الخسائر الاقتصادية تتعدى 90 مليار دولار.. المتصارعون يستنزفون جيوب المواطنين في اليمن

أثخنت الصراعات العسكرية والسياسية المتواصلة جراح اليمن الذي يعاني من فقر وبطالة وآفات اقتصادية مزمنة وتحديات جسيمة مع تضخم فاتورة الخسائر الناتجة عن الحرب التي وضعت غالبية سكان البلاد على حافة الجوع الشديد بعدما سلبت منهم مصادر دخلهم وسبل عيشهم وأفقدت الكثير القدرة على الصمود. 


وترسم تقارير اقتصادية عديدة محلية ودولية صورة قاتمة لمستقبل اليمن بعد ما عبثت به الحرب الطاحنة التي عصفت به منذ ثماني سنوات وتسببت في تعطيل وتدمير حياة اليمنيين، وأسرهم، والبنية التحتية، ونقص حاد في الغذاء، ووسائل الحياة الأخرى، وفي أكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم. 
 

وعادت أجواء الحرب مرة أخرى، بعد انتهاء المدة الزمنية للهدنة بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثيين في الساعة السابعة من مساء أول من أمس بالتوقيت المحلي، دون التوصل إلى اتفاق لتمديدها، في ظل رفض الحوثيين مقترح المبعوث الأممي هانس غروندبرغ لتمديد الهدنة. 
 

ولا تكاد تهدأ الصراعات العسكرية في اليمن، وكان منها سقوط قتلى وجرحى، في اشتباكات بين قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، وعناصر مسلحة في محافظة أبين، جنوبي البلاد. 
 

وتجسد الصورة القاتمة للاقتصاد الذي يعاني من الصراعات في الأرقام والبيانات التي تحملها تقارير رسمية ودولية تكشف عن تكلفة باهظة للصراعات المدمرة التي شهدتها اليمن منذ العام 2011، على وجه التحديد وتسببها في خسائر جسيمة تتعدى 90 مليار دولار ودفعت البلد للاعتماد بشكل كلي طوال السنوات السبع الماضية على وجه الخصوص على المساعدات الإغاثية التي لم تغط أكثر من 10% من حجم الاحتياج الفعلي مع تضخم فاتورة الخسائر. 
 

الخبير الاقتصادي ياسين القاضي يشرح لـ"العربي الجديد" أنّ الاقتصاد كان طوال الفترات الماضية السلاح الرئيسي للمتحاربين والمتصارعين في اليمن، وأداة الانتقام المستخدمة لاستهداف الخصوم وهو ما أدى إلى تفاقم معاناة الشعب اليمني الذي تعرض لضربات متتالية تصاعدت وتيرتها منذ تحول النظام السابق بعد ثورة 11 فبراير/شباط 2011، إلى استخدام ما أمكنه من الوسائل والأدوات لإفشال المرحلة الانتقالية والتي انتهت بنشوب حرب طاحنة ستظل البلاد لفترة طويلة تتلمس طرق التعافي من تبعاتها الكارثية. 
 

ويجزم القاضي أن اليمن دخلت الآن مرحلة حصاد هذه السنوات المريرة من الصراعات بنفس الأدوات المتمثلة بالنظام السابق والتي جاء دورها لتكريس واقع اقتصادي وسياسي وجغرافي تم رسمه منذ البداية بعد تدمير مؤسسات الدولة وزرع مكونات عديدة من مخلفات وأمراء الحرب يخوضون حالياً صراع توطيد النفوذ وتقاسم الغنائم. 
 

وترجح تقارير اقتصادية حكومية، أن الاقتصاد اليمني تكبد خسائر تفوق 90 مليار دولار نتيجة إصابته بشلل شبه تام وفقدانه ما يقارب ثلثي ناتجه المحلي المحتمل نتيجة توقف جزء كبير من الأنشطة الاقتصادية في القطاعات العامة والخاصة، وتوقف البرامج الاستثمارية الحكومية، بما فيها الممولة خارجيا نتيجة تعليق تمويلات المانحين، فضلاَ عن توقف جزء كبير من الاستثمارات الخاصة، وانسحاب أغلب المستثمرين الأجانب، وتوقف صادرات النفط والغاز الطبيعي، وانخفاض الإيرادات الحكومية غير النفطية من الجمارك والضرائب. 
 

ويغذي العنف المستشري وانعدام الأمن والصراعات البينية وتراخي قبضة الدولة وتهالك المؤسسات العامة، الانكماش الحاصل في الاقتصاد اليمني مع انخفاض إجمالي الناتج المحلي السنوي بنسبة 2% في عام 2021، متراجعاً إلى ما يقرب من نصف مستواه قبل نشوب الصراع الدائر منذ العام 2015. 
 

وفي حالة انحسار القتال الفعلي، يتوقع صندوق النقد الدولي العودة إلى تحقيق نمو اقتصادي متواضع بنسبة 2% تقريباً في العام 2022، بالرغم من انعدام اليقين، إلى حدً كبير، بشأن تطور النزاع. 
 

المحلل الاقتصادي معين الحداد يرى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المعضلة الأساسية في اليمن تكمن فيما نتج عن هذه الحرب والصراعات البينية المتعددة من نهب واسع النطاق طال ثروات ومقدرات البلاد، وأفرزت كيانات وجماعات وسلطات اعتمدت على الجبايات وتجارة الوقود والعملة والدعم الخارجي في توطيد تواجدها وتكوين ثروات مالية لتوسيع نفوذها وتمويل أجندتها في تغذية استمرار الصراع الذي يضمن بقائها. 
 

وتركزت الأضرار على مستوى القطاعات بشكل كبير في الإسكان، حيث تعرضت ما بين 40 و60% من الوحدات إما لأضرار جزئية بما نسبته 40% أو تدمير كامل بنحو 1.5%، حسب بيانات رسمية. 
 

كما تضررت قطاعات التعليم والصحة والنقل والمياه والصرف الصحي بشكل خطير، إذ تراوح إجمالي الأضرار بين النقل 31% والصحة 40%، في حين تأتي مدينة صعدة في المرتبة الأولى بين المدن من حيث أعلى نسبة من الأضرار التي لحقت بالأصول المادية حيث تضررت 67% من منشآتها، بينما يبرز قطاع الطاقة الأكثر تضرراً على مستوى الوضع التشغيلي. 
 

الباحث الاقتصادي جمال راوح يؤكد لـ"العربي الجديد"، أن الحرب استنزفت اليمن بشكل واسع وأدت إلى قطع أهم شريان اقتصادي يغذي الموازنة العامة للدولة والمتمثل بعائدات النفط والغاز وتبعات ذلك في توقف دورة حياة اليمنيين مع انقطاع رواتب الموظفين المدنيين، إضافة إلى تهاوي القطاعات الخدمية كالكهرباء والصحة والتعليم ونظام الرعاية الاجتماعية وتبخر فرص العمل، ناهيك عن الانقسام المالي والنقدي المدمر وفقدان قيمة الريال اليمني بنسبة تصل إلى أكثر من 120%. 
 

كما يعاني معظم اليمنيين من فقدان سبل العيش وصعوبات الحصول على الخدمات العامة وانقطاعات في التيار الكهربائي لمدة تتراوح بين 12 و23 ساعة في اليوم، حسب بيانات رسمية. 
 

(العربي الجديد) 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر