قصص مأساوية لمختطفين فقدوا أباءهم وأبنائهم جزعا عليهم (ملف خاص)

[ رابطة أمهات المختطفين اليمنيين في إحدى فاعلياتها المطالبة باطلاق المختطفين من قبل الميليشيات الحوثية (أرشيف) ]

 فؤاد التركي، ويحيى المرقب، وحارث حميد، وأحمد سلطان، وأحمد الجابري، ليسوا إلا نماذج لمختطفين بائسين في سجون الميليشيات الحوثية، فقدوا ابائهم أو ابنائهم، كمدا وقهرا على فراقهم.
 
 خلال الثلاث السنوات الماضية، من انقلاب ميليشيات الحوثي على السلطة الشرعية، وشنها حربا واسعة لفرض سيطرتها الكاملة على البلاد، اختطفت الميليشيات آلاف المواطنين وزجت بهم في سجونها.
 
ولفترة طويلة بعد الاختطاف، لم تعرف أسرهم عنهم شيئا، فيما منعت عنهم الزيارات، وسمحت بها أحيانا بشروط. وتعرض معظمهم للتعذيب؛ بعضهم فاضت روحه من قسوت التعذيب، وبعضهم فقد عقله أو أصيب بعاهات، وآخرون صمدوا وقاوموا الموت والمرض. ولا يعلم إلى متى؟
 
لم تكن المعاناة حصرا على المختطفين فحسب، بل شملت أسرهم أيضا: بدءا بتلقي صدمة اختفائهم، حيث تدهورت صحة آباء وأمهات وأبناء ضعفاء، وصولا إلى الموت.    
وعلى هذا النحو، تفاقمت معاناة المختطفين أكثر، كما ساء الوضع الإنساني والنفسي والاقتصادي لأسرهم.
 
للوقوف أمام هذه المعاناة المريرة، أعد "يمن شباب نت" هذا الملف الخاص، الذي يقدم قصصا لخمسة نماذج مأساوية بارزة، تنوعت بين فقدان: كلا الأبوين، أو أحدهما، أو الأبن.
ونستند في تفصيل كل حالة من هذه الحالات على لقاءات مع أسر المختطفين.
 
الجزء الأول: نماذج مأساوية

قصة (1): "فؤاد التركي"..
 


مأساة وفاة الوالدين في شهر واحد

كان أشد ما ألمَّ بالمختطفين، بعد معاناة الاختطاف والسجن، هو فقدانهم بعض أعز أحبائهم إلى الأبد. والذين غالبا ما كانوا يمرضون نتيجة قهرهم عليهم قبل أن يلقى بعضهم حتفه بفعل تضاعف المرض وتدهور حالتهم الصحية أكثر.
 
قصة المختطف "فؤاد التركي"، الذي اختطفته ميليشيات الحوثي بصنعاء، في 23 يناير/ كانون الثاني 2016م، تعد واحدة من تلك المآسي الأكثر إيلاما. حيث توفى كلا والديه (أبيه وأمه)، وهو في السجن، نتيجة تعرضهما لصدمة نفسية كبيرة، إثر بلوغهما خبر اختطافه، ما أدى إلى تدهور حالتهما الصحية، لتنتهي بهما المأساة إلى الوفاة.
 
التقت مراسلة "يمن شباب نت"، بـ"إلهام"، شقيقة المختطف فؤاد، لتحكي مأساة وفاة والديها المسكينين، الواحد تلو الأخر في شهر واحد فقط، إثر تدهور حالتهما الصحية بعد سماع خبر اختطاف شقيقها فؤاد. الذي لم يسمح له حتى بحضور مراسيم تشييعهما...!!!
 
وأشارت "إلهام" إلى أن صاعقة خبر اختطاف "فؤاد" كان قاسيا على والديها. حيث أصيب الأب "بالتعب، وقصور في النظر، وارتفاع السكر، والآم بالمفاصل". حدث له كل ذلك في ظرف أسبوعين فقط من اختطاف فؤاد. تقول الهام.
 
أما والدتها، هي الأخرى، سرعان ما انهارت فور سماع خبر اختطاف ولدها، ما أدى- بداية- إلى أصابتها بنزيف حاد، تضاعفت آثاره من القهر. حيث أصيبت- من شدة النزيف- بورم ليفي في الرحم، فقرر لها الأطباء عملية استئصال مباشر، وكان سببا رئيسيا لوفاتها.
 
وبحسب ما روته شقيقة المختطف فؤاد، لـ"يمن شباب نت"، توفي كلا والديّها في أقل من شهر واحد، الفارق بينهما أياما معدودة فقط.
 
وبدأت الهام بتفصيل قصة وفاة والدها، قائلة: "بعد مرضه الشديد وتدهور حالته الصحية، توفي والدي ليلة الـ27 من رمضان"- الماضي/ (الموافق 21 يونيو/ حزيران 2017). واستدركت: "كان مصابنا بوفاته يحمل معه مصابا آخر مثله؛ فكيف سأبلغ فؤاد بوفاة أبي؟".
 
 لم توضح كيف تمكنت من ذلك، لاحقا، وأكتفت بالتأكيد أن شقيقها المختطف "حُرم حتى من حضور جنازة والده، رغم كل المحاولات والوساطات". وتضيف: "رغم ذلك، ثبت فؤاد ثبات المبتلى الشاكر الصابر، ومر علينا العيد مريراً، واشتد صراع والدتي مع المرض، لا سيما بعد أن فارق زوجها الحياة قهرا على أبنهما الذي يعاني العذاب والمرض خلف القضبان".
 
 وواصلت الهام حديثها عن محنتهم بقولها: "لم يمضي على وفاة أبي أيام قلائل حتى لحقت به أمي- (توفت في 2 يوليو/ تموز 2017)- تاركةً خلفها معاناة أخرى تضاف إلى مأساة ذلك المختطف الذي لاحول له ولا قوة"، مشيرة إلى أنه "وللمرة الثانية مُنع فؤاد أيضا من حضور مراسيم تشييع والدته"
 
ومع أنها أكدت أن خبر اختطاف "فؤاد"، كان هو البداية لسكرات الموت التي عانتها أمها حتى وافتها المنية، وللأسف قبل أن تتمكن من تحقيق آخر أمانيها برؤية ولدها حرا في حضنها. فقد لفتت إلى أن وفاة الأب (زوجها) كان له دور في التسريع من تدهور حالة الأم أكثر، لتلحق بزوجها بعد أسبوع واحد تقريبا.
 
قصة (2): "يحي المرقب"..



 الأم.. قلق وخوف ومرض فرحيل 

وفي مأساة أخرى مشابهة لكن أخف قليلا عن سابقتها، ظلت والدة المختطف "يحيى المرقب"، تتجرع غصص القهر والخوف على حياة ولدها، حتى توفاها الأجل قبل أن يتحقق حلمها الوحيد برؤيته مرة أخرى حرا طليقا إلى جوارها. حسب ما روته زوجة يحيى، "أم محمد"، لـ"يمن شباب نت".
 
وأختطف يحيى المرقب، من قبل ميليشيات الحوثي، صباح يوم الخميس الموافق 31 ديسمبر/ كانون الأول 2015، من أمام منزله في سوق عنس. وبحسب زوجته، أم محمد، تم اقتياده، بعد اختطافه مباشرة، الى سجن "علاية" بمنطقة القادسية بأمانة العاصمة صنعاء. وبعد مرور ثلاثة أيام تم نقله دون علمهم إلى احتياطي هبرة، الذي يقبع فيه حتى يومنا هذا.
 
وأعادت "أم محمد" التأكيد مرارا على أن "والدة يحيى كانت تتمنى رؤيته حر طليقاً، إلا إن قلقها وتخوفها من أن يصيبه أي مكروه، أو حرمانه حريته إلى الأبد، كان سببا في مرضها الجسدي والنفسي، ومضاعفاتهما، حتى لقت حتفها"، مضيفة "لم تستطع تحمل القلق والقهر والظلم لغياب ابنها، لفترة أكثر من سبعة أشهر بعد اختطافه، حيث وافتها المنية بعد كل هذه المدة من الصبر الذي قدرت عليه".
 
ولم يعلم يحيى بوفاة أمه إلا بعد ثلاثة أيام من موتها. فالحوثيين- كما تؤكد الزوجة- رفضوا السماح بإبلاغه خبر وفاتها في نفس اليوم، من قبل اخوته والمقربين.
 
وأضافت: "بل أنهم، حتى، لم يسمحوا له بالخروج لإلقاء النظرة الأخيرة على جثمان أمه، أو حضور الصلاة عليها ومراسيم الدفن، رغم عرض أسرته مبالغ مالية وضمانات بعودته للسجن".
 
قصة (3): "حارث حميد"..
 


الأب.. جلطتان قبل الرحيل 

من المختطفين المغيبين والمخفيين في سجون الميليشيات، من لم يضاعف مأساته- حتى الآن- خبر موت قريب أو حبيب، كان يتمنى العودة إليه يوما ما، لكنه بدلا من ذلك فُجع بأنباء سيئة طالت قريبا أو حبيبا له، كمدا وقهرا عليه.   
 
"فاطمة"، شقيقة الصحافي المختطف "حارث حميد"، تكشف لـ"يمن شباب نت" عن واحدة من تلك المآسي.
 
تقول إن خبر اختطاف شقيقها "حارث"، كان بمثابة الخبر الصاعقة الذي الحق بهم ضررا كبيرا. حيث أصيبت والدته بالإعياء، فلزمت الفراش، "تعب جسدي يصاحبه تعب نفسي". تضيف. "أما والدي كان مسافرا حينها وما يزال بكامل صحته، وعندما وصله خبر اختطاف اخي حارث، تأثر بشكل كبير، وأخذ يتواصل مع قيادات حوثية ليتم الإفراج عن حارث، لكن دون جدوى".
 
 ونتيجة لذلك، تؤكد فاطمة أن والدها "أصيب بجلطة دماغية أفقدته بصره"، حيث ظل يعاني منها لأشهر، "ثم أصيب مرة أخرى بجلطة دماغية أفقدته الحركة.. وهكذا بدأت حالته تزداد سوءاً، كلما تذكر غياب حارث، ويهتف باسمه".
 
اختطفت ميليشيات الحوثي الصحفي "حارث حميد"، مع ثمانية صحفيين آخرين من زملائه، من العاصمة صنعاء مطلع شهر يونيو/حزيران 2015. ولفترة طويلة- جاوزت العام- لم يُعرف مكانهم. وحتى بعد أن كشفت الميليشيات عن السجن الذي تحتجزهم فيه، ظلت تمنع عنهم الزيارة، إلى أن سمحت بها لاحقا تحت ضغوط الأخبار السيئة، نتيجة تعرضهم للتعذيب، والتي كانت تصل أسرهم ومقربيهم بطرق خاصة، فيقومون بنشرها عبر الصحافة، ما شكل ضغطا كبيرا على سجانيهم، لا سيما من قبل المنظمات الدولية، فاضطروا إلى تحديد مواعيد متباعدة لزيارة أسرهم تحت شروط مجحفة.
 
تقول فاطمة، شقيقة الصحفي حارث، إنه وبعد أن سمح لهم أخيرا بالزيارات، كان والدها، بعد إصابته بفقدان البصر والحركة "يحفظ موعد الزيارة، ويحثهم في البيت على تطمين حارث بشأن صحته، رغم فقدانه للحركة ومعاناته الشديدة من أثار الجلطة".
 
وفي 13 ديسمبر/ كانون أول 2017، رحل والد الصحفي حارث حميد، القابع خلف القضبان منذ عامين ونصف، دون أن يحظى بوداعه أو يشتم رائحته.
 
تقول شقيقة حارث إن والدها "رحل وفي قلبه شوق أن يرى ابنه حرا، لكن المليشيات الانقلابية حالت بينه وبين ذلك الحلم".
 
قصة (4): "أحمد سلطان"



وفاة الأب.. ومعاناة أسرة بأكملها


تخبرنا معظم قصص المختطفين أن تداعيات الاختطاف لم تكن لتقتصر على معاناة المختطف وأسرته من الاختطاف نفسه، بل تتجاوزه إلى ما هو أشد وأنكى. فإلى جانب موت أحد الوالدين، تعدى البعض الأخر ذلك ليشمل معاناة كافة أفراد الأسرة.
 
وقصة معاناة أسرة المختطف "أحمد سلطان دلواح"، أحد تلك المآسي المتعدية للموت. حيث تتحدث زوجته لـ"يمن شباب نت" بمرارة عن أوقات عصيبة عانتها أسرته بالكامل، ومازالت تعاني منها حتى الأن.  
 
وفضلا عن إصابة والده بمرض ومعاناته منه حتى الموت، ما تزال أمه تعاني من المرض وفقدان الذاكرة، فيما أصيب نجله الأكبر بصدمة نفسية تعرض لها أثناء عملية اختطاف والده، ومازال يعاني منها حتى اليوم.
 
 وتشرح زوجة المختطف "أحمد سلطان" لـ"يمن شباب نت" تفاصيل قصة اختطافه المأساوية، التي جَرّت خلفها أسرته بكاملها إلى المعاناة.
 
وبحسب رواية الزوجة، بدأت المأساة كالتالي: في الساعة التاسعة من صبيحة يوم 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، حاصرت مليشيا الحوثي منزلهم بقرية الحبيل- مديرية عبس بمحافظة حجه، وداهمته بقوة عسكرية كبيرة، وقاموا بإطلاق الرصاص وترويع الأطفال والنساء، لدرجة أن الناس لم يجرؤا أحد منهم على الاقتراب، مانعين أي شخص من الدخول إلى المنزل لمعرفة ما يجري.
 
وواصلت: "قام الحوثيون بضرب زوجي ضربا مبرحا قبل اختطافه، ولم يمنعهم صراخ أطفاله المرير من القيام بذلك"، مضيفة: "بل استمر حصار المنزل إلى بعد الظهر، وتم نهب كل محتوياته، بما في ذلك ثلاث سيارات".
 
وأكدت الزوجة إن صحة والديّ زوجها، تدهورت بعد اختطافه. حيث استمر والده بالبكاء، منذ ذلك الحين بشكل شبه متواصل، متمنيا رؤية ولده ولو لمرة واحدة، حتى قطع أجله حلمه".
 
 أما والدته فهي "تعاني من مرض جلدي وفقدان الذاكرة"، فيما أصيب ابنه الأكبر "بصدمة نفسية مازال يعاني منها إلى الان". كما أخبرت أمه "يمن شباب نت"
 
وتضيف: "رغم أن والدة "أحمد سلطان" امرأة مسنة وتعاني مرضا عضالا، وفاقدة لذاكرتها، إلا أن أبنها "أحمد" كان هو الشيء الوحيد الذي لم يفارق ذاكرتها أبدا. حيث تتسائل دائما: "أبني لم يقتل أحد، فلم يسجنونه"؟؟!!
 
وعن حالة المعاناة هذه للأسرة، وتأثيرها على معاناتها شخصيا، نتيجة غياب زوجها المختطف حتى الأن في سجون الحوثيين، تقول الزوجة إنها كانت تتغاضى عن معاناتها في غياب زوجها. "بل تتناسى معاناة زوجها عندما ترى معاناة والديه لغيابه، وكيف تبدلت أحوالهما وتدهورت صحتهما".
 
وتشير بشكل خاص إلى المعاناة التي عاشها والد زوجها، قائلة: "كان كلما اشتد المرض على عمي أبو أحمد، يبكي ويقول سأموت ولم أجد أحمد حتى مرة واحدة، حتى مات دون أن يراه".
 
نموذج (5): "أحمد الجابري"



الأبناء أيضا يموتون بلا حنان

 
ما سبق، كان مخصصا لاستعراض بعض من أبرز نماذج الموت لأحد والديّ المختطف. إلا أن مأساة المختطفين في سجون الميليشيات لم تكن لتقتصر فقط على فقد أحد الوالدين قهرا وكمدا، بل تعدت ذلك إلى فقدانهم أبنائهم أيضا في بعض الحالات.
 
كما هو حال المختطف "أحمد الجابري"، الذي فقد ابنه الوحيد بعد عامين من اختطافه، ليضاف إلى عذابات الاختطاف والسجن، عذابا نفسيا أشد بفقدان وحيده بعيدا عنه!!!
 
عن هذه المأساة، تحدثت "أم زكريا"، زوجة المختطف الجابري، لـ"يمن شباب نت"، بشعور الزوجة التي فقدت زوجها منذ أكثر من عامين، وبألم الأم الثكلى، قالت: "كان ذلك يوم الأحد، الموافق 14 ذي القعدة 1438هـ، اليوم الذي لن أنساه في حياتي. كانت الساعة الخامسة عصراً، هي ساعة القهر التي لم تكن بحسباني، لأني كنت غارقة في محنتي وغياب زوجي وعذابه، ليختار الله لنا اختبارا صعبا آخر، في هذه الساعة فقدت ولدي زكريا".
 
 وفي حين أن خبر وفاة ابنها نزل عليها كـ"الصاعقة"، كما تقول، إلا أن أمرا آخر كان قد بدأ يؤرقها أكثر، وهو: "كيف سيمكنها نقل هذا الخبر الصاعق لزوجها المسكين؟"، ذلك الأب المغيب خلف قضبان سجن الأمن السياسي، والذي كان يحيا على أمل أن ينتهي كل هذا الظلم قريبا ويعود ليحتضن طفله الذي أفتقد حنانه منذ عامين.
 
بحزن، لا يجد كلمات مناسبة لوصفه، حاولت أم زكريا مواساة نفسها بوصف حال ولدها الراحل، المحروم من حضن أبيه وحنانه، بقولها "لقد ترك زكريا هذه الدنيا القاسية، وذهب إلى العدل الذي سيقتص له ممن حرمه من حنان أبيه، وحرم أبيه منه".
 
الجزء الثاني: تداعيات مستمرة..

ما سبق، لم يكن سوى جزء يسير تمكن "يمن شباب نت" من بلوغه على لسان أقارب بعض المختطفين الذين عانوا وأسرهم من تغييبهم قسرا.
 
لكن المأساة لم تتوقف عند هذا الحد، بل كانت لها تداعياتها المؤلمة على المختطفين وأسرهم على حد سواء، بعضها ما تزال مستمرة حتى الأن، وقد لا تجد لها حدا أو زمنا قريبا يحتويها.
 
"فؤاد التركي".. تركة ثقيلة

نبدأ بمحنة المختطف "فؤاد التركي"، الذي اُختطف في 23 يناير/ كانون الثاني 2016م، بينما كان متوجها إلى متجره الصغير، والحديث.

قبل اختطافه بشهر واحد فقط، كان فؤاد قد فتح محلا تجاريا صغيرا في العاصمة صنعاء، بعد أن اقترض من مصرف الكريمي مبلغ مليون ومأتيين ألف ريال، سيقوم بتسديد اقساطها شهريا. كما اقترض مبلغا آخر لعمل الديكور وبعض الترتيبات اللازمة لإنجاح العمل.
 
أراد فؤاد أن يصبح تاجرا، ولو صغيرا، ليتمكن من ضمان حياة كريمة لأسرته. لكنه بدلا من ذلك تحول إلى عبئا عليها. حيث تسبب اختطافه بتحميل أسرته كافة تلك الديون الثقيلة التي على المحل. لتتضاعف المأساة أكثر بوفاة والديه المسكينين، بعد مرضهما عليه.
 
بالنسبة للأسرة، بدأت معاناتها الحقيقية بعد اختطاف فؤاد، تاركا لهم مسئولية قضاء كل تلك الديون. حيث أصبح أخاه الأكبر هو العائل الوحيد للعائلة بالكامل. وفي ظل هذه الظروف المأساوية، الصعبة، والمعقدة، أصيب الأخ بأمراض عديدة، منها الضغط والسكر والربو وتضخم في القلب.
 
بالنسبة لاستمرار معاناة فؤاد، تقول شقيقته "إلهام" إنه لم يكن يعلم بمرض أمه لأجله، إلا بعد وفاتها". وتضيف: في تلك الزيارة التي عرف خلالها بوفاة أمنا، بعد معاناتها لأجله، خرجنا من عنده وقد تركناه لقوة إيمانه وصبره. لأنهم، في مثل هذه الحالة المأساوية، كما تقول "لم يكن بيدهم شيء أخر يقدمونه له غير ذلك".
 
"يحي المرقب".. تأنيب ضمير
 
أما المختطف "يحيى المرقب"، فتكمن معاناة عائلته لكونه كان هو المعيل الوحيد لأسرتين. كما تؤكد زوجته، أم محمد، والتي قالت إن الأضرار الناجمة عن اختطاف يحيى وتغييبه "كانت كبيرة جدا، على رأسها وأهمها: فقدان العائل الرئيسي لأسرتين، هما أسرته من زوجته وأبنائه، وأسرته من والديه وأخوته".
 
وحول تضاعف مأساة الأسرة وزوجها المختطف أيضا، تقول: "منذ اختطاف يحيى، لازمنا الحزن والقلق عليه وعلى مصيره، ولم يبارحنا حتى اليوم"، مؤكدة أن والدة يحيى "توفت نتيجة ما تعرضنا له من فقد وقهر وضيم، ما ضاعف من آلامنا، وزاد من مأساة يحيى في معتقله".
 
وبحسب "أم محمد"، توفيت والدة زوجها "يحيى" في 28 يوليو/ تموز 2016، "ولم يعلم ابنها بوفاتها حتى اليوم الثالث حين جاء موعد زيارته". وهنا تبدأ معاناة يحيى النفسية المستمرة.
 
وتشرح زوجته لحظات تلك الزيارة التي حملوا إليه خبر وفاة والدته، قائلة: كالعادة كان يحيى ينتظر حضور أمه معنا، لأنه أعتاد حضورها في كل زيارة، لكنه لم يجدها في هذه الزيارة، وعندما سألهم عنها لم يجدوا له جوابا إلا الدموع، فنزل عليه خبر وفاتها كـ"الصاعقة".
 
تأثر يحيى كثيرا بوفاة والدته، وما يزال أثر ذلك عليه حتى الأن، كما تؤكد زوجته، التي تجزم أن زوجها "يحيى" قد تعرض لصدمة بالغة جعلته غير قادر على استيعاب فكرة فقدانه والدته إلى الأبد، فهو- كما تقول: ما زال يسأل عنها في كل زيارة، ويستفسر عن أيامها الأخيرة، حتى بعد مرور عام على وفاتها...!
 
"حارث حميد".. ألم نفسي مضاعف

وأما مأساة الصحفي "حارث حميد"، فتتمثل بمعاناته النفسية التي ما زال يعاني منها حتى الأن جراء تأثره بوفاة والده كمدا عليه، قبل أن يراه بعد فترة طويلة من اختطافه ومنع الزيارات عنه. حيث أصيب والده بجلطة أولى أفقدته بصره، ثم تلتها أخرى اقعدته عن الحركة.
 
كان "حارث" قد اُختطف مساء الثلاثاء، 9 يونيو/ حزيران 2015م من أمانة العاصمة، من قبل ميليشيا الحوثي، ثم نقل الى البحث الجنائي ثم إلى سجن الثورة ثم إلى سجن هبرة، ومعظم تلك الفترة، لم يكن أحد يعلم بمصيره وزملائه الصحفيين الثمانية الذين اختطفوا معه، وهو الان يقبع- منذ عام ونصف تقريبا- في سجن الامن السياسي بصنعاء. وفي فترة متأخرة سمح لأسرهم بالزيارة.
 
 تقول أخته، بعد فترة قصيرة من السماح للأسرة بالزيارة، فوجئوا بمنعهم منها لفترة استمرت ستة أشهر تقريبا. وحين فتحت الزيارات مرة أخرى، كان والدهم قد توفى قبلها بثلاثة أيام.
 
تضيف: وعندما ذهبنا لزيارته وكنا في انتظاره على شباك الزيارة، خرج أخي حارث فرحا مستبشرا بفتح الزيارة على أمل أن يرى أبيه، لكنه صدم عندما لم يجده معنا، ثم تلتها مباشرة صدمة معرفته بوفاته.
 
 وتواصل: عندما خرج إلينا وبدأ بالسلام، كان يتلفت يمينا ويسارا عله يجد أبيه، ثم بدأ يسأل عن والدته فأخبرونا أنها مريضه، وعندما أنتقل للسؤال عن أبينا، طأطأنا رؤوسنا جميعا، وتساقطت الدمعات، وخيم الصمت قليلا قبل أن يقطعه أخي الأخر بشجاعة، لكن بصوت مهترئ ومرتعش وممتلئ بالضعف، مؤكدا له أن والدنا انتقل الى رحمة الله..!!!
 
تقول فاطمة: عندها لم يتمالك حارث نفسه؛ وبدأ بالبكاء كطفل صغير، وبين الحين والأخر كان يلوم نفسه ويلحق ذلك بتمتمة: "لاحول ولا قوة إلا بالله". انتهت الزيارة وهو ما زال في شدة بكائه، وعاد إلى سجنه وهو كذلك.
 
يقول زملاء حارث، إنه تغير كثيرا بعد رحيل والده، حيث لم يعد ذلك الشاب القوي الذي عرفوه، حتى أنه أصبح ينهار بالبكاء بشكل مفاجئ.
 
"أحمد سلطان".. النفس اللوامة

 المختطف "أحمد سلطان دلواح" غيب في السجن منذ الـ 22/10/2015، ولم تعلم أسرته عنه شيئا إلا بعد خمسة عشر يوم من اختطافه. حيث بلغتها تأكيدات أنه في سجن احتياطي الثورة بالعاصمة صنعاء. لكن الأسرة مع ذلك لم تتمكن من زيارته رغم محاولاتهم المستميتة، إلا بعد ثلاثة أشهر في 28/1/2016م.
 
نقل أحمد إلى احتياطي هبرة، وانقطعت أخباره. وعندما علم بوفاة والده متأثرا بمرضه قهرا عليه، حزن حزنا شديدا، وبدأ يلوم نفسه ويسأل: هل مات وهو راضٍ عني؟ ولم يسمحوا له حتى بالاتصال لتعزية أسرته. تقول زوجته.
 
وأضافت أن زوجها لم يلتقي بوالديه منذ عامين حتى توفى والده بسبب المرض وتدهور صحته"، لافتة إلى أن زوجها يكاد يكمل عامه الثالث دون أن تعلم كيف حاله، لاسيما بعد تلقيه خبر وفاة والده الذي كان متعلقا به كثيرا...!
 
"أحمد الجابري".. صمت قاتل

أما المختطف "أحمد الجابري"، الذي توفى ولده "زكريا"، بعد فترة من اختطافه، فتؤكد زوجته (أم زكريا) أنها في السابق كانت تعيش معاناة فقدان زوجها المختطف في سجون الميليشيات والذي يتعرض للتعذيب في معتقلاتهم السرية في الأمن السياسي بصنعاء؛

لكنها اليوم، وبعد موت ولدها "زكريا"، تضاعفت معاناتها، فأصبحت تعيش فقدان الزوج المعذب، وفقدان الابن الذي رحل وضاعف برحيله الأبدي من مأساتها وزوجها.
 
تكشف أم زكريا عن أصعب اللحظات التي عاشتها، وذلك عندما ذهبت لزيارة زوجها لتخبره بوفاة أبنه الوحيد.
 
تقول إن أشد ما آلمها آنذاك، هو صمته القاتل، حيث لم يتفوه بكلمة تاركا لدموعه الغزيرة فقط أن تعبر عن ردة فعله والتي عكست قوة صبره واحتسابه.
 
"لم يتفوه بكلمة. فقط سمع الخبر، وعاد إلى زنزانته بدموع حارة سخية، تفرغ قهرا قاتلا لفقدان ولده". قالت زوجته، أم زكريا الذي لم يعد موجودا إلا كذكرى موجعة في قلبي أبويه.
 

خاتمة.. مأساة لا تنتهي

وهكذا، تستمر المأساة على مثل هذه الشاكلة..

حيث تتفاقم جرائم المليشيات ضد الإنسانية منذ انقلابها على السلطة والشرعية؛

فيما تتواصل معاناة المختطفين في سجونها؛

وتعاني أسرهم القهر والظلم والابتزاز المالي والنفسي..

وما زال هناك أحباء لمختطفين في سجون الميليشيات يعانون المرض قهرا، ربما أصبحوا الأن على شفا الموت..
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر