العدالة الانتقالية في تونس: محاكمة غير مسبوقة في قضية تعذيب حتى الموت

بعد سبع سنوات على الثورة التي أطاحت بالرئيس السابق زين العابدين بن على، تجري في تونس أول محاكمة تقدمت بها "هيئة الحقيقة و الكرامة" لتسليط الضوء على عمليات التعذيب التي حصلت خلال عهد الدكتاتورية. وتناولت المحكمة قضية كمال المطماطي الذي عذب حتى الموت في 1991.

وباشر القضاء المتخصص في تونس الثلاثاء النظر في الجرائم المتعلقة بالعدالة الانتقالية، مسلطا الضوء على عمليات التعذيب التي حصلت خلال عهد الدكتاتورية، في خطوة نادرة حتى الآن.
 
وذكر الشهود الذين مثلوا أمام المحكمة تجاوزات نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي المتمثلة في تقييد المساجين عراة في وضع "الدجاجة المصلية" وجعلهم يجلسون عراة على قارورة وإبقائهم مكبلين بالنافذة لمدة 36 ساعة وتعريضهم للاغتصاب باستعمال الهراوة وضربهم حتى الموت.
 
واستمع خمس قضاة مختصون في مسار العدالة الانتقالية لمدة خمس ساعات إلى الشهود وأفراد عائلة كمال المطماطي، الإسلامي الذي عذب حتى الموت في تشرين الأول/أكتوبر1991.
 
وروى الطبيب علي عامر العضو في حزب النهضة الذي تم توقيفه وكان شاهدا على "ثلاث أو أربع ساعات" من تعذيب المطماطي، أن رجال الشرطة "طلبوا منا إدارة وجوهنا عرض الحائط، وشرع ثلاثة شرطيين رياض وأنور ومصطفى في ضربه بوحشية بعصي كبيرة".
 
وأضاف الطبيب "قلت لهم إن لديه كسورا على مستوى يده وعليهم التوقف عن تعذيبه، لكن رئيس الفريق سمير زعتور قال إنه يتظاهر وانهال عليه بنفسه ضربا بعصا حتى فقد الوعي".
 
وتابع الطبيب معتذرا عن الإجابة عن بعض الأسئلة بسبب قدم المسألة، ومشيرا إلى أنه تعرض للتعذيب بدوره في تلك الفترة، "عندما قلت للشرطيين إنه مات، أخرجوه مباشرة من الغرفة".
 
وحاولت المحكمة إلقاء الضوء على هذه الأحداث، وأعاد القاضي مساءلة الشهود لفهم التفاصيل، رغم انقضاء ثلاثة عقود تقريبا وإنكار الشرطيين الذين تم استدعاؤهم إلى الجلسة.
 
حتى الآن، لم يتم التطرق إلى هذه الجرائم إلا في وسائل إعلامية أو في جلسات علنية لهيئة الحقيقة والكرامة التي استحدثت في 2014 للنظر في انتهاكات لحقوق الإنسان وقعت في تونس بين 1955 و2013.
 
"عنف خفيف"
 
وأوضحت ممثلة المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب كاميل هنري أن في القضايا المتعلقة بالتعذيب وتجاوزات الشرطة أمام القضاء المتخصص في القانون العام "يوجد إجمالا الكثير من الإجراءات وقليل من النقاش المعمق"، مضيفة أن "توصيف الحيثيات يبقى سطحيا".
 
وتقول مسؤولة مكتب تونس لمنظمة "هيومن رايتس وواتش" آمنة القلالي إنه لم يتم تجريم التعذيب إلا في 1999 "ولم يكن محور اهتمام في أي قضية ولم يسع القضاة لتفكيك آلياته".
 
ويبقى من المهم اعتماد منهج قضائي في هذه الممارسات التي ما زالت موجودة رغم تطور الأداء الأمني.
 
وخلال جلسة المحاكمة الثلاثاء، كشفت شهادات رجال الشرطة عن وجود ثقافة عنف بتأكيدهم أنهم لم يشاهدوا سوى ضرب على الساق وصفعات، وهي أمور لا يزالون يعتبرونها مقبولة.
 
وقال رجل شرطة عمل في القسم الذي ضرب فيه كمال المطماطي حتى الموت، في شهادة أدلى بها من وراء ساتر، "لم يكن هناك عنف ممنهج، كان هناك عنف خفيف لمعرفة الحقيقة".
 
وتقول آمنة القلالي إنه "من النادر أن نحصل خلال جلسات على شهادات متأتية من داخل الجهاز الأمني"، متابعة "الإنكار وعدم الندم وابتذال العنف كلها ترسم ضمنا ملامح" نظام قمعي.
 
وتضيف "بالكشف عن هذه الآليات المتجذرة في ثقافة الشرطة يمكن أن نفهم أكثر وأن نعمل على اجتثاثها... بالرغم من أن الطريق لا يزال طويلا".
 
وتأمل المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب من خلال هذه القضية التي ستليها ثلاثون قضية أخرى على الأقل أمام القضاء، أن يُخلق "إطار أفضل داخل القضاء" من أجل مقاضاة ممارسات التعذيب وعمليات العنف التي تقوم بها الشرطة.
 
وتبقى معرفة ما إذا كانت العدالة الانتقالية ستنجح في القضاء على ظاهرة الإفلات من العقاب خصوصا أن أي متهم لم يحضر جلسة الثلاثاء. كما لم يحضر أي ممثل عن المتهمين.
 
وصدر حتى اليوم حكم واحد في حالة تعذيب استنادا للفصل 101 مكرر من المجلة الجزائية التونسية، وقضى بالسجن مع تعليق تنفيذ العقوبة.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر