من أجل الثراء السريع على حساب معاناة الناس وأوجاعهم.

خلال الأيام الماضية دار كثير من الجدل بشأن توقف العمل في مركز الغسيل بقسم الكلى الصناعي بمستشفى الثورة العام بمحافظة إب بسبب نفاد مواد الغسيل كما أوضحت ذلك إدارة القسم، فيما عزاه آخرون لعمليات فساد كبير يشهدها المركز مثله مثل كل المؤسسات التي تخضع لسلطات الانقلابيين.

في هذا التقرير نحاول أن نسلط الضوء على المركز ومعاناة المرضى وكل الجدل الدائر بمزيد من التفاصيل

نداءات الاستغاثة واستجابة الجهات

مثل كل مرة توجه إدارة قسم الغسيل بالمستشفى النداء والاستغاثة للخيرين مدها بمواد الغسيل نتيجة نفادها في حالة تكررت كثيرا خلال الأشهر الأخيرة الفائتة، تفاعلت وسائل الإعلام بالحدث،وغطته، لكن ما زاد على الأمر هذه المرة وأثار كثيراً من الجدل أنه جاء بعد أقل من شهر من توقفه بالإضافة إلى ما صاحب تلك الدعوة من عمليات تحشيد إعلامي وعقد مؤتمر صحفي ورسائل مكتب الصحة للوزارة وتفاعل الانقلابيين مع الحدث رغم مشاركتهم فيه.

بعد يوم من دعوة رئيس هيئة مستشفى الثورة بالمحافظة الدكتور" محمد المجاهد" الجهات والمنظمات الدولية رفد المركز بمواد الغسيل لإنقاذ المرضى الذين يتهددهم الخطر نتيجة نفاد كميات الغسيل، عقد "المجاهد" والسلطات المحلية للانقلابيين في المحافظة مؤتمراً صحفياً، أعلنوا فيه عن موت خمسة مرضى نتيجة توقف الغسيل، وهي المعلومة التي شككها الكثير، مشيرين إلى حالة من المبالغة بهدف استجلاب دعم المؤسسات المانحة.

لم تتوقف دعوات الاستغاثة عند هذا الحد، بل قام مدير مكتب الصحة في المحافظة برفع مذكرة ـ حصل يمن شباب نت على نسخة منها ـ إلى وزير الصحة في حكومة الانقلابيين يطالبه بإسعاف المركز بعدد من الغسلات لإنقاذ مرضى المحافظة ،أعقبها سفر محافظ الانقلابيين ورئيس الهيئة إلى صنعاء لذات الغرض بحسب ما تحدثت وسائل إعلامية قريبة من الانقلابيين.

وفي تصريح إعلامي جديد له قال مدير صحة إب "عبد الملك الصنعاني" أن منظمة الصحة العالمية تعهدت بتزويد المستشفى بمواد الغسيل ،وبما يكفل للمركز من تقديم خدماته لأكثر من 500 مريض من بينهم 200 مريض نزحوا إلى المحافظة، مؤكداً بأن لقاءاً آخر سيُعقد الاثنين القادم بين المنظمة وإدارة المستشفى لترتيب إجراءات التسليم.

مبالغة استجداء المستشفى للتبرعات في ظل نهب المليشيات الانقلابية لميزانية المركز المعتمدة من ميزانية هيئة مستشفى الثورة ،وتبرع تجار محليون بكل مستلزمات الغسيل أثار عدة أسئلة عن أهداف هذه الدعوات المصحوبة بضخ دعائي كبير.

فساد مالي كبير

في خضم دعوات التبرع لمركز غسيل الكلى في المحافظة وفي الوقت الذي كان يتحدث فيه رئيس هيئة مستشفى الثورة عن وفاة 5 من المرضى لانعدام المواد من المحافظة ،كان آخرون يغسلون على حسابهم الخاص، ويشترون المواد من صيدليات أمام مستشفى الثورة العام، في الوقت ذاته ارتفعت أصوات ناشطين وإعلاميين ومصادر طبية من داخل مستشفى الثورة تتحدث عن فساد داخل المركز ،مشيرين بأن هذه الدعوات هدفها الرئيس هو استجلاب الدعم لحساب شخصيات معينة في المحافظة ومكتب الصحة وهيئة المستشفى.

مصادر طبية وأخرى إعلامية تحدثت عن خروج (1500) غسلة من مخازن المركز إلى جهات غير معلومة تحت ذريعة هدية إلى مركز غسيل محافظة "ذمار"، وهي المعلومة التي تشككها المصادر، مرجحة أن تكون ذهبت لحساب شخصيات نافذة، وتبلغ القيمة الإجمالية لمستلزمات (1500) ما قيمته تقريباً(22,000,000) اثنين وعشرين مليون ريال.

في ذات الأثناء تحدثت تلك المصادر عن وصول مستلزمات غسيل لشهرين  كاملة مخصصة لمحافظة إب إلى ميناء الحديدة، بالإضافة إلى جهاز غسيل مركزي، قبل أن تختفي المستلزمات في ظروف مجهولة، ويتم مصادرة الجهاز تحت مبرر استخراج ترخيص جمركي.

مصادر أخرى تحدثت عن القيادي الحوثي (أشرف المتوكل)بانه المشرف الفعلي على الملف الصحي في المحافظة،ويمتلك مؤسسة خاصة بالمستلزمات الطبية،مشيرة بأن أمر اختفاء مستلزمات الغسيل من مخازن المركز،وظهرت في صيدليات أمام المستشفى قد يكون له صله بهذا المُعطى.

ناشطون اتهموا القائمين على المركز ومؤسسات الصحة في المحافظة بأنهم يسعون إلى الاستيلاء على معونات ومنح علاجية تقدمها المنظمات الدولية للمحافظة،من خلال هذا الصراخ والعويل ،في إطار عملية فساد متكاملة تشهدها مؤسسات الدولة التي تسيطر عليها المليشيات في المحافظة،مستدلين بأن مستلزمات الغسيل التي تعطى لمرضى الفشل الكلوي متكفل بها منذ أشهر تاجر من أبناء المحافظة.

معاناة المرضى ..إحصاءات وأرقام

تشير المعلومات إلى أن مرضى الفشل الكلوي في المحافظة يصل إلى ما يقارب(520) مريض وفق سجلات المركز، ومن بين هؤلاء مرضى وفدوا إلى المحافظة كنازحين من تعز والضالع جراء الحرب التي تشنها مليشيات الانقلاب على مدنهم منذ ما يقارب العامين.

خلال العام الجاري أكثر من أربع مرات توقف مركز غسيل الكلى عن العمل، بسبب نفاد مستلزمات الغسيل كما تقول إدارة القسم ،وبعد يوم من إعلان التوقف يعود المركز للعمل في حادثة مكررة ومستغربة.

وفق المؤتمر الصحفي لرئيس هيئة مستشفى الثورة الدكتور" محمد المجاهد" فإن(5) مرضى من مرضى الفشل الكلوي ماتوا نتيجة توقف المركز عن العمل الثلاثاء الماضي، وهو الرقم الذي شككت فيه بعض المصادر الطبية وأكدت وفاة حالتين فقط، لم تكن تملك مبالغ شراء مستلزمات الغسيل من صيدليات خارجية.

إدارة قسم الغسيل من جانبها سارعت إلى إعلان وفاة (259) مريض مصاب بالفشل الكلوي في المحافظة خلال مدة عام وثمانية أشهر هي مدة الحرب، وذلك في تصريحات إعلامية لبعض المواقع الإخبارية، معتبراً افتقاد المرضى للعلاج ونفاد مستلزمات الغسيل كانت المسبب الرئيس لوفاة هذه الحالات.

إدارة القسم أعلنت عن وفاة (83)مريض منذ بداية الحرب وحتى نهاية العام 2015،إضافة إلى وفاة (176)خلال العام الجاري.

الأرقام أعلاه شككت فيها مصادر طبية واعتبرت ذلك يأتي في إطار الإعلام الموجه ضد الحكومة الشرعية ودول التحالف العربي التي تحرص المؤسسات الخاضعة تحت سلطات الانقلابيين دائماً اتهامها بالمسؤولية وراء مثل هذه الحوادث، والتصريح بأرقام غير حقيقة من شانها إثارة الرأي العام والمنظمات الحقوقية.

توظيف سياسي وتحشيد إعلامي

مع إطلاق هيئة مستشفى الثورة العام نداء الاستغاثة إلى المنظمات الدولية والخيرين للتبرع للمركز بمواد الغسيل ،سارع ناشطون وإعلاميون محسوبون على تحالف الانقلاب، تصوير الوضع بالخطير محملين دول التحالف العربي وحكومة الرئيس هادي المسؤولية عمّا لحق بالمرضى ،معتبرين أن ما أسموه الحصار هو المتسبب الرئيس في ذلك.

وسائل إعلامية كثيرة تفاعلت مع الحدث وغطت المؤتمر الصحفي الذي دعت له الهيئة وحضرته قيادات مؤتمرية  وحوثية التي عادة ما تتسابق في مثل هذه الأحداث لإظهار نفسها بالمظهر الإنساني في وقت هي المسبب الرئيسي لما وصلت إليه الأمور.

قيادات مؤتمرية اتهمت الحوثيين بالفساد وأنهم وراء الكارثة، فيما ردت قيادات حوثية بالمثل على أخرى مؤتمرية، وحاولت قيادات إعلامية تلميع بعض الشخصيات المحسوبة على تحالف الانقلاب عن طريق تسريبات إعلامية تتحدث بأن هذه الشخصيات بدأت في توفير بعض الحلول للمركز الذي عاود فتح أبوابه للمرضى في اليوم التالي.

إلى ذلك توالت الزيارات اليومية إلى المركز من قبل محافظ المحافظة المعين من الانقلابيين ووكلاء آخرين محسوبين على الحوثيين في إطار هذا التوظيف السياسي.

"منقذة" التاجر المنقذ

تكفل رجل الأعمال (عبده محمد علي الحبيشي ( الملقب بـ "منقذة" قبل أشهر بكل مستلزمات الغسيل للمركز في إب وتعهد بتوفير ذلك بدون أي مقابل ،واشترط أن يتم إبلاغه بالكمية المطلوبة قبل نفادها بشهرين حتى يتمكن من شحنها من الخارج، وهو الأمر الذي لم يحدث في الحالة الأخيرة .

وكالعادة سارع "منقذة" بشراء مستلزمات غسيل عاجلة وعاود المركز فتح أبوابه أمام المرضى في اليوم التالي.

تجاوب مجتمعي

لاقت دعوات الاستغاثة التي أطلقتها إدارة هيئة مستشفى الثورة العام تجاوباً كبيراً من الخيرين والمبادرات الشبابية وبعض المغتربين ،حيث أعلن في مواقع التواصل الاجتماعي دعوات تبرع لمرضى الفسل الكلوي ،الدعوات التي لاقت تجاوباً كبيراً وتم تحصيل مبالغ كبيرة في وقت قياسي.

من جانبه بادر رجل الأعمال في المحافظة "قاسم المنصوب" إلى تدشين العمل في المركز الجديد الذي بناه وتكفل بتجهيزه رجل الأعمال اليمني" الشامي" وذلك بعد أن ظل مغلقاً لأشهر نتيجة استخدامه مقراً لمليشيات الانقلاب في المستشفى ومكان للراحة والقات.

التاجر" المنصوب" تكفل بتشغيل المركز الجديد والذي يضم نحو"43"جهاز غسيل ،وطالب إدارة المركز بسرعة تقديم احتياجات المركز البشرية وميزانيته التشغيلية لإقرارها والبدء في  تشغيله الذي سيكون رافداً مهماً للمرضى في المحافظة.

ويضم مركز الكلى الصناعي "القديم" بمستشفى الثورة (17)جهاز غسيل، يتناوب عليه ما يقارب 100 مريض في اليوم في ثلاث نوبات على مدار 24 ساعة .

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر