أضحى فلسطين... فرحة العيد تتحدى الاحتلال والغلاء

[ أضحى فلسطين... فرحة العيد تتحدى الاحتلال (فرانس برس) ]

استقر رأي جهاد علي رضا، وهو صاحب محل لبيع السكاكر التقليدية في البلدة القديمة من مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية المحتلة، على شراء أضحيته من مزرعة للمواشي تقع على أطراف مدينة جنين، نظراً لسعر الأضحية الذي يعد الأرخص، وهو مستاء بشدة للارتفاع الكبير في أسعار الخراف والعجول مقارنة مع أسعار عيد الأضحى في العام الماضي.

يقول رضا لـ"العربي الجديد": "أنا معتاد منذ أكثر من 15 عاماً على الأضحية، وأبدأ بتوفير ثمنها مبكراً، وقد تعتقد أنني أبالغ إن قلت إني أجمعها في حصالة، تماماً كما يفعل الصغار، فأنا معيل لأسرة مكونة من سبعة أشخاص، من بينهم طالبان جامعيان، والحركة التجارية في نابلس ضعيفة منذ أكثر من عام بسبب الحصار الإسرائيلي، وإغلاق الحواجز العسكرية، ما يحول دون دخول المتسوقين والزوار من المحافظات الأخرى".

وارتفع سعر الخروف الذي يزن 60 كيلوغراماً من 2400 شيكل (الدولار= 3.61 شواكل) في العام الماضي إلى 2600 في هذا العام، أي بفارق 55 دولاراً تقريباً، في حين قفز سعر سُبع العجل (نحو 27 كيلوغراماً) من 1100 إلى 1250 شيكلاً.

دفع ذلك رضا إلى البحث عن عروض، حتى اهتدى إلى مزرعة للخراف والعجول تبيع بسعر أقل، وقد دفع ثمن ثلاثة خراف، واحد له، واثنين لجيرانه، وكذا خمس حصص من العجول لأقاربه، فهم يثقون باختياراته في كل عام، لذلك يتشدد في البحث عن أسعار تناسبهم حتى يبقوا مستمرين في هذه العبادة، وقد حصل بالفعل على فروق سعر جيدة. 

يؤكد تاجر المواشي في مناطق الأغوار الفلسطينية، سليمان أبو زاهر، أن الأسعار هذا العام قفزت بشكل غير مسبوق مقارنة مع العام السابق، فقد كان سعر الخروف يرتفع بمقدار 50 شيكلاً في كل عام، وليس 200 شيكل دفعة واحدة كما هو الحال هذا العام. ويرجع في حديثه لـ"العربي الجديد"، سبب قفزة الأسعار إلى عوامل كثيرة أهمها ارتفاع أسعار الأعلاف، ورفع نسب الضرائب التي تفرضها الحكومة الفلسطينية رغم عجزها عن وقف عمليات التهريب، والتلاعب بالسعر في السوق السوداء.

تقول مها نجيب، وهي ربة أسرة، لـ"العربي الجديد": "الغلاء كبير، وهو ملاحظ جداً في البضائع بشكل عام، والملابس بشكل خاص. ثمن قميص مع بنطال وحذاء بجودة متوسطة لطفل في السادسة من عمره يكلف ما لا يقل عن 180 شيكلاً، أي نحو خمسين دولارا، وعندي ثلاثة أطفال آخرين من بينهم فتاتان. أحاول إقناع ابني الكبير بارتداء الملابس التي اشتريتها له في عيد الفطر، فهي بحالة ممتازة، وبالتالي توفير دفع ثمن ملابس جديدة".

تعمل نجيب كسكرتيرة في مكتب هندسي، ودخلها متواضع، وهناك حاجات كثيرة للعيد يجب توفيرها، إضافة إلى الالتزامات الأخرى، مثل إيجار البيت السنوي الذي اقترب موعده.

أسعار كعك العيد الذي يعرف شعبيا بـ"المعمول" زادت هي الأخرى، ويتراوح سعر كيلو المعمول الجاهز ما بين 25 شيكلاً للنوع العادي، و45 للنوع الفاخر، بعد أن كان سعره قبل أعوام قليلة 30 شيكلاً فقط.

ويقول عماد الطنبور، وهو صاحب محل لبيع الحلويات في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه يخصص وقته في المحل خلال هذه الفترة لصناعة المعمول بالتمر أو الجوز واللوز بسبب ارتفاع تكلفة المكونات، مثل الطحين والسميد، وكذلك التمر، والمكسرات التي تستخدم للزينة، والغاز أيضاً، إذ تستهلك الأفران كميات ضخمة منه في عملية الطهي، ومع هذا فإنه مراعاة لظروف الزبائن قرر أن يبيع بسعر أقل من سعر السوق.

وترتبط حلقتا الإنتاج والإنفاق ببعضهما، فعندما لا يبيع تاجر بضاعته لن يستطيع أن يسدد ما عليه للموردين، وهؤلاء بالتبعية لن يدفعوا أجور العمال الذين لن يتمكنوا بدورهم من شراء الملابس والحلويات لعائلاتهم، ورغم انتشار محال بيع الملابس والحلويات في الضفة الغربية خلال السنوات الماضية، إلا أن الأسعار ارتفعت بشكل ملحوظ.

بعيداً عن الملابس والحلويات، فإن ما يميز هذا العيد هو فقدان الكثير من العائلات لأبنائهم، سواء الشهداء أو الأسرى، خاصة في محافظتي نابلس وجنين، نظراً للحالة النضالية التي تعيشها، و كذلك أصحاب المنازل التي فجرها الاحتلال الإسرائيلي، والذين ستمر عليهم هذه المناسبة وهم يعيشون في بيوت مستأجرة، أو عند أقاربهم.

هذا الحال تعيشه السيدة هدى فطوم، والدة الأسرى خالد وأسامة ومؤمن الطويل، والتي فقدت بيتها في نابلس، إذ فجرته قوات الاحتلال الإسرائيلي قبل أسبوعين، ضمن سياسة العقاب الجماعي لعوائل المقاومين، بعد أن اشترك نجلها أسامة في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، في عملية إطلاق نار أدت إلى مقتل أحد جنود الاحتلال غربي نابلس. تقول السيدة "أم خالد" لـ"العربي الجديد": "كله فداء فلسطين، ومن بنى هذا البيت سيبني غيره، والمهم أن المعنويات عالية والهمة مرتفعة، ولن نسمح للاحتلال أن ينغص علينا".

تعيش أم خالد مع زوجها وابنتها في بيت شقيق زوجها الذي قدمه لهم إلى حين إيجاد بيت بديل، وهي تستذكر بيتها وتفاصيل الحياة فيه، وكيف كانت العائلة تستقبل المعايدين، وتجتمع على مائدة واحدة. تقول: "هذا عيدنا الذي نفرح فيه بحجاج بيت الله الحرام، ونسأل الله لهم القبول، لكن في فلسطين له طعم آخر بسبب جرائم الاحتلال الذي قتل واعتقل ودمر، ومع هذا سنحيي سنة سيدنا محمد، وسنقيم ما استطعنا من الشعائر حتى نغيظ العدو الذي يعتقد أنه قادر على كسرنا، لكنه سيندحر بإذن الله".

وتبقى الحواجز العسكرية الإسرائيلية المنتشرة في الضفة الغربية مصدر قلق للفلسطينيين، وهي تحد من حركتهم بين المدن والقرى والبلدات، خاصة في فترة العيد لزيارتهم أقاربهم، أو قضاء مناسباتهم، وكذلك القلق مما قد يفعله المستوطنون من ممارسات على الطرق.

يعبر الحاج سمير السيد من مدينة طولكرم، عن أمله بأن تكون أوضاع الطرق في العيد سالكة حتى يستطيع زيارة أقاربه في مدينتي نابلس ورام الله. ويقول: "تعود أصولي إلى نابلس، وهناك تقطن شقيقاتي وعائلاتهن، وفي رام الله يسكن ابني وأسرته، وفي كل عيد أذهب لمعايدتهم. في عيد الفطر، كانت الطرق سيئة، وجنود الاحتلال تعمدوا احتجاز مئات المركبات على الحواجز، والخوف أن يتكرر الأمر في هذا العيد لأن الاحتلال يسعى بكل طاقته للتنغيص علينا، لكن كل ذلك ليس جديداً على الشعب الفلسطيني الذي يجد ألف طريق بديل حتى يصل إلى مبتغاه".

وتقلق أعمال العربدة التي ينفذها المستوطنون على الطرق، أو مهاجمتهم المركبات آلاف الفلسطينيين، فضلاً عن هجماتهم على القرى والبلدات القريبة من المستوطنات، والتي وصلت إلى ذروتها خلال الأسبوع الماضي.

العربي الجديد
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر