"تخبط وتبادل اتهامات".. إسرائيل تكشف عن أرشيف "حرب أكتوبر" مع مصر وسوريا بعد 50 عاماً

 
كشف الأرشيف الإسرائيلي، اليوم الخميس، عن آلاف الوثائق السرية والصور والمقاطع الصوتية التي تروي ما حدث في الحرب مع مصر وسورية في 6 أكتوبر/ تشرين الأول من عام 1973، التي باتت تُعرف باسم "حرب أكتوبر".
 
وفي عام 1973، كانت إسرائيل تحتل شبه جزيرة سيناء في مصر، كما كانت لا تزال تحتل القطاع الأكبر من مرتفعات الجولان السورية منذ 1967، وتسمي القاهرة ودمشق هذه الحرب بـ"حرب أكتوبر"، بينما تطلق عليها تل أبيب "حرب يوم الغفران".
 
وعلى موقعه الإلكتروني، قال الأرشيف الوطني الإسرائيلي: "لقد كانت أيام القتال ونتائجه صعبة إلى حد لا يطاق بالنسبة للدولة التي كانت قد احتفلت قبل بضعة أشهر فقط بيوم استقلالها الخامس والعشرين". وأضاف: "في الذكرى الخمسين لحرب يوم الغفران، أصبح أرشيف الدولة متاحا للجميع. مجموعة كبيرة من المواد الأرشيفية، معظمها معروض للاطلاع عليه لأول مرة".
 
وأوضح أنه نشر "آلاف الملفات المودعة في الأرشيف، والتي تحتوي على مئات الآلاف من الصفحات التي توثق لحظيا الأحداث في جميع المجالات: السياسية والعسكرية والدولية والعامة والمدنية".
 
وهذه الوثائق تتضمن "محاضر مداولات الحكومة، المشاورات السياسية العسكرية (مجلس الوزراء الحربي)، مداولات لجان الكنيست (البرلمان)، مراسلات وزارة الخارجية، الوثائق العسكرية والسياسية والمدنية والشهادات والتقارير والمناقشات وتقييمات الوضع في ما يتعلق بسير الحرب والدفاع المدني وإعداد الجبهة الداخلية خلالها"، بالإضافة إلى صور فوتوغرافية وتسجيلات صوتية وأفلام، وفقاً للأرشيف الوطني.
 
وأفاد بأن هذه "المجموعة تتيح لمحة رائعة عن عملية صنع القرار، في ظل ظروف عدم اليقين لدى القادة، والقتال على الجبهات، والجبهة الداخلية الإسرائيلية، والاتصالات السياسية التي جرت في نهاية الحرب وانتهائها مع مصر وسورية بوساطة أميركية، والمسار الذي أدّى إلى ترتيبات فصل القوات مع مصر وسورية وانتهت في نهاية مايو/أيار 1974".
 
وأظهرت الوثائق أن رئيسة الحكومة الإسرائيلية في حينه غولدا مائير تلقت معلومات قبل نحو أسبوع ونصف من الحرب حول وجود استعدادات مصرية سورية على الأرض، وأعقبت ذلك مشاورات أمنية واتصالات داخلية بين القادة السياسيين في إسرائيل.
 
وكشفت الوثائق أيضاً عن أن وزير الأمن الإسرائيلي في حينه موشيه ديان قدّم تقريراً في اليوم الثاني لبدء الحرب، أشار خلاله إلى أن "الوضع ليس جيداً" بالنسبة إلى إسرائيل، كما أوضح أن "هنالك مواقع محاصرة، وأن هناك العديد من الأسرى سيُقتلون، وسيسقط المزيد في الأسر، ولا نعرف ماذا سيكون مصير الأسرى".
 
واعترف ديان، بحسب الوثائق، أنه لم يتمكن من توقع "قوة العدو كما يجب، ولا ثقله القتالي"، كما اعترف أنه "بالغ في تقدير قوة الجيش الإسرائيلي على الصمود".
 
وسبق للأرشيف الإسرائيلي أن نشر في سنوات ماضية وثائق عن الحرب، ولكنه أوضح أن المجموعة الجديدة هي المتكاملة، وذكر أنه في تلك الحرب قُتل نحو 2656 جندياً إسرائيلياً، وجرى أسر المئات، وأُصيب أكثر من 7200 جندي ومدني.
 

صوت صافرة الإنذار قطع حديث مائير
 
وتروي الوثائق التي كُشف عنها أنه عند الساعة الثانية عشرة صباحاً من يوم 6 أكتوبر/ تشرين الأول، عقدت رئيسة الحكومة غولدا مائير جلسة للحكومة، أي قبل ساعات من بدء الحرب.
 
وخلال الجلسة، قال وزير الأمن موشيه ديان إنّ "هيئة الأركان كانت تريد منا أن نخوض حرباً استباقية، قبل أن يفتحوا هم النار". وأضاف: "هيئة الأركان لم تضغط من أجل ذلك، وافترضت أننا لن نفعل ذلك، في حال لم يطلقوا هم النار. وطالما لم يفتحوا النار، فحتى لو رأينا أنهم يجهّزون لنا كل ذلك، فلن نكون أول من يبدأ الحرب".
 
وبحسب الوثائق، طلب الوزراء من غولدا مائير إرجاء التصويت عدة ساعات بخصوص قرار بدء الحرب من عدمه. وفيما كانت مائير ترد على الوزراء قائلةً إنّه "لا يمكن تجنب اتخاذ قرار بهذا الشأن"، قطعت صافرة الإنذار كلامها، فتابعت حديثها مطالبةً بمعرفة الوضع، قائلةً إنها تريد معرفة إنَ "كانوا سيبدأون الحرب قبل الساعة 16:30"، وهو الوقت الذي طلب الوزراء إرجاء التصويت إليه. 
 
وخلال حديثها، دخل السكرتير العسكري الخاص بمائير غرفة الاجتماع قائلاً: "لقد بدأ الأمر بالفعل، فتح السوريون النار"، إلا أن الوثائق أظهرت أن مائير طلبت من الوزراء البقاء في القاعة.
 
وأظهرت تصريحات المسؤولين التي نقلتها الوثائق أنّ إسرائيل فوجئت ببدء الحرب، وأصدرت الحكومة تعليماتها لتجنيد قوات الاحتياط. وعُقدت الحكومة بعد يوم واحد من بدء الحرب جلسة أخرى عند الساعة 21:00 (بالتوقيت المحلي).
 
وخلال الجلسة، بدأت المناقشات الإسرائيلية حول حجم تلك المفاجأة، إذ انتقد بعض الوزراء الإسرائيليون ديان ومائير، قائلين إنّ "غياب المعلومات المبكّرة هو ما أدى إلى وقوع خسائر بشرية فادحة"، في حين ادّعى البعض أن "حقيقة تعرض إسرائيل للهجوم ستساعدها على تلقي المساعدة والحماية من الولايات المتحدة".
 
وتساءل الوزير الإسرائيلي حينها موشيه كول عما إذا كان "التشكيل السوري الكبير الذي هاجمنا في الهضبة (الجولان) منذ مدة طويلة، أم أنه انتظم في الأسبوعين الأخيرين فقط؟"، مضيفاً: "إذا كان قد انتظم في الأسبوعين الماضيين، ألم نر ما يحدث هناك، أنهم ذاهبون إلى الحرب؟".
 
ورداً على تلك الاتهامات، قال ديان إنّ "علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا. لم نتخذ قرار التجنيد بعد لحظة واحدة من توقعنا أنهم كانوا في طريقهم إلى الحرب بالفعل. لكن القول إننا تأخرنا في التجنيد، هذا غريب. لو كانت تقديرات مجلس الأمن القومي قبل ذلك بيومين، لكنّا سنقوم بالتجنيد حينها. لم نعتقد أنه ستكون هناك حرب".
 

تحوّل في المعركة

وفي 10 أكتوبر/ تشرين الأول من العام ذاته، أقيمت جلسة أخرى للحكومة الإسرائيلية في تل أبيب، بعد أن كانت "إسرائيل قد حوّلت قواتها من الدفاع إلى الهجوم".
 
وخلال الجلسة، استعرض قائد هيئة أركان الجيش الإسرائيلي دافيد أليعازر تطورات المعركة في هضبة  الجولان، قائلاً إنّه لا يستطيع أن يؤكد أنّ "الجيش السوري انهار، لا يزال في مواقعه ويواصل القتال. المدفعية تعمل. هنا وهناك توجد أماكن يقومون بتركها"، مضيفاً: "هذا أقرب إلى المغادرة منه إلى الهروب".
 
وقالت رئيسة الحكومة حينها: "يسألني الناس لماذا كنت حزينة جداً على شاشة التلفاز (...) لم أتخلص من الكوابيس بعد". وأضافت: "كان ينبغي أن يكون الأمر البسيط والأساسي في هضبة الجولان هو ألا نعود بأي حال من الأحوال إلى خط وقف إطلاق النار السابق، لأننا نعرف كيف كان سيكون الحال بالنسبة لبلداتنا (أي المستوطنات في الجولان) لو تعرضت للقصف". وتابعت: "أنا لا آسف على أننا لم نوجّه الضربة الأولى كخطوة وقائية. وفي الوقت ذاته هذا الأمر يؤرقني من الداخل".
 

الانتقال إلى الطرف الآخر من قناة السويس

وفي 14 أكتوبر/ تشرين الأول من ذات العام، أظهرت الوثائق أن جلسةً عُقدت في ديوان رئيسة الحكومة الإسرائيلية في تل أبيب، لمناقشة طريقة الانتقال إلى الجانب الآخر من قناة السويس، بعد أن بدأت إسرائيل تعمل على "توجيه ضربات موجعة للجانب المصري".
 
وقال ديان حينها: "اقترح على الحكومة الانتقال إلى الجانب الآخر من القناة، جميع الضباط (الإسرائيليون) هناك يُجمعون على هذا الرأي (...) وهم يقولون للحكومة إنهم إذا كانوا يعتقدون أن هذا هو ما يجب القيام به لكسب المعركة، فلا ينبغي لهم الشعور بأنهم مكبّلون".
 
واقترح رئيس هيئة الأركان "اجتياز القناة كخطوة عملية"، قائلاً إنّ هذا بالنسبة له "لا يرتبط بأي جوانب أخرى"، مضيفاً: "هذه هي الخطوة العملية الوحيدة التي أرى أن لدينا فيها فرصة للوصول إلى معركة حاسمة".
 
وقررت الحكومة الإسرائيلية بأغلبية 14 عضواً اجتياز قناة السويس، وفي 25 أكتوبر/ تشرين الأول، دخل وقف النار حيز التنفيذ، على الرغم من معارضة المستوى الأمني.
 
وفي محادثة أجرتها غولدا مائير مع وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر، بعد أشهر قليلة من الحرب، قال الوزير الأميركي إنّ "المصريين نجحوا في تحويل الصراع إلى صراع عالمي".
 

(العربي الجديد)

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر