منع دخول المساعدات.. حكم بالإعدام على سكان قطاع غزة المحاصر

[ لا يتوفر لأطفال غزة طعام صحي يومي (محمد عابد/فرانس برس) ]

لا تستطيع آلاف العائلات في كافة مناطق قطاع غزة توفير المستلزمات الغذائية والصحية الأساسية، ومن بينها حليب للأطفال الذين يتضورون جوعاً، في حين يتعرض القطاع لعدوان إسرائيلي متواصل يتزامن مع القيود المفروضة على دخول شاحنات المساعدات عبر معبر رفح البري مع مصر.
 
ورغم أن كمية المساعدات التي كانت تصل إلى القطاع خلال فترة الهدنة الإنسانية كانت شحيحة، ولا تقارن بحاجات سكان القطاع المتزايدة، إلا أن تلك الكميات تقلصت كثيراً بعد انتهاء الهدنة، كما باتت قدرة المنظمات الإنسانية، وعلى رأسها وكالة "أونروا"، على التوزيع محدودة نظرا لاستمرار القصف، في حين لا يمكن وصول المساعدات إلى مراكز الإيواء وسكان المنطقة المعزولة في شمالي القطاع ومدينة غزة، حيث تتفاقم الأوضاع الإنسانية بشكل متسارع.
 
يتوافد الآلاف يومياً على منافذ توزيع المساعدات الإنسانية في مدينة رفح، وينتظر بعضهم عدة أيام قبل الحصول على كيس طحين واحد، أو كمية من المواد الغذائية، في حين يشدد مكتب الإعلام الحكومي على أن ما يدخل قطاع غزة من مساعدات يومياً يقل عن 10 في المائة من الحاجة اليومية الأساسية، مؤكداً انقطاع المساعدات عن مناطق شمال ووسط القطاع.
 
قضى عمر أبو كميل (40 سنة) يومين في الانتظار قبل الحصول على كيس دقيق عاد به إلى الخيمة التي أقامها بالقرب من مستشفى أبو يوسف النجار في مدينة رفح. يضم الكيس 25 كيلوغراما من الدقيق، بينما العائلة يبلغ عدد أفرادها أكثر من 20 شخص.
 
يقول أبو كميل لـ"العربي الجديد": "قضيت ليلة في البرد أمام المركز حتى أتمكن من حجز دور مع كثيرين كانوا يبيتون أمام مركز توزيع المساعدات. القائمون على التوزيع يعطوننا كميات قليلة لا تكفي شيئاً. كرتونة صغيرة كل يومين أو كل ثلاثة أيام، والكرتونة كلها لا تكفي وجبة واحدة لكل أفراد عائلتي. لكننا لسنا في أوضاع طبيعية تسمح لنا بالاعتراض. بل نتدافع بعنف أحياناً من أجل الحصول على تلك المساعدات، وهذا الأمر متكرر في جميع المناطق".
 
يضيف أبو كميل: "حياة الغزيين أصبحت معتمدة على النجاح في الحصول على المساعدات، حتى إن والدتي البالغة 60 سنة، والمصابة بمرض السكري، أصبحت مضطرة للوقوف في طوابير المساعدات، وعادة ما نحصل على أصناف مكررة من المعلبات، ونفس أصناف الطعام، ونكتشف في مرات أن بعضها غير صالح للأكل، أو فاسد".
 
ونتيجة سياسة تأخير توزيع المساعدات على بعض النازحين، خصوصاً في مدينة رفح، يتبع بعض الغزيين وسائل من بينها انتظار الشاحنات في الشوارع الرئيسية القادمة من معبر رفح، ومحاولة اتباعها إلى مراكز التوزيع، أملاً في الحصول على المساعدات سريعاً، فالبعض لا يملكون شيئاً، ولا يمكنهم الانتظار.
 
يقول عبد القادر سحويل، وهو نازح من مدينة غزة، لـ"العربي الجديد": "المساعدات في الأغلب عبارة عن معلبات، والكثير منها طعمه غريب، وربما سوء التخزين هو سبب ذلك، لكننا لا نملك رفاهية الاعتراض. على أرض الواقع، الكرتونة التي يتم منحها لكل خيمة أو تجمع عائلي، يمكن أن تكفي ليومين فقط، وبمعدل وجبة واحدة يومياً، وعندما تنفد الكرتونة نعود إلى مرحلة انتظار الحصول على مساعدات أخرى".
 
ويضيف: "سياسة توزيع المساعدات سيئة، وتبقينا على نفس الحال من الجوع، ومن انتظار الحصول على حصة، كل هذا يحصل بينما نعيش في وسط أجواء الحرب. لدي طفل عمره عامان ونصف، وهو بحاجة إلى حليب مدعم بالعناصر الغذائية، وعندما نزحنا قبل شهر، أمنت وكالة أونروا لي علبتين من الحليب بعد فحص طبي داخل أحد المراكز الصحية، وتوصية الطبيب بهذا الحليب، لكننا منذ ثلاثة أسابيع لا نملك هذا الحليب".
 
في مناطق شمال ووسط القطاع، لم تصل أية مساعدات تذكر منذ بداية الشهر الحالي، وتضم تلك المناطق منطقتين، أولاهما مدينة غزة وشمالي القطاع المحاصرة، وثانيهما محافظات وسط قطاع غزة التي تضم 4 مخيمات للاجئين والنازحين، ويعيش عشرات الآلاف أوضاعًا إنسانية مأساوية في تلك المناطق، ويعاني غالبيتهم من جوع غير مسبوق.
 
يؤكد أسامة صالح، من مخيم النصيرات، أن منزله يضم أكثر من 30 فرداً، وأن المساعدات التي استلموها في نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني، نفدت بالكامل بعد يومين فقط من تسلمها، وكانت بالكاد تكفيهم، بينما لا يملكون منذ نحو أسبوعين أي طعام حقيقي.
 
يضيف صالح لـ"العربي الجديد": "لا يوجد حليب للأطفال، ولا طعام للكبار، ولا نملك الدقيق، ولا المنظفات، والأسواق خالية تماماً، والناس تصطف يومياً أمام مخازن أونروا على أمل أن تصل أية مساعدات، وأن يجرى توزيعها عليهم، ونتمنى فتح الطريق لإدخال المساعدات إلى وسط القطاع، فعلى مدار الأيام الماضية، لا نتناول إلا طعاماً قليلاً ورديئاً، ولا يكفي لضمان بقائنا على قيد الحياة".
 
تنتظر عائلات عدة أيام قبل الحصول على كيس طحين واحد
 
ويتولى الهلال الأحمر الفلسطيني نقل المساعدات من داخل معبر رفح البري إلى المنظمات المعنية بالتوزيع، وهي "أونروا" وعدد آخر من المنظمات العاملة في القطاع، من بينها مؤسسات دولية وأخرى خيرية تتبع دول عربية، ومنذ السماح بإدخال المساعدات عبر المعبر في 21 أكتوبر/تشرين الأول حتى تاريخ 10 ديسمبر/كانون الأول، دخلت 3733 شاحنة محملة بالمساعدات، وفرتها جهات عربية ودولية مختلفة.
 
ووفق المعلومات الرسمية، بلغ حجم الأدوية والمستلزمات الطبية من المساعدات 3646 طناً، وحجم الوقود 2188 متراً مكعباً، فيما بلغ حجم المساعدات الغذائية 19975 طناً، و13268 متراً مكعباً من المياه، و4449 طناً من المساعدات الأخرى، و201 خيمة.
 
ودخلت، أول من أمس الأحد، 100 شاحنة محملة بالمساعدات، إضافة إلى 3 شاحنات وقود تحمل 129 ألف ليتر من السولار، وشاحنة غاز طهو منزلي، ما اعتبره مكتب الإعلام الحكومي في قطاع غزة كميات مخيبة كونها لا تلبي حاجة الغزيين، واصفاً تلك الكميات بأنها "مجرد وسيلة لتجميل الصورة، وادعاء استمرار إدخال المساعدات".
 
يقول مدير مكتب الإعلام الحكومي إسماعيل الثوابتة: "قبل العدوان، ومع عمل المزارع والمصانع المحلية رغم الحصار الإسرائيلي، كانت حاجة سكان قطاع غزة اليومية تبلغ حمولة 500 شاحنة محملة بالأغذية والمستلزمات الطبية والحاجيات الإنسانية الأخرى. مع تعطل كل مقومات الحياة، وتدمير المزارع والمصانع المحلية، ونزوح آلاف العائلات، وبقاء الغالبية من دون مأوى، باتت الحاجة تصل إلى ألف شاحنة يومياً لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة".
 
يضيف الثوابتة لـ"العربي الجديد": "في ظل هذه الأوضاع الإنسانية الاستثنائية بالغة الخطورة، ومع تجاوز أعداد النازحين مليوناً ونصف مليون إنسان، وجميعهم خارج النطاق الآمن، المنزلي، يصبح الأمن الغذائي والمائي والدوائي مفقوداً، ويكون مصير الآلاف مجهولاً، فهؤلاء نزحوا بلا أموال، ولا أغطية، ولا يملكون احتياجاتهم اليومية من الطعام. وصلت مساعدات غريبة مثل القماش، وفحص كورونا، وهذه الأشياء ليست لها فائدة في الوقت الحالي. هذا الأسلوب غير المقبول يهدف إلى الضغط على الشعب الفلسطيني، وعلى الأطفال والنساء المحرومين من الماء والغذاء والدواء، ومن أبسط الحقوق. إنه حُكم بالإعدام على 2,4 مليون إنسان يعيشون في قطاع غزة".
 
ويشير مصدر من وكالة "أونروا" في قطاع غزة، إلى أن ما يجرى توزيعه من مساعدات هو ما يتاح للوكالة، التي تواجه مشاكل عديدة مع النازحين الذين يحاولون الضغط على القائمين على التوزيع، ما يسبب زحاماً وتأخيراً في عمليات التوزيع ببعض النقاط ومراكز الإيواء، كما أن أعداد النازحين الكبيرة في جنوب قطاع غزة تسهم في تفاقم الأزمة، وفقدان السيطرة على آلية التوزيع.
 
ويوضح المصدر لـ"العربي الجديد": "أكدت وكالة أونروا بشكل متكرر أن المساعدات قليلة مقارنة بالاحتياجات التي تتزامن مع استمرار حالة الحرب، ويجرى التوزيع على نطاق محدود بسبب ذلك، ووفق تسجيل أعداد الأسر لضمان سياسة توزيع عادلة. الأصل أنه تنبغي زيادة كمية المساعدات، ونأمل أن تُوفّر ممرات آمنة لإدخال وتوصيل المساعدات إلى جميع مناطق قطاع غزة، وهو ما يجري حالياً التباحث حوله مع الجانب الإسرائيلي".

المصدر: العربي الجديد

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر