الأموال اليمنية المنهوبة: انتشار الفساد وسط تصاعد الضغوط الدولية

تبرز قضية الأموال المنهوبة بقوة في اليمن خلال الفترة الراهنة التي تواجه فيها البلاد ضغوطاً محلية ودولية شديدة للتعامل الجاد مع مشكلة الاختلالات المالية والمؤسسية في مكافحة الفساد وغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهذا مطلب ملح وضعه المجتمع الدولي والصناديق المالية والجهات المانحة أولوية في سياستهم وبرامجهم الموجهة إلى اليمن.
 
ويواجه اليمن مجموعة من المخاطر المحدقة التي يحدثها الفساد وعدم تطبيق حكم القانون حيال العابثين بالثروة الوطنية وتبديدها، واسترداد الأموال المنهوبة، وتعزيز الموارد العامة التي تمثل أكبر التحديات، في ظل الحرب والصراع الدائر في البلاد منذ نحو ثمانية أعوام.
 
 
ويؤكد المستشار القانوني في الهيئة اليمنية لمكافحة الفساد محمود محمد، لـ"العربي الجديد"، أن اليمن أمام مهمة شاقة لإعادة بناء الأجهزة والدوائر الخاصة التي تعمل على إيجاد منظومة عمل متماسكة للتصدي لهذا الوباء المستشري في البلاد، وتعزيز قيم النزاهة والشفافية في مختلف المؤسسات العامة والخاصة، وتفعيل قنوات العمل المشترك مع القطاع المالي والمصرفي كخطوة ضرورية في متطلبات استعادة الثقة مع المجتمع المالي والمصرفي الدولي.
 
ويشير إلى أن تعطيل أجهزة الدولة في اليمن أتاح منافذ عديدة للفساد وتهريب الأموال والكسب غير المشروع والتي يصعب حصرها في ظل الوضع الراهن الذي تعيشه اليمن.
 
جرائم مالية

ويسود إجماع محلي ودولي في تعرض اليمن لجرائم جسيمة في عمليات غسل الأموال ونهب الثروات وفرض الجبايات والإتاوات وتدمير كل مقومات الحياة، وما ترتب على ذلك من زيادة المعاناة، وغلاء المعيشة، وفي تفجير أكبر أزمة إنسانية على مستوى المنطقة.
 
وحسب مصدر مصرفي يمني مسؤول، فضل عدم ذكر اسمه، في تصريح لـ"العربي الجديد"، فإن المؤسسات المالية والنقدية الحكومية في اليمن تعمل على استيعاب شروط الصناديق التمويلية، والاحتياطي الفيدرالي الأميركي، ومتطلبات البنوك الإقليمية، والمنظمات الدولية والإقليمية المسؤولة عن الالتزام ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب تجاه البنوك المحلية في تعاملاتها الخارجية، وكذا فرض إجراءات ضرورية كالاشتراك في خدمة نظام السويفت الجديدة كمطلب إقليمي مهم لتسهيل تعاملات البنوك اليمنية مع البنوك الخارجية.
 
فيما أكدت الحكومة اليمنية، بعد اجتماعها الاثنين الماضي، أنها ستتخذ "مواقف جدية وشفافة ومسؤولة في التصدي لكل حالات الفساد، إذ يجب أن تكون الأطر المؤسسية المعنية بالمحاسبة ومكافحة الفساد هي وحدها دون غيرها، الحكم والفيصل في هذه الحالات، حتى لا يظن أحد أنه بمنأى عن المساءلة والمحاسبة، أو أنه فوق القانون، فالجميع أمام القانون سواء، ولا حصانة لمسؤول، ولا حماية لأحد من يد العدالة".
 
ويلفت الباحث الاقتصادي جمال راوح، في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أن الفساد ونهب الثروات وتهريب الأموال من أهم أسباب الأزمة الاقتصادية في اليمن، فقد فتحت الحرب أبوابا واسعة مشرعة للكسب غير المشروع وتهريب الأموال واستثمارها خارج اليمن، واستغلال الوظيفة العامة لممارسة مختلف أصناف الفساد والهدر المالي، الأمر الذي سيصعب من أي جهود قادمة لاسترداد أي أموال وثروات منهوبة.
 
وينوه راوح بأن الأرقام المتداولة قد لا تمثل الحجم الحقيقي لهذه الأموال والتي يرى أنها تفوق الـ 40 مليار دولار، إذ لا تقل نسبة ما جرى غسله وتسييله منها بطرق عديدة غير مشروعة على 60 في المائة.
 
تفعيل الرقابة

وفي ظهور نادر لها أكدت الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد "حكومية" في اجتماع عقدته في عدن مطلع الأسبوع، أهمية تعزيز وتفعيل الأدوار التي تضطلع بها الأجهزة الرقابية والقضائية والحفاظ على استقلاليتها، واستمرار عمل مؤسسات الدولة، خاصة في ظل الظروف الاستثنائية التي تمر بها اليمن وتداعيات الحرب على الأصعدة كافة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وصولاً إلى استكمال عملية استعادة الدولة.
 
ودعت الهيئة جميع الشركاء ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص وأجهزة ومؤسسات الدولة كافة والحكومة ووزاراتها إلى العمل بروح الشراكة الحقيقية، وخلق اصطفاف فعال لمكافحة الفساد والوقاية منه، والعمل معاً على تعزيز قيم النزاهة، واحترام أخلاقيات الوظيفة العامة والالتزام بها.
 
وأشارت إلى أهمية تعزيز الشراكة بين مختلف أطراف المنظومة الوطنية للنزاهة، وتضافر جهودها، والتعاون بين أجهزة إنفاذ القانون والقطاع الخاص ومكونات المجتمع المدني لتحقيق الأهداف المشتركة، وحماية الموارد والممتلكات العامة.
 
وطرق اليمن بالتزامن مع كل هذه التحركات باب صندوق الأمم المتحدة لتنمية رؤوس الأموال؛ بهدف تعزيز الشراكة الخاصة بالمشاريع الإنتاجية بما يؤدي إلى دعم وتشجيع الحكومة اليمنية للعمل على برامج اقتصادية وتنموية تساهم في تعزيز قدرات الصمود، والتخفيف من المعاناة الإنسانية والاقتصادية للانتقال إلى مرحلة التعافي المبكر.
 
ويرى قانونيون وخبراء اقتصاد أن هناك العديد من الصعوبات والتحديات التي يواجهها اليمن وتعرقل استفادة البلاد من خدمات مثل هذه المؤسسات والصناديق الأممية والدولية تتمثل في الفساد، وتوسع عمليات غسل الأموال، ونهب الثروات والموارد العامة، واختلالات منظومة الشفافية والنزاهة، وعدم تطبيق قانون السلطة المحلية للحد من المركزية الشديدة.
 
القوائم السوداء

ويتطرق الباحث الاقتصادي وحيد الفودعي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى ضرورة التنفيذ الفعلي لقرار مجلس الدفاع الوطني الأخير في اليمن، وإدراج أفراد وكيانات في قوائم الإرهاب، وحظر التعامل معهم، وتجميد حساباتهم، وأن يكون هناك قرارات أخرى صادرة عن النيابة العامة بقوائم سوداء جديدة تتضمن حصرا شاملا لجميع الكيانات والأفراد المحسوبة على الحوثيين والداعمين والمتعاونين معهم.
 
ويؤكد الفودعي أن على البنك المركزي مخاطبة وحدات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في دول العالم كافة، وتعميم القوائم السوداء دولياً في إطار التنسيق والتعاون المشترك من أجل مكافحة الإرهاب. وينعكس وضع اليمن المتردي في المؤشرات والتقارير الدولية التي ترصد تراجعه المستمر في مؤشر بيئة أداء الأعمال خلال السنوات الثماني الماضية من عمر الحرب والصراع الدائر في البلاد، حيث تراجعت اليمن إلى المرتبة الـ 187 عام 2021.
 
كما يرصد آخر تقرير شمل اليمن صادر عن منظمة الشفافية الدولية حول مؤشر مدركات الفساد 2020، تراجع اليمن إلى المركز 177 من 180 دولة، فضعف وهشاشة مؤسسات الدولة، وضعف الحريات العامة، والحكم الرشيد في الفترة الأخيرة، نتيجة الحرب والصراع ساهم أيضاً في تفاقم الفساد إلى مستويات تفوق قدرات مواجهتها.
 
العربي الجديد
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر