ما أهمية مضيق باب المندب لصادرات الغاز الطبيعي من دول الخليج؟

يكتسب مضيق باب المندب أهمية خاصة بالنسبة لصادرات الغاز الطبيعي المسال من دول الخليج، لا سيما في ضوء مشروع توسعة حقل الشمال القطري والاتفاقات الجديدة التي أبرمتها سلطنة عمان.
 
وتسلط المشاريع التوسعية الخليجية في مجال الغاز الضوء على ما إذا كانت الممرات البرية التي أعلنت عنها دولة الاحتلال الإسرائيلي يمكن أن تمثل بديلا اقتصاديا لعبور السفن عبر المضيق، الذي يتعرض لمخاطر جيوسياسية متصاعدة.
 
حقل الشمال القطري
 
فتوسعة حقل الشمال القطري تتزامن مع إبرام شركة "قطر للطاقة" اتفاقيات جديدة مع العديد من الشركات الأوروبية، فضلا عن اتفاقيات سلطنة عمان مع شركات أخرى لتصدير الغاز إلى أوروبا، ما يعني أن أهمية مضيق باب المندب في اتجاه متصاعد، حسب ما أورد الخبير في "منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول" (أوابك) وائل عبد المعطي في تقدير موقف نشره على منصة إكس في 23 يناير/كانون الثاني.
 
ويضاعف من أهمية المضيق للنقل البحري ما يمثله من دور مستقبلي في تجارة الأمونيا من منطقه الخليج إلى أوروبا، وبالتالي، فإن مستقبل تجارة الهيدروجين من المنطقة وأهدافها وتطلعاتها مرتبطة بشكل وثيق باستقرار حركة الملاحة في البحر الأحمر، بحسب عبد المعطي.
 
وبينما يتوقع خبير "أوابك" إرسال قوات دولية ثابتة لحماية حركة الملاحة عبر المضيق مستقبلًا، لا تبدو أي علامات في الأفق بشأن توقف الحوثيين عن استهداف السفن الأميركية والبريطانية، أو تلك المتجهة إلى إسرائيل، ما يضع علامات استفهام عديدة حول مستقبل النقل التجاري ككل، وما إذا كانت البدائل "البرية" التي أعلنتها إسرائيل واقعية واقتصادية.
 
وعلى رأس هذه البدائل الممر البري، الذي يمر في الإمارات والسعودية والأردن إلى إسرائيل، والذي بات ذا أهمية كبيرة لدولة الاحتلال، خاصة في ما يتعلق بعملية استيراد وتصدير البضائع ذات الصلاحية القصيرة مثل المنتجات الغذائية الطازجة، وكذلك المواد الخام والمنتجات التي تتطلب تسليماً سريعاً للعملاء، وتجرى عمليات تسيير الشاحنات فيه من ميناء دبي إلى ميناء تل أبيب في حيفا عن طريق شركتي شحن، هما: "تراكنت" الإسرائيلية و"بيورترانز" الإماراتية، حسب ما أورد تقرير نشره موقع "والاه" منتصف ديسمبر/كانون الأول 2023.
 
زيادة الطلب على الغاز الطبيعي
 
وفي السياق، يشير الخبير الاقتصادي نهاد إسماعيل، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أهمية مضيق باب المندب كمدخل للبحر الأحمر، الممر المائي الحيوي الذي يربط، عبر قناة السويس، المحيط الهندي وآسيا بالبحر الأبيض المتوسط وأوروبا، مؤكدا ارتفاع أهميته على وقع توسعة مشروع حقل الشمال للغاز الطبيعي بنسبة 60%، ليصل الإنتاج إلى 126 مليون طن سنويا بحلول عام 2027.
 
ويوضح إسماعيل أن تلبية زيادة الطلب الأوروبي على الغاز تزيد من أهمية باب المندب لنقل الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا، خاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وتوقف الامدادات الروسية لأوروبا وزيادة اعتماد دول القارة العجوز على الولايات المتحدة وقطر لسد حاجتها.
 
وقطر هي ثاني أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال بعد الولايات المتحدة، ووقعت اتفاقات مع شركتي: "شل" الهولندية و"توتال إنيرجيز" الفرنسية لتزويد أوروبا بالغاز الطبيعي المسال حسب عقود طويلة الأمد، ولذا فمن المهم جدا أن يبقى مضيق باب المندب مفتوحا وآمنا لشحن الغاز القطري إلى أوروبا، بحسب إسماعيل.
 
ويرفع الطريق البديل لباب المندب حول أفريقيا ورأس الرجاء الصالح تكلفة الشحن ويضيف أسبوعين للرحلة من آسيا إلى أوروبا، ولذا يرى إسماعيل أنه لا يمكن تقليل أهمية مضيق باب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس لتصدير الغاز القطري.
 
وفي السياق، يشير إسماعيل إلى أن 10% من احتياطات الغاز الطبيعي حول العالم موجودة في حقل الشمال القطري، لكن مضيق هرمز هو الأهم بالنسبة لقطر جغرافيا، إذ هو الممر المائي لأكبر أسواق الاستهلاك: الصين واليابان وكوريا الجنوبية.
 
ويلفت إسماعيل إلى أن مضيق باب المندب مهم لسلطنة عمان أيضا، التي وقعت في الأسابيع الأخيرة من العام الماضي عدة اتفاقات مع شركات عالمية لتوريد الغاز الطبيعي المسال، لتعزيز مداخيل السلطنة في السنوات المقبلة عبر رفع قدرتها على التصدير لتصل إلى 10.4 ملايين طن متري من الغاز الطبيعي المسال سنويا اعتبارا من عام 2025.
 
وكي تتمكن عمان وقطر من تصدير الغاز الطبيعي المسال إلى أسواق أوروبا، تحتاج الناقلات للعبور من خلال مضيق باب المندب والبحر الأحمر وقناة السويس وتجنب الرحلة حول أفريقيا ورأس الرجاء الصالح، بحسب إسماعيل.
 
البديل البري لمضيق باب المندب
 
وعن البديل البري الذي أعلنت عنه إسرائيل لمسار باب المندب، يرى إسماعيل أن الممر الذي سيربط موانئ خليجية، كدبي والبحرين، بميناء حيفا على ساحل البحر الأبيض المتوسط مرورا بالسعودية والأردن، يهدف إلى تقليل أهمية باب المندب وقناة السويس، وتحويل ميناء حيفا إلى بوابة الشرق الأوسط لأوروبا، لكن من منظور اقتصادي وعملي، فإن ممرا يمزج بين مسار بري وآخر بحري لا يمكن أن ينافس قناة السويس في نقل "الحمولات الضخمة".
 
فناقلة البحر التي تحمل 5 آلاف حاوية تحتاج إلى 5 آلاف شاحنة لنقل حمولتها برا، وهذا في حالة الحمولة الجافة، والأمر يزداد كلفة وصعوبة في حالة نقل الغاز والنفط، بحسب إسماعيل، إذ تشحن الناقلات البحرية العملاقة ما يصل إلى مليوني برميل من النفط وآلاف الأطنان من الغاز الطبيعي المسال.
 
ولذا يؤكد إسماعيل أن الممر البري لا يصلح لشحن الطاقة إلا بكميات ضئيلة جدا وغير مجدية عمليا أو اقتصاديا للتوريد على نطاق عالمي وربط الخليج بأوروبا أو آسيا، وعليه فإنه لا يشكل منافسا للممرات البحرية، وفي القلب منها مضيق باب المندب.
 
السعودية والإمارات
 
وفي السياق، يشير الخبير الاقتصادي عامر الشوبكي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن قطر وعمان بحاجة إلى طريق أقصر من رأس الرجاء الصالح لتوصيل شحناتها بسرعة وبوقت أقصر وبعدد سفن أقل إلى القارة الأوروبية، وهو ما لا يمكن من دون المرور على مضيق باب المندب ومساره إلى أوروبا عبر قناة السويس.
 
وفي مواجهة المخاطر المحدقة بالنقل التجاري عبر المضيق، يشير الشوبكي إلى استثمار قطر قرابة 70 مليار ريال قطري لبناء أكثر من 100 سفينة، لتزود أسطولها المكون 74 سفينة نقل غاز بهدف تعزيز إمكانياتها في نقل الغاز حتى نهاية العام 2029.
 
ويرى الشوبكي أن الممرات البرية، التي أعلنت عنها الولايات المتحدة بداية، ومن ثم إسرائيل، ستمثل بديلا اقتصاديا للتجارة البينية ما بين الهند وأوروبا، وهذا هو أساس فكرتها، وبالتالي فإن خطوط النفط والغاز ستنتقل عبر هذه الممرات من دون أن يكون لها علاقة بالغاز المسال المورد من قطر أو سلطنة عمان.
 
فمسار الممرات البرية مربوط فقط من الإمارات والسعودية إلى الموانئ البحر الأبيض المتوسط ومن ثم أوروبا، وبالتالي فهي تخدم صادرات الإمارات والسعودية من الغاز والنفط مستقبلا أكثر من دول الخليج الأخرى، بحسب الشوبكي.
 
كما تخدم تلك الممرات البضائع الهندية للوصول بسرعة إلى القارة الأوروبية، ما يخدم دول أوروبا بوصول هذه البضائع بتكلفة نقل ووقت أقل.
 
 المصدر: العربي الجديد

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر