حرب على الخدج.. الإجرام الإسرائيلي يقتل أطفال غزة

[ فقدت أمهات غزة العشرات من مواليدهن (دعاء الباز/الأناضول) ]

يفتقر قطاع رعاية الأطفال إلى الكثير من الاحتياجات الأساسية، في ظل شح المساعدات المخصصة لمستشفيات قطاع غزة، خصوصاً مستلزمات المواليد الجدد الذين يحتاجون إلى الحليب والحفاضات والأدوية.

أعلنت إدارة مستشفى كمال عدوان الواقعة في منطقة مشروع بيت لاهيا شمالي قطاع غزة، مساء الأحد الماضي، ارتفاع وفيات الأطفال لديها إلى 15، من بينهم 7 أطفال توفوا صباح الجمعة الماضي، نتيجة سوء التغذية، وعدم توفر الدواء، وانعدام الوقود اللازم للتشغيل، في ظل وجود أطفال خدج، وكان من بين الوفيات طفلان توأم عمرهما 13 يوماً.

وحذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" من كارثة تهدد مستقبل أطفال قطاع غزة، خصوصاً حديثي الولادة، في حين طالب مدير مستشفى كمال عدوان بالتدخل العاجل لإنقاذ حياة الأطفال المتبقين على أجهزة التنفس، ومد يد العون لهم في المستشفى الوحيد في شمالي القطاع، لكن لم يلق طلبه أي استجابة.

وأكد مدير المستشفى، الطبيب حسام أبو صفية، أنهم يعيشون وسط تزايد مخاطر الموت المحقق للأطفال الرضع في شمال غزة، بسبب نقص الغذاء والمجاعة التي اشتدت خلال الأيام الماضية، ويقول لـ"العربي الجديد": "لا يصل أي شيء إلى المجمع الطبي منذ فترة طويلة، وأقسام الأطفال الرضع هي الأكثر حساسية في المستشفى. الظروف الحالية تهدد حياة الأطفال الخدج وحديثي الولادة، ولا نستطيع في كثير من الأوقات استيعاب أعداد المصابين الجدد، وكل قسم الحضانة في المستشفى يعتمد على علبة حليب واحدة مخصصة لفئتهم، وبدلاً من تناول الطفل الحليب كل ساعتين، يتناوله كل خمس ساعات، وهذا يؤثر على الوزن والمناعة، وفي حال استمر هذا الأمر سنفقد المزيد من الأطفال".

أطفال غزة تحت الإبادة الجماعية

ولا يستثني جيش الاحتلال الإسرائيلي الأطفال من أهداف حرب الإبادة الجماعية التي يشنّها على سكان قطاع غزة، إذ يواصل حصار وقصف واقتحام المستشفيات، ويكرر ترك المرضى فيها يموتون، خصوصاً الأطفال، كما حدث في مستشفى الأطفال بحي النصر في مدينة غزة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

في بداية فبراير/شباط الماضي، توفي الرضيع حمزة الحداد الذي لم يتجاوز عمره 8 أيام في حضانة مشفى التحرير الواقع داخل مجمع ناصر الطبي بمدينة خانيونس، بعد معاناة في ظل فقدان المضادات الحيوية والحليب، إثر ولادته في عملية قيصرية، تحت ظروف صعبة وبإمكانيات محدودة. نزحت والدته هالة الحداد (30 سنة) من مدينة غزة إلى مخيم النصيرات في وسط القطاع، ثم إلى مدينة خانيونس، وكونها حاملاً، فضلت البقاء برفقة عائلتها داخل خيام النازحين في باحة مجمع ناصر الطبي، والتي دمرها جيش الاحتلال لاحقاً، لكن ساءت حالتها، وعانت من آلام شديدة في البطن خلال الشهرين الأخيرين قبل الولادة، واضطرت الطواقم الطبية إلى إجراء عملية توليد لإنقاذها وإنقاذ جنينها.

تقول الحداد لـ"العربي الجديد": "قبل العدوان، كنت أحصل على أدوية داعمة ومواد غذائية على شكل عقاقير، لأن جسمي كان يفتقد إلى الكثير من العناصر الغذائية التي يفتقدها، لكن كل ذلك اختفى، وولدت طفلي قبل موعد الولادة المحدد بسبب القلق والضغط النفسي، وعدم الحصول على الغذاء الكافي أو الأدوية اللازمة. قررت الطواقم الطبية إجراء عملية ولادة لي، لأن حالتي كانت تسوء، وأتذكر أنني دخلت في غيبوبة بعد إخراج الجنين، وحين أفقت كنت أعيش على أمل أن يتعافى طفلي الذي أسميناه حمزة سريعاً. لدينا طفلة وحيدة اسمها لين (5 سنوات)، وقد قضى طفلي حمزة شهيداً، وودعته بالدموع والدم، وقمنا بدفنه داخل مجمع ناصر الطبي".

غادرت الحداد المستشفى، بينما لا تزال تعاني بشدة من آلام الولادة، وجرى إخراجها على عربة يجرها حمار في ظل تهديدات الاحتلال الإسرائيلي باقتحام المستشفى، والذي اقتحمه فعلياً في منتصف فبراير، واعتقل العديد من الطواقم الطبية العاملة في المجمع الطبي، وإثر ذلك توفي ثمانية مرضى غزيين، هم خمسة مرضى كانوا موجودين في قسم العناية المركزة، وثلاثة من الأطفال الخدج الذين كانوا في الحضانة، نتيجة انقطاع الأوكسجين وتوقف الإمدادات اللازمة لإبقائهم على قيد الحياة.

كارثة تهدد مستقبل أطفال قطاع غزة

وحسب بيانات وزارة الصحة، توفي أكثر من 230 طفلاً من الخدج منذ بداية العدوان الإسرائيلي، وكانت غالبية الوفيات، بسبب اقتحام المستشفيات، وعدم قدرة الطواقم الطبية على مواصلة العمل لإنقاذ الأطفال، أو بسبب حصار المستشفيات، ومنع وصول المساعدات والمستلزمات الطبية إليها، وتعطل مولدات الكهرباء بسبب نفاد الوقود، وتقييد وصول الشاحنات التي تحمل المساعدات العاجلة.

وكانت أصعب قصص وفاة المواليد خاصة بالنساء اللواتي كن ينتظرن المولود الأول لهن، أو من فقدن أبناء حملن بهم بعد سنوات طويلة من الانتظار. من بين هؤلاء آلاء انطيز (36 سنة)، والتي ظلت تنتظر أن يحدث الحمل طوال 12 سنة، وتلقت علاجاً مطولاً شمل الحصول على عشرات الحقن، قبل أن تجري عملية حقن مجهري، ورزقت أخير بطفليها التوأم، وهما ذكر وأنثى.

في بداية العدوان، نزحت أسرتها من أقصى شمالي القطاع إلى وسط مخيم جباليا، ثم إلى مشروع بيت لاهيا، ليكونوا بالقرب من المستشفيات والمراكز الطبية، كانت آلاء ترفض النزوح إلى جنوبي القطاع مثلما فعل غالبية سكان المنطقة الشمالية، إذ كانت تخشى على طفليها من مخاطر رحلة النزوح، لكنها فقدتهما معاً بعد رحلة معاناة في الحضانة، ومحاولات الطواقم الطبية المستميتة لإبقائهما على قيد الحياة، وسط إمكانيات شبه معدومة في مستشفى كمال عدوان.

تقول انطيز لـ"العربي الجديد": "أنجبت داخل مستشفى كمال عدوان تحت أصوات القصف، لم يكن المولودان بحالة صحية جيدة، وكنت أحاول إبقاءهما على قيد الحياة، وتنقلت بطفلي الشهيدين إلى مستشفيين لعدم وجود المستلزمات الطبية. قمت بالكثير من المحاولات، ووجهت عشرات المناشدات، لكن الطفل الذكر توفي في المستشفى لأسباب كثيرة، بسبب ظروف الحرب، وتكدّس المصابين، وعدم توفر الأدوية والمستلزمات الطبية".

تضيف: "كان الحصار الإسرائيلي مشدداً على المستشفى في بداية شهر فبراير، وبعد طول انتظار تمكّنت الطواقم الطبية بالتنسيق مع الهلال الأحمر الفلسطيني من أجل محاولة إنقاذ الطفلة، عبر نقلها إلى مستشفى الهلال الإماراتي في مدينة رفح جنوبي القطاع، وطوال الطريق كنت أدعو أن تنجو طفلتي، لكن عندما وصلنا كانت الصدمة الجديدة، فالإمكانيات غائبة، ولا توجد رعاية للأطفال الخدج، وقد توفيت بسبب نقص الحليب المناسب لحالتها".

تعمل طبيبة النساء والولادة إيمان حسنة في مستشفى أبو يوسف النجار، وفي نقاط طبية عدة في الخيام المخصصة لعلاج النساء بالمنطقة الحدودية بين مدينة رفح وسيناء المصرية، والتي تعتبر إحدى أكثر المناطق ازدحاماً، وتحتاج مئات النساء فيها للرعاية الطبية، خصوصاً الحوامل، واللاتي يواجهن مخاطرة كبيرة في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي.

وتقول حسنة لـ"العربي الجديد"، إن "الواقع الذي نعيشه في مستشفى أبو يوسف النجار والمستشفى الإماراتي المخصص للولادة في مدينة رفح، لا يمنح أي أمل في إنقاذ أرواح الأطفال المواليد، وخصوصاً الخدج منهم، في ظل الاستجابة البطيئة لإدخال الأدوية والحليب، وتوفير حضانات كافية. هذه الأوضاع هي أصعب ما واجهته طوال عملي منذ 20 عاماً. كان المعتاد أن نفقد شهرياً مولوداً أو مولودين من الخدج في المستشفى، بينما حالياً نفقد أحد الأطفال الخدج بشكل شبه يومي، بسبب قلة الإمكانيات، وعدم وجود الإمكانيات اللازمة لإجراء عمليات الولادة الآمنة، وكذا عدم توفر أماكن انتظار للسيدات بعد الولادة بسبب كثرة المصابين".

تضيف: "نعاني بشدة بسبب عدم وجود الحضّانات الكافية للخدج، وندرة الحليب المناسب لأوضاعهم، إلى جانب غياب الأدوية الخاصة بالرئتين التي تساعد في تحسين التنفس عند الأطفال الخدج، وكذلك انعدام الكثير من المضادات الحيوية الضرورية لعلاج الأطفال من حالات التجرثم في الدم التي يتعرّضون لها بشكلٍ متكرر، وكل هذا يعرّض حياتهم للخطر، وغالباً ما تنتهي تلك الأوضاع بوفاة الخدج".

العربي الجديد

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر