القتال والحصار والجوع.. ثالوث يوشك بالفتك بمدنيي غربي الموصل

ما بين سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي وحصار القوات العراقية والمعارك الشرسة بينهما، لا يزال نحو 800 ألف مدني يقطنون النصف الغربي من مدينة الموصل، شمالي البلاد، يعيشون تحت وطأة كارثة إنسانية توشك بالفتك بهم مع نفاد مستلزمات الحياتية الأساسية، في ظل اتهامات للداخل والخارج بتجاهل هذه الصورة ما زاد الوضع سوءا.

 

فالجانب الغربي من الموصل، بدا خاليا من كافة مظاهر الحياة، حيث الشوارع بلا المارة، لا يُسمع بها غير صوت الهواء والحيوانات السائبة، فيما أغلقت المحال التجارية أبوابها بعد نفاد بضائعها، والتزم السكان منازلهم.

 

وقبل أسبوع بدأت القوات العراقية هجوما جديدا ضمن حملتها لاستعادة الموصل من أجل انتزاع الجانب الغربي من المدينة بعد أن تمكنت قبل شهر من تطهير الجانب الشرقي بالكامل إثر معارك عنيفة استمرت قرابة 100 يوم.

 

أبو أحمد أحد سكان منطقة "الدواسة"، التي تقع في الجانب الغربي للموصل، يروي للأناضول معاناته وغيره من ساكني المنطقة، قائلا إن "الوضع المعيشي للسكان متدهور، فلا وجود للمواد الغذائية في الأسواق، ونفاد المخزون منها مع مرور 5 أشهر على الحصار الخانق المفروض على الجانب الأيمن للموصل".

 

وأضاف أبو أحمد، الذي تحدثت معه الأناضول هاتفيا لفترة وجيزة بسبب رداءة شبكة الاتصال، أن "انقطاع الماء ونقص الدواء وتراكم النفايات في كل مكان واستمرار القصف الجوي على المواقع المدنية والمسلحة دون استثناء، فاقم من الأزمة الإنسانية وحولت الجانب الأيمن (الغربي) إلى مكان أشبه بالجحيم"، على حد تعبيره.

 

وبصوت يعصره الألم، أوضح أبو أحمد أن "الجوع بدأ يفتك بالعائلات التي تحاول التمسك بالحياة إلى أبعد مدى على أمل التحرير والخلاص من هذا الواقع المزري، والبدء بصفحة جديدة".

وكل يوم يمضي على المحاصرين يمثل لهم - بحسب أبو أحمد- إضافة جديدة لمعاناتهم واقترابهم أكثر من خطر الموت لا محال.

 

الحشائش..غذاءً!

 

"بكاء وعويل وصرخات استغاثة واستنجاد لإنقاذهم من الجوع والحرمان الذي يعيشونه منذ شهور"، هذا ما بدأت به الأرملة الموصلية أم عائشة حديثها للأناضول وهي تشكو من تدهور صحة أولادها الثلاثة بسبب سوء التغذية وعدم قدرتها على توفير وجبات الطعام لهم وما يحتاجون إليه من غذاء يساعدهم على النمو ويحفظ حياتهم.

 

أم عائشة، أشارت إلى أن ابنها محمد البالغ من العمر 7 أعوام وسعيد صاحب الـ5 أعوام، أصبحا غير قادرين على الحركة كما كانا في السابق وبدأ الخمول يدب في أنحاء جسديهما ويقيد حركتهما، بسبب الجوع الذي يشكوان منه طيلة أوقات اليوم، مبينة أنها لا تجد غير التمر والشعير لإطعام أطفالها وملأ بطونهم الخاوية.

 

السيدة الموصلية تعاود البكاء عندما تذكر أن ابنتها عائشة تتحمل الجوع في سبيل مساعدة أخويها وتوفير الغذاء لهما، وتقضي طيلة ساعات النهار القاسية وهي تصارع الجوع لتتغلب عليه فترة ويقضي عليها فترات أخرى، إلى أن "حول وجهها الجميل إلى مصفر وجسمها الحيوي إلى نحيل".

 

وتتوقف عن الكلام لعدة ثواني، تستجمع قواها لتجدد إطلاق صراخات الاستغاثة إلى الجهات المسؤولة عن حياتهم من الحكومة العراقية والمجتمع الدولي، مطالبة إياهم بضرورة التحرك لإنقاذهم من هذا الوضع المأساوي الذي يعيشونه في المدينة منذ سيطر تنظيم "داعش" عليها في 2014.

 

غسان وائل البكري، وهو اسم مستعار لأحد الناشطين المدنيين في الجانب الغربي للموصل، والذي فضل استخدامه خشية ملاحقة التنظيم له وتصفيته، قال للأناضول، إن "كارثة إنسانية تلوح في الأفق بعد نفاد الغذاء والدواء من الجانب الأيمن، حيث أصبحت العائلات تعتمد على أوراق الشجر وأغصانها والحشائش البرية لسد جوعها".

 

وأضاف أن "الكثير من الرجال والنساء الذين يضعون اللثام على وجوههم خشية معرفتهم، يجوبون المواقع التي تتواجد فيها النفايات ويبحثون فيها للحصول على بقايا الطعام وتنظيفه، ومن ثم تناوله لسد جوعهم وجوع أطفالهم".

البكري، بيّن أن "هناك أطفال لا يستطيعون تحمل الجوع وكبار سن يعانون من أمراض وبحاجة إلى غذاء خاص، ونساء ورجال أنهكهم التفكير والقلق وأخذ الجوع أيضا منهم نصيب ليس بالقليل"، مشيرا إلى أن "الوضع أصبح لا يطاق وأن الكثير من العائلات باتت تفضل الموت بغارة جوية أو قذيفة صاروخية".

 

 

 

سياسة الحصار

المراقب للشأن الموصلي، سلام النجار، اعتبر من جانبه، أن سياسة الحصار الخانق على جانب يقطنه نحو مليون نسمة بحجة محاربة "داعش" تعد "فكرة غبية وغير مجدية في الوقت الذي يعتمد التنظيم على التأجيج الطائفي لضم عناصر جدد إلى صفوفه وازدياد البغضاء في نفوس المدنيين على الحكومة في بغداد والولايات المتحدة والتحالف الدولي.

النجار أكد "تسجيل انتشار الكثير من الأمراض بين المدنيين في الجانب الأيمن مثل أمراض الصدر، والتهاب الأمعاء، والمعدة (القرحة)، والأمراض الجلدية المعدية"، لافتا إلى ان "سوء التغذية وانعدام الخدمات وتدهور الواقع الصحي شكل وحشا للفتك بالسكان وتعذيبهم".

من جانبه، قال عمر الهلالي رئيس "منظمة الرحمة" (خيرية تعنى بشؤون حقوق الإنسان والإغاثة) أن "ما يتعرض له سكان الجانب الأيمن في الموصل جريمة لا يمكن السكوت عنها وانتهاك صارخ للمواثيق الدولية التي تعنى بحياة الإنسان وتطالب بالحفاظ عليها وحمايتها".

وأعلن رفضه "وبكل قوة تعريض حياة الآلاف لخطر الموت بداعي محاربة مجاميع لا يتجاوز عددهم الآلف مسلح"، قائلا إن "عملية محاصرة المدنيين وتجويعهم وترهيبهم وإذلالهم مؤامرة تقودها قوى ظلامية - لم يسمها- هدفها تدمير الحرث والنسل والتسبب بمجاعة جديدة في الشرق الأوسط".

الهلالي، لفت إلى أنه "تم تسجيل حالات وفاة لأربعة أطفال لا تتجاوز أعمارهم عاما واحدا بسبب عدم توفر الحليب، واعتماد ذويهم على ماء الشعير في إطعامهم الأمر الذي تسبب بموتهم دون أي ذنب لهم وسط صمت مغزي من العالم على هذه الجريمة وغض النظر وتجاهلها".

ودعا الهلالي التحالف الدولي إلى التحرك العاجل والجاد لإيصال المساعدات الإنسانية ومواد الإغاثة إلى المدنيين العزل في أحياء الجانب الأيمن للموصل، ومراعاة أوضاعهم والعمل على تحييدهم عن الصراع المسلح ضد "داعش".

ولفت إلى أن "هناك الكثير من الطرق لإيصال المساعدات إلى المحاصرين وفي مقدمتها إسقاط السلال الغذائية بواسطة المظلات أو تشكيل فريقي دولي مختص للقيام بهذه المهمة بعد عقد اتفاقية مع المسلحين بعدم المساس بهم".

 

دير زور ثانية

"الجانب الأيمن للموصل أصبح يطلق عليه دير الزور 2 في إشارة إلى الواقع الصعب الذي يعيشه سكان هذا الجانب كما عاشه سكان المحافظة السورية من قبل عندما فتك الجوع بهم وأوقع خسائر بينهم بسبب حصار النظام السوري"، هذا ما قاله نورس الجاف، المحلل السياسي والمتبني لحملة "حماية الإنسان واجب".

ورأى الجاف أن "سياسة تجويع الإنسان سلاح خطير ذو حدين، فإما أن يتحقق حلم من يطبق هذه السياسة وينقلب الجائع على مصدر معاناته، أي ينقلب أبناء الموصل العزل على التنظيم، أو يتضامن الجائع مع الطرف الذي يسيطر عليه ويقف إلى جانبه".

الجاف، أوضح أن "هذه السياسة غير ناجحة على مر العصور فكلما ازداد الحصار، ومر الوقت ازداد حقد المدني البريء وأخذ شعور الانتقام لديه يزداد، مطالبا بالإسراع بفك هذا الحصار والسماح لقوافل المواد الغذائية والأدوية والمساعدات بدخول الساحل الأيمن والخروج منه لحماية المدنيين وضمان الحفاظ على حياتهم.

جاء ذلك في وقت، تقول فيها مصادر حكومية إن جميع المحاولات التي بذلت لإيصال المساعدات فشلت لأسباب عدها أبرزها تخوف الجهات المانحة للمساعدات سواء كانت حكومية أو مستقلة من استيلاء التنظيم على تلك المساعدات والاستفادة منها، أو استهدافهم من قبل مسلحيه.

والجانب الغربي من الموصل أصغر من جانبها الشرقي من حيث المساحة (40% من إجمالي مساحة الموصل)، لكن كثافته السكانية أكبر؛ حيث تقدر الأمم المتحدة عدد قاطنيه بنحو 800 ألف نسمة.

وانطلقت حملة تحرير الموصل في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2016، بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر