بعد رفع العقوبات.. هل تشارك الخرطوم في حرب واشنطن على الإرهاب؟

[ الرئيس السوداني عمر البشير ]

عندما قررت الولايات المتحدة الأمريكية، يوم الجمعة الماضي، الرفع الجزئي لعقوباتها الاقتصادية والتجارية المفروضة على السودان منذ عقدين، كان أحد أقوى مبرراتها هو اتفاقهما على "التعاون في محاربة الإرهاب".

 

وهو تبرير يطرح سؤالا بشأن احتمال قبول الخرطوم أن تلعب دور "الشرطي" في حرب واشنطن على الإرهاب بمنطقة الشرق الأوسط، أجاب عنه أكاديمي سوداني في الولايات المتحدة بأن السودان لن يمانع في سبيل إقناع واشنطن برفع بقية العقوبات، وشطبه من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

 

فقرار الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، الذي اتخذه قبل أيام من انتهاء ولايته (يغادر البيت الأبيت يوم الجمعة المقبل)، لم يشمل شطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، والتي تدرجه فيها واشنطن منذ 1993، وكانت الأساس لفرض العقوبات الاقتصادية منذ 1997، فضلا عدم شطب عقوبات مفروضة على السودان كدولة راعية للإرهاب، حسب التصنيف الأمريكي.

 

كما جرى تأجيل تنفيذ رفع العقوبات لمدة 180 يوما، وهو إجراء، بحسب البيت الأبيض، يهدف إلى "تشجيع حكومة السودان على الحفاظ على جهودها المبذولة بشأن حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب".

 

وطبقا لتصريحات مسؤولين كبار من البلدين، فإن رفع العقوبات الاقتصادية كليا، مع الإبقاء على عقوبات عسكرية أخرى، تم بناء على مفاوضات حول خارطة طريق من 5 مسارات في صدارتها "محاربة الإرهاب".

 

القائمة السوداء

اليوم، وبينما تستعد الخرطوم للتعاون مع عدوتها القديمة واشنطن في محاربة "الجماعات الإرهابية"، فإن واحدة من أولوياتها هو شطبها من "القائمة السوداء"، وفقا ما صرح به مدير المخابرات السوداني، محمد عطا، أول أمس السبت.

 

ففي مؤتمر صحفي مشترك مع وزراء الخارجية والدفاع والمالية، للكشف عن المفاوضات مع واشنطن خلال الشهور الست الماضية، قال عطا: "لدينا تعاون أصلا مع واشنطن في محاربة الإرهاب منذ ما قبل عام 2000، لكن في عام 2015 تذمرنا، وقلنا لهم إنه لا يمكن أن نتعاون وأنتم تضعونا في هذه القائمة".

 

وكان إدارج السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب ردا على استضافته لمؤسس تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، في 1991، قبل أن تبعده الخرطوم عام 1996، تحت وطأة ضغوط أمريكية.

 

ورغم خطوة الخرطوم التصالحية، إلا أن واشنطن فرضت عليها في 1997عقوبات مالية وتجارية أبقت اقتصادها هشا وعزلته عن السوق العالمي.

 

هذا العداء بلغ ذروته عندما قصف سلاح الجو الأمريكي في 1998 ما قالت الخرطوم إنه مصنع للأدوية في العاصمة، مملوك لرجل أعمال سوداني؛ بحجة تصنيعه أسلحة كيميائية.

 

اتفاق ما بعد سبتمبر

لكن طرأ تغير في العلاقة بين البلدين عقب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 على الولايات المتحدة، والتي تبناها تنظيم القاعدة، حيث أبرمت الخرطوم مع واشنطن اتفاق تعاون في محاربة الإرهاب.

 

الاتفاق، الذي لا تزال بنوده غير معلنة، لم يكشف عنه إلا بعد مرور سنوات، وبرره مدير المخابرات السوداني السابق، صلاح قوش، بحماية البلد من تلقي ضربة عسكرية على غرار الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001 والعراق 2003.

 

وفي يوليو/ تموز 2014 هددت الخرطوم بـ"مراجعة" الاتفاق، باعتباره "يتناقض" مع إدراجها في قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهو وصف استخدمه عطا مرة أخرى في مؤتمره الصحفي أول أمس.

 

"جيش الرب"

وسط هذه المعطيات، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، في حسابها الرسمي على موقع التدوينات القصيرة "تويتر"، أمس الأحد، أن "السودان أصبح أخيرا شريكا مهما في مواجهة جيش الرب للمقاومة (أوغندا) وتنظيم داعش والتهديدات الإقليمية الأخرى".

 

وكان وقف الدعم المفترض من الخرطوم لـ"جيش الرب"، وهو جماعة أوغندية متمردة تدمغها واشنطن بالإرهاب، واحدا من شروط الإدارة الأمريكية لرفع العقوبات، وفقا لما قاله وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، في المؤتمر الصحفي.

 

غندور، الذي ترأس الجانب السوداني في التفاوض مع واشنطن حول بنود خارطة الطريق، قال إن الطرف الأمريكي "اقتنع" بأن الخرطوم لا تدعم جيش الرب، الذي تتنقل قواته بين أوغندا والكونغو الديقراطية وجنوب السودان وإفريقيا الوسطى.

 

داعش في ليبيا

ورغم الأهمية التي توليها واشنطن لمحاربة "جيش الرب"، حيث تنتشر منذ سنوات قوات أمريكية في المنطقة لتتبع زعيمه جوزيف كوني، إلا إنها تعول بشكل أكبر على السودان لتحجيم تمدد "داعش" في جارته الشمالية الغربية ليبيا.

 

وعادة ما تشير وسائل إعلام غربية إلى السودان كنقطة عبور لمقاتلي داعش إلى ليبيا، مقابل نفي الخرطوم، التي عززت، خلال الشهور الماضية، قواتها على الحدود الصحراوية الواسعة للحد من "الهجرة غير الشرعية".

 

ودون تقديم تفاصيل، كشف مدير المخابرات السوداني، خلال المؤتمر الصحفي، عن زيارة ميدانية مشتركة بين عناصر من جهازه ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) إلى المنطقة الحدودية.

 

عطا لم يدل أيضا بتفاصيل حول كيفية تعاون الخرطوم مع واشنطن في محاربة الإرهاب، مكتفيا بالتشديد على أن حكومته تفعل ذلك "لأغرض وطنية وقادرة على تحمل أعبائه".

 

نوعية التعاون السوداني.

معلقا على تلك التطورات، اعتبر عبد الله علي إبراهيم، أستاذ تاريخ إفريقيا في جامعة ميسوري بالولايات المتحدة، أن الخرطوم "لن تمانع في أن تلعب دور الشرطي لمحاربة الإرهاب في المنطقة؛ لأنها بحاجة لتحسين علاقتها مع واشنطن".

 

إبراهيم، وفي حديث للأناضول، تابع بقوله إن حكومة الرئيس عمر البشير بإمكانها أن "تساعد الولايات المتحدة في حربها على الإرهاب في عدد من بلدان المنطقة، مثل ليبيا ومالي والصومال".

 

ولم يستبعد الأكاديمي السوداني، المهتم بالعلاقات بين الخرطوم وواشنطن، أن "يتعدى التعاون مرحلة تبادل المعلومات القائم أصلا منذ سنوات إلى وجود أمريكي على الأرض".

 

كما لم يستبعد أن يفضي العمل المشترك إلى "تسريع شطب السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب"، لكنه حذر من "ردود انتقامية" محتملة من قبل داعش، الذي يقاتل إلى جانبه في ليبيا وسوريا،79 سودانيا، وفقا لإحصائيات رسمية.

 

وردا على سؤال مماثل، قال مدير المخابرات السوداني، خلال المؤتمر الصحفي: "سنظل نكافح الإرهاب وجاهزين لأي نتائج"، قبل أن يشير عطا إلى استراتيجية حكومته التي "لا تعتمد فقط على الإجراءات الأمنية، بل على حوار ومعالجات فكرية واجتماعية لاجتثاث التطرف من جذوره".

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر