نقطة تحول.. ماذا يعني محاكمة إسرائيل أمام "العدل الدولية" بتهم جرائم إبادة جماعية؟

أبرز عضو هيئة التدريس بكلية الحقوق في جامعة "ميديبول" بمدينة إسطنبول التركية، الدكتور عبد الله مصعب شاهين، نطاق وأهمية رفع جمهورية جنوب إفريقيا دعوى قضائية لدى محكمة العدل الدولية، لمحاكمة إسرائيل بتهم "جرائم إبادة جماعية" في قطاع غزة.
 
وقال شاهين في مقال كتبه للأناضول، إنه "منذ انتهاء الهدنة الإنسانية قصيرة الأمد (مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2023)، واصلت إسرائيل هجماتها الممنهجة دون انقطاع، بينما صرحت حركة حماس وممثلو قطر، الذين لعبوا دور الوسيط مرارا وتكرارا، بأن المفاوضات توقفت بسبب هذا الموقف العدواني لإسرائيل".
 
وأضاف: "على الرغم من ذلك، عند تقييم كل التطورات معًا، يبدو أن المفاوضات بين حماس وإسرائيل مستمرة. وما نشاهده حاليا يشير إلى أنه لم يتم حتى الآن استبدال الصراعات بالسياسة والعقل، لكن حركة الدبلوماسية مستمرة إلى حد ما".
 
وشدد شاهين على وجوب انتهاء "حالة العدوان من أجل تسريع الاتصالات الدبلوماسية وطرح أفكار الحل السياسي".
 
حلول سريعة على أساس قانوني
 
ولفت شاهين إلى أن البحث عن حل على الساحة الدولية لوقف الهجمات الإسرائيلية "تركز في المقام الأول على الجنائية الدولية، مبينا أن العديد من الدول والمنظمات غير الحكومية قدمت إلى هذه المحكمة أدلة تدين إسرائيل".
 
وأردف: "لم تكن الجنائية الدولية منطلقا معقولا للتوصل إلى حل لعدد من الأسباب، منها هيكلها المترهّل، وعدم قدرتها على اتخاذ تدابير مؤقتة، والموقف المتحيز للمدعي العام (كريم خان)".
 
واستطرد: "بدلا من ذلك، من الممكن أن يؤدي تقديم طلب إلى محكمة العدل الدولية، الهيئة القضائية للأمم المتحدة، إلى إيجاد حلول أسرع وأكثر فعالية".
 
وأوضح أن جمهورية جنوب إفريقيا تقدمت مؤخرا بطلب إلى محكمة العدل الدولية عبر ملف "متسق ومطمئن للغاية، ومفصل وله أساس قانوني".
 
وذكر أن جنوب إفريقيا وبالإشارة إلى المادة ذات الصلة من اتفاقية الإبادة الجماعية، "رفعت دعوى قضائية أمام المحكمة تتهم فيها إسرائيل بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة".
 
وأشار إلى أن إسرائيل اكتفت برفض هذه الدعوى القضائية شفهيا فقط.
 
أهمية طلب جنوب إفريقيا وما بعده

في السياق، لفت شاهين إلى أن الطلب الذي قدمته جنوب إفريقيا "يتضمن مطالبات لمنع أعمال إسرائيل التي ترقى لتكون إبادة جماعية، وتسجيلها إبادة جماعية، وتحديد التزامات إسرائيل باعتبارها دولة، ومحاكمة ومعاقبة المجرمين من خلال التنسيق بين محكمة العدل والجنائية الدولية".
 
وبيّن أنه في المرحلة الأولى يجوز إصدار أمر قضائي "مؤقت فوري" وفقا للوائح، نظرًا لوجود حالة طارئة.
 
وقال: "بعد الطلب، قد تبرز على جدول الأعمال قرارات احترازية مثل تعليق العمليات العسكرية الإسرائيلية العلنية أو السرية، ووقف الأعمال التي ترقى لأن تكون إبادة جماعية، ومنع تدمير الأدلة، وعدم منع الوصول إلى (قطاع) غزة، وضمان حرية وصول المنظمات الإغاثة الدولية للمنطقة".
 
وذكر الأكاديمي التركي أن إسرائيل "قد تبدي مقاومة حيال عدم الامتثال لقرارات محكمة العدل".
 
واستدرك: "لكن أي سلوك من جانب إسرائيل يتعارض مع قرارات محكمة العدل الدولية التي تشكل الجهاز القضائي للأمم المتحدة سيزيد الضغوط التي يمارسها المجتمع الدولي، وفي مثل هذا السيناريو فإن دعم الساسة الغربيين لإسرائيل يعني رفض مبدأ حقوق الإنسان برمته".
 
واستطرد: "فضلا عن ذلك، فإن موقف إسرائيل المناهض لقرارات محكمة العدل قد يدفع مجلس الأمن الدولي إلى التدخل، فضلا عن الضغوط الشعبية الناجمة عن ذلك".
 
وأوضح أن إسرائيل منذ تأسيسها "لم تتصرف أبدا وفقا لقواعد القانون الدولي، وأن الإسرائيليين يعيشون معزولين عن محيطهم ضمن فقاعة"، لافتًا إلى أنهم "يتمكنون من البقاء غير مبالين بالتطورات العالمية ضدهم، وقد تكون هذه الخطوة من جانب جنوب إفريقيا نقطة تحول في مدى حصولها على الدعم من دول أخرى على الساحة الدولية".
 
وقال: "بعد عقود، توفرت إمكانية إخضاع إسرائيل بوصفها كيانا سياسيا للمساءلة القانونية عن أفعالها، وفتح بذلك طريق محاسبتها، ومن أجل أن تسير هذه العملية على النحو المنشود، فلا بد أن تحظى خطوة جنوب إفريقيا الجريئة بدعم عاجل من الدول الأخرى وأن تتدخل تلك الدول بالانضمام إلى القضية التي رفعتها".
 
وأوضح أن الدعوى التي رفعتها أوكرانيا ضد روسيا أمام محكمة العدل، لأسباب مشابهة، شاركت فيها 32 دولة.
 
ولفت إلى أن تحديد ما إذا كانت ممارسات إسرائيل تشكل جريمة إبادة جماعية من عدمه "يقع ضمن اختصاص المحكمة".
 
وبيّن أن جنوب إفريقيا قدمت طلبها بناءً على اللائحة الواردة في المادة 9 من اتفاقية "منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها" لعام 1948، وتعد جنوب إفريقيا وإسرائيل طرفين فيها.
 
ووفقا لأحكام الاتفاقية يقع على عاتق الدول الأطراف فيها الالتزام بمنع الإبادة الجماعية.
 
وعلى هذا النحو، أشار شاهين إلى أن جنوب إفريقيا "قدمت طلبها من خلال تسليط الضوء على مسؤوليتها في منع الإبادة الجماعية الناشئة عن الاتفاقية المذكورة التي هي طرف فيها".
 
وأوضح أن هذا الالتزام بمنع الإبادة الجماعية "يعني أن الدول التي تدعم إسرائيل أو التي لا تتخذ إجراءات ضدها على المدى الطويل، يمكن أن تتحمل أيضًا مسؤولية الإبادة الجماعية".
 
وذكر أن جنوب إفريقيا تربط مطالبها بالتشديد على أن تصرفات إسرائيل "لا يمكن اعتبارها ضمن نطاق الدفاع المشروع"، فهي تنص بوضوح على أن الإجراء الذي اتخذته حماس (عملية "طوفان الأقصى") في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، "لن يضفي الشرعية على أعمال إسرائيل التي ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية".
 
ومن ثم، يجري التأكيد أن ممارسات إسرائيل "لا يمكن اعتبارها ضمن نطاق الدفاع المشروع، بل يجب اعتبارها إبادة جماعية"، على حد قوله.
 
أخطر جريمة في القانون الجنائي الدولي
 
وبيّن شاهين أنه من حيث القانون الجنائي الدولي، فمن الممكن تصنيف ممارسات إسرائيل ضد الفلسطينيين منذ عقود على أنها "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية".
 
وأردف: "مع ذلك، عند إجراء تقييم أضيق ومحدود من حيث الوقت، يتبين أن إسرائيل ترتكب جريمة الإبادة الجماعية منذ 7 أكتوبر، ويستند الطلب إلى ذلك".
 
واستطرد أنه بحسب الإفادات، عند تقييم الممارسات المستمرة التي تهدف إلى القضاء على الفلسطينيين في قطاع غزة، بجانب تصريحات السلطات (الإسرائيلية)، فمن الواضح أن "جريمة الإبادة الجماعية قد حدثت".
 
وشدد شاهين على أن طلب جنوب إفريقيا يهدف بشكل مباشر إلى "تحديد وجود جريمة إبادة جماعية، وهي أخطر جريمة في القانون الجنائي الدولي، واتخاذ تدابير ضدها".
 
ولفت إلى أنه وفقا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، لكي تشكل ممارسة معينة جريمة إبادة جماعية، بالإضافة إلى الأفعال المدرجة ضمن نطاق الاتفاقية، يجب أن يكون هناك أيضا نية لتدمير مجموعة ذات خصائص مميزة .
 
وتابع أنه في ملف الطلب يتبين أن تصرفات إسرائيل وتصريحات عدد من مسؤوليها "تتطابق بتفصيل كبير مع اللوائح الواردة في الاتفاقية، وواضحة وثابتة".
 
ومنذ 7 أكتوبر، يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي حربا مدمرة على قطاع غزة، خلفت حتى السبت، 22 ألفا و722شهيد و57 ألفا و910 مصابين معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا في البنية التحتية و"كارثة إنسانية غير مسبوقة"، بحسب مصادر رسمية فلسطينية وأممية.

المصدر: الأناضول

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر