"سجن يتعرّض كلّ من فيه للإبادة".. وضع مأساوي ومرعب في مجمّع الشفاء الطبي بغزة

[ في مجمّع الشفاء الطبي قبل أيام قليلة من محاصرته ثمّ اقتحامه (داود نمر/فرانس برس) ]

تمضي قوات الاحتلال الإسرائيلي في استباحة مجمّع الشفاء الطبي بمدينة غزة، فارضة حالة من الهلع بين المحاصَرين في داخله. فبعد إحكام الخناق على هذا المستشفى الذي يُعَد أكبر مستشفيات غزة واستهدافه أياماً عدّة، اقتحمته واحتلّت مرافقه قبل أوّل من أمس الأربعاء، في اليوم الأربعين من الحرب المتواصلة على قطاع غزة.
 
وكما جرت العادة منذ حصار مجمّع الشفاء الطبي كلياً ومنع الإعلام من الدخول إليه، أطلق مديره محمد أبو سلمية، اليوم الجمعة، استغاثة جديدة باسم كلّ المحاصرين في داخل المستشفى، الذي تحوّل بحسب ما قال إلى "سجن يتعرّض كلّ من فيه للإبادة".
 
وشدّد أبو سلميّة: "نحن نتعرّض لإبادة"، مشيراً في حديث إعلامي إلى أنّ "الصورة سوداوية. فلا شيء إلا جثث وموت، فيما قوات الاحتلال ما زالت تحاصر مجمّع الشفاء الطبي". أضاف: "نحن في حاجة إلى مقوّمات الحياة"، تلك المقوّمات المفقودة بعد نحو ستّة أسابيع من الحرب.
 
ومَن يحتاج إلى مقوّمات الحياة هم المرضى والجرحى والأطقم الطبية والعاملون الآخرون في مجمّع الشفاء الطبي، وكذلك النازحون الذين ظنّوا أنّهم وجدوا فيه مأوى يقيهم شرّ آلة الحرب الإسرائيلية. وأشار مدير مجمّع الشفاء الطبي، في هذا الإطار، إلى أنّ النازحين يملأون مسارات المستشفى ويتوزّعون في أكثر من مبنى.
 
وإذ أفاد أبو سلمية بأنّ القوات الإسرائيلية تتحرّك بحرية داخل مجمّع الشفاء الطبي منذ اقتحامه، أوّل من أمس، "الأمر الذي ينفي وجود أيّ عناصر مقاومة فيه"، طالب الاحتلال بعدم إلحاق الأذى بالمرضى أو بالنازحين وبالطواقم العاملة في هذا المستشفى. وأشار إلى قوات الاحتلال خرّبت أجهزة حيوية في المستشفى عند اقتحامه.
 
وبيّن أبو سلميّة أنّ "الاحتلال تجاهل طلبنا توفير وقود للمستشفى وإخراج المرضى والجرحى منه"، مشدّداً على أنّه "من العار أن يلقى المرضى والجرحى حتفهم إذ لم يتوفّر لهم مكان لتلقّي العلاج". ورأى أنّ موت المرضى أمام أعين العالم يمثّل "جريمة حرب".
 
وتابع مدير مجمّع الشفاء الطبي أنّ أوضاع المرضى تتفاقم لعدم القدرة على مدّهم بالعلاجات اللازمة، مشيراً إلى أنّ قوات الاحتلال "تمنعنا من دخول الصيدلية المركزية" في المستشفى.
 
حاجة إلى كهرباء وليس إلى حاضنات
 
ولفت أبو سلمية إلى أنّهم يواصلون دفن الجثث في "المقبرة التي حفرناها في حرم مجمّع الشفاء الطبي"، وأردف أنّ قطاع غزة كلّه يُباد. يُذكر أنّ شهود عيان أفادوا بأنّ قوات الاحتلال تعمد إلى سرقة جثث من المستشفى.
 
في سياق متصل، حذّر أبو سلمية من أنّ الخطر على حياة المواليد الخدج يتزايد يوماً بعد يوم في مجمّع الشفاء الطبي، بعد إخراجهم من الحاضنات وفصلهم عن الأوكسيجين، مشدّداً "نبذل كلّ ما في وسعنا لإبقائهم على قيد الحياة".
 
وتعليقاً على الحاضنات التي حملتها قوات الاحتلال معها عند دخولها المستشفى، قال أبو سلمية إنّ لا قيمة لها من دون كهرباء. وكانت جهات عدّة قد علّقت على هذا الأمر، في وقت سابق، مشيرة إلى أنّ ثمّة حاضنات متوفّرة في المستشفى إنمّا التيار الكهربائي هو الذي ينقصها.
 
من جهته، رأى المتحدّث باسم وزارة الصحة في غزة أشرف القدرة أنّه يتوجّب على الاحتلال توفير كلّ ما يحتاجه المحاصرون في مجمّع الشفاء الطبي، وذلك من خلال توفير "ممرّ آمن" يسمح بإدخال إمدادات طبية ومعيشية مختلفة بالإضافة إلى الوقود.
 
أضاف القدرة، في تصريح إعلامي، أنّ مجمّع الشفاء الطبي فقد 20 مريضاً كانوا في العناية المركّزة، وذلك بعد فصلهم عن أجهزة دعم الحياة، بسبب نفاد الوقود، وبالتالي انقطاع الكهرباء. وتابع أنّهم يفقدون الجرحى تباعاً، في حين أنّ 35 من المرضى الذين يحتاجون إلى غسل كلى لم يتلقّوا علاجهم منذ نحو أسبوع.
 
وأفادت وزارة الصحة في غزة، اليوم الجمعة، بأنّ 24 شخصاً قضوا في مجمّع الشفاء الطبي في يومَين، بعد اقتحامه من قبل القوات الإسرائيلية. وشرحت الوزارة أنّ هؤلاء توفّوا "لأنّ المعدات الطبية الحيوية توقّفت عن العمل بسبب انقطاع التيار الكهربائي". وقد نفد الوقود من معظم مستشفيات غزة، الأمر الذي يحول دون تشغيل مولداتها. يُذكر أنّ نحو 200 جريح في قسم العظام معرّضون للموت في أيّ لحظة.
 
الوضع مرعب وصعب جداً
 
بدوره، قال الطبيب الجرّاح أحمد المخللاتي، من مجمّع الشفاء الطبي، في اتصال مع وكالة رويترز، إنّ "الوضع مرعب جداً"، شارحاً أنّ "الدبابات والقوات الإسرائيلية تتحرّك هنا في داخل منطقة المستشفى، وفي كلّ أنحاء المستشفى". أضاف المخللاتي، الذي وُلد في إيرلندا وتدرّب في القاهرة ومارس الطب في لندن، أنّ "الوضع صعب جداً. إنّهم يطلقون النار طوال الوقت في كلّ مكان".
 
وفي ردّ على ادّعاء الجيش الإسرائيلي اكتشافه فتحة نفق تابع لحركة حماس ومركبة محمّلة بأسلحة في مجمّع الشفاء الطبي ونشر صور وتسجيلات فيديو تؤكد ذلك، قال المخللاتي: "لم يعثروا على أيّ شيء. لم يجدوا أيّ عنصر مقاومة. ولم يواجهوا أيّ إطلاق رصاص نحوهم من داخل منطقة المستشفى".
 
أمّا حركة حماس الفلسطينية، فأصدرت بياناً اليوم الجمعة أفادت فيه بأنّ "الاحتلال الإسرائيلي يرتكب جريمة إبادة جماعية في مجمّع الشفاء الطبي بضوء أخضر أميركي". أضافت أنّ هذا المستشفى تحوّل إلى ثكنة عسكرية تنتشر فيها دبابات الاحتلال وقناصته".
 
تجدر الإشارة إلى أنّ مجمّع الشفاء الطبي يتصدّر عناوين الأخبار على الصعيد العالمي، وذلك على خلفيّة ادّعاءات الاحتلال الإسرائيلي بأنّ حركة حماس تدير عملياتها من داخله، أو من تحته. وهو أمر لم تتمكّن قوات الاحتلال من تأكيده، على الرغم من أنّها اجتاحت المستشفى منذ ثلاثة أيام، وهي تمضي في عمليات التفتيش فيه.

(العربي الجديد)

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر