15 رجلاً ومنشار عظم للنقاش مع رجل ستيني.. صحفية مقربة من خاشقجي تكذب السعودية

بغضب عارم نشرت كارين عطية، محررة مقالات جمال خاشقجي في واشنطن بوست ردَّها على الرواية السعودية، بأن الإعلامي قُتل بسبب شجار داخل قنصلية بلاده.
 
 ردّ فعلها جاء بتغريدات نشرتها، انتقدت فيها رواية السعودية بأن ما حصل كان «حادثاً»، فالإعلامي «لم يمت خلال شجار، لقد قُتل على يد رجال سعوديين». تقول: «خاشقجي كان عمره 60 عاماً، ما نوع القتال المتكافئ الذي كان سيخوضه ضد 15 رجلاً؟ ومن الذي يجلب منشار العظم لنقاش؟ إن غباء التفسير السعودي مثير للحيرة!
 
ونشرت نيويورك تايمز حوارا أجرته مع كارين عطية حول خاشقجي
 
علاقة تجمعهما منذ عام.. كارين وخاشقجي

عامٌ مضى منذ أن وَظَّفتْ كارين عطية، مُحرِّرة قسم الآراء العالمية في صحيفة الواشنطن بوست الأميركية، جمال خاشقجي كي يكتب عن شؤون العالم العربي.
 
في الآونة الأخيرة يجتاح كارين عطية، 32 عاماً، شعورٌ بالأسى يمتزج فيه الغضب مع الرغبة الملحة في معرفة مصير جمال خاشقجي، الصحافي السعودي المعارض، والمقيم بولاية فيرجينيا الأميركية.
 
 كان خاشقجي قد شوهد آخر مرة قبل اختفائه يدخل القنصلية السعودية في إسطنبول، يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول الجاري. تتحدَّث كارين عطية إلى صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، يوم الخميس 18 أكتوبر/تشرين الأول، عن تجربة عملها مع الصحافي جمال خاشقجي، الذي أثار اختفاؤه ضجةً دوليةً، وكيف أن مسؤولية المحرِّرة تجاه الكاتب وعلاقتهما لا تنتهي بموت أحدهما.
 
كيف تقابلتِ أنت وجمال خاشقجي؟
 
بدأتُ عملي في صحيفة واشنطن بوست عام 2014، قبل هذا كنتُ أعمل مراسلةً صحافية في وكالة أستيوشد برس الأميركية في جزيرة كوراساو، أُغطي كافة الأخبار، بدايةً من الانتخابات والمُتنافسين فيها وصولاً إلى عصابات التهريب والسرقة.
 
وفي إحدى التغطيات الصحافية التي قمت بها في أحد الشواطئ تعرَّضتُ لإطلاق نار في وضح النهار.
 
بعد ذلك تيقنتُ أن العمل بشكلٍ مستقل أمرٌ عسير، وأنني بحاجةٍ إلى رعاية صحية. اقتصرت مهمتي في صحيفة الواشنطن بوست على توظيف كُتَّاب من جميع أنحاء العالم. قبل عام تقريباً ورد إلينا كمٌّ هائل من التقارير المُتعلِّقة بالإجراءات القمعية التي يمارسها محمد بن سلمان.
 
وكان جمال خاشقجي دوماً حاضراً في هذه التقارير كشخصٍ يُقتَبَس عنه، لما كان له من رؤى مُتعمِّقة حول ما يجري هناك، رغم ذلك لم يصادفني قط أن قرأت له مقالاً كاملاً. حصلتُ على رقم هاتفه الخاص وتواصلت معه عبر تطبيق واتساب، وجاء في رسالته الأولى لي:
 
«مرحباً كارين، شكراً لطلبك مني أن أكتب في صحيفة الواشنطن بوست صحيح أنني أتعرَّض لضغوطٍ عدة من عائلتي وأصدقائي كي ألتزم الصمت، لكن هذا ليس صائباً. عالمنا العربي في طريقه للانهيار، ولا أود أن يلحق بوطني مثل هذا المصير. أتمنى أن تكون لديك الرؤية ذاتها، وأعتذر منك عن ضعف لغتي الإنكليزية، إلا أنني متيقن أن بإمكانك إصلاح ذلك الأمر. أطيب التمنيات. جمال».
 
حين لاقى مقاله الأول رواجاً هائلاً على الموقع الإلكتروني للصحيفة، أدركنا وقتها أن لدينا قوةً لا يُستهان بها. آنذاك لم يدر بخلدي أنه سيعلن عن انشقاقه في هذا المقال؛ لأول مرة يتحدث باللغة الإنكليزية عن تجربة العيش في المنفى.
 
وعن الأسباب التي اضطرته إلى الرحيل عن وطنه عبر منبر بحجم صحيفة واشنطن بوست.

سألناه أن يسهم بمزيدٍ من المقالات، فأجاب: «تشرفني دعوتكم لي أن أكتب في صحيفتكم الموقرة، بعد أن مُنِعْت من الكتابة في صحيفة «الحياة» اللندنية، التي ظللت أكتب فيها مقالاً أسبوعياً على مدى سبع سنوات. يُسعدني أن أحظى بزمالتكم وصداقتكم، وأوافق على عرضكم كي تتاح لي فرصة التعبير عن رأيي، وهي الحرية التي ننشدها لكل كاتب عربي في موطنه.إنني متيقن أن ما سأكتبه في صحيفة الواشنطن بوست سيكون له صدى أكبر».
 
لكن صادقةً، لم أتصفَّح كل الرسائل الإلكترونية القديمة بيننا حتى الآن، لأنه شق عليَّ ذلك.
 
جمال خاشقجي في واشنطن بوست

في ديسمبر/كانون الأول الماضي تعاقدتِ مع جمال خاشقجي رسمياً ككاتبِ عمود في قسم الآراء العالمية، هل كان متحمساً بشأن ذلك؟
 
للغاية، كان يتعجّلني دوماً، متسائلاً: «متى يحين موعد النشر؟ متى يحين موعد النشر؟». كان فخوراً، فخوراً بحق، بانضمامه لهذا القسم.
لم تكن لغته الإنكليزية عظيمة، لذا لم يكن من السهل ترجمتها في كل الأوقات، لنقل إنه كان يفكر بلغته العربية، ويكتب ما يستطيع أن يكتبه باللغة الإنكليزية، وكنت أعاونه في ملء فراغات ما يعنيه في المقال. استغرق الأمر بعض الجهد. حالما استقرّ له الأمر، استعان بمترجمين لمساعدته في صياغة عدد من مقالاته.
 
تقابلتما أنتما الاثنان بشكلٍ شخصي خمس أو ست مرات، ما مدى قربكما؟ وهل شعرتِ من قبل بالقلق من أجله؟
 
في الأسابيع القليلة المنصرمة كان متحمساً بشدة حيال فكرة إنشاء قسم ناطق باللغة العربية في صحيفة الواشنطن بوست، كنموذج يُحاكي صحيفة International Herald Tribune للعالم العربي. كان يُلح علينا كثيراً -ليس بطريقةٍ سيئة، بل سيئة للغاية- متسائلاً: «متى نجتمع لبحث هذا الأمر؟».
 
 كان يرسل لنا الكثير من الرسائل عبر واتساب والبريد الإلكتروني. وفي تواصلنا مع بعضنا البعض كان يستخدم الكثير من صور «الإيموجي»، الكثير من إيموجي إصبع الإبهام لأعلى. بعدها كان يرسل لي رسالةً يقول فيها: «إنني حزين ومحبط حقاً. إنهم يفرضون حظرَ سفرٍ على أفراد عائلتي، يحاولون الوصول إليَّ، هذا الأمر يُحزنني».
 
 لم أعرف شيئاً بالضرورة عن خطيبته -هذا ليس دليلاً على شيء فأنا مثلاً لا أشارك زملائي كل أسراري- لكنني كنت أعرف أنه كان يسافر كثيراً إلى أوروبا. كنت أتساءل حول ما إذا كان ملائماً له أن يُسافر. كنت أتساءل ما إذا كان ذلك قد يُعقِّد أموره، لكن لم يخطر لي قط أن يتعرَّض لمخاطر جسدية.
 
 حفزت تغريداتك الصريحة عبر تويتر العديدَ من مناصري جمال خاشقجي، وأُعيدَ نشر منشوراتك آلاف المرات. كيف كانت هذه التجربة بالنسبة لكِ؟
 
«لا أتذكَّر آخر مرة اعتراني فيها غضبٌ وحزنٌ كهذا، لكن ها هو الأمر: تعرَّض جمال لتهديدات. عرفت الاستخبارات الأميركية أن هناك تهديداتٍ ضده. أُفيد أن السعوديين على استعدادٍ للاعتراف بقتله. لم يحاولوا حتى إثبات براءتهم». 
 
أغلب التعليقات التي وصلتني من شتى أرجاء العالم كانت داعمة، وأيضاً تحمل شعوراً بالحزن لما حدث. سمعت أن هناك العديد من الأشخاص المعارضين الذين يعيشون بالخارج يشعرون بالخوف على حياتهم. أعتقد أن الحديث عن المخاطر التي قد تواجه زملاءنا وأصدقاءنا أمرٌ في غاية الأهمية. أشعر أنني مسؤولة عن ذلك.
 
 شعورٌ غريب أن تكون جزءاً مِمَّا حدث، لكن في الوقت ذاته هي مهمة المُحرِّر أن يحمي الكُتَّاب. يا لها من فاجعة مُروِّعة. سوف تتفاقم إن مرَّت مرور الكرام وتحولت إلى مجرد قصة إخبارية عن صحافي اغتالته عناصر فاسدة. حتى وإن كان جمال خاشقجي لم يكن حاضراً طوال الوقت في مبنى الصحيفة، فهو واحدٌ مِنَّا.
 
هذا ليس هجوماً عليه وحده، بل علينا جميعاً، وأريد أن يدرك الجميع أن الصحافيين ما هم إلا بشر.
 
يوم الأربعاء 17 أكتوبر/تشرين الأول، كرَّسَت صحيفة الواشنطن بوست صفحتها الافتتاحية بأكملها لعمود جمال خاشقجي الأخير، الذي أرسله مساعده إليكِ في اليوم التالي للإبلاغ عن اختفائه. وفي المقدمة، كتبتِ: «أحجمت الواشنطن بوست عن نشر هذا المقال لأننا كنَّا نأمل أن يعود إلينا جمال خاشقجي كي نُحرِّر هذا المقال معاً. الآن صار لزاماً عليَّ أن أتقبَّل أن هذا لن يحدث». هل أرهقكِ الأسبوعان الأخيران؟
 
إنها أيامٌ مُرهِقة، لا أستطيع النوم جيداً، أتمنى في القريب العاجل في محاولةٍ للتعافي. عليَّ أن أكون أكثر حذراً بشأن أمني الشخصي.
 
أحتاج إلى أن أكون أكثر يقظةً إزاء الأشخاص الذين أتحدث إليهم كي أحمي نفسي إلكترونياً. الأمر الصعب حقاً هو أن تعرف هذه التفاصيل البشعة التي يُزعَم أن جمال خاشقجي تعرَّض لها، هذا كفيل بأن يعيد إليك شعورك بالصدمة والاشمئزاز مرة أخرى.
 
 في الوقت نفسه لديّ الكثير من النشاط، فقط أتمنى، بل أُصلي أن يعود هذا الأمر بنفع. لن يكون سهلاً عليَّ أن أتعاطى مع فكرة أننا غضضنا الطرف وأدرنا وجهنا وتقبلنا ما حدث باعتباره شأناً سياسياً، ولا يخرج عن كونه تسوية خلافات في الشرق الأوسط، لا أريد أن أبدو متشائمة.
 
أشعر وكأننا ندور في حلقةٍ بحثاً عن إجابات حول مصيره، كما لو أننا في فيلم سينمائي. لا أنفك أفكر: «رباه لو أن هذا حدث مع صحافي سعودي آخر، لكنت الآن ممسكة بهاتفي لأتصل بجمال عبر واتساب أسأله: مرحباً، هلا أرسلت لي مقالاً؟». من المُربِك لي ألا يُسمَع له صوتٌ هنا.
 
 
المصدر: عربي بوست

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر