مشاريع الطرق: منافذ لتبديد الأموال في اليمن

[ وعورة الطرق في اليمن (أحمد الباشا/فرانس برس) ]

في الوقت الذي يعاني اليمن من دمار واسع في البنية التحتية وخطوط سير مدمرة ومتهالكة، تنتشر مشاريع كثيفة تتركز في إعادة ترميم طرق وشوارع داخل المدن الرئيسية والتي تستهلك تمويلات ضخمة خلال سنوات الحرب الماضية.

وتثير هذه المشاريع عديد التساؤلات بالنظر إلى عدم جدواها الاقتصادية والتنموية، إذ يجري في بعض المدن رصف وترميم بعض الشوارع أكثر من مرة في العام الواحد والتي تشاهد اختلالات في موسم الأمطار وما يرافقها من سيول داخل المدن تجرف معها ملايين الدولارات المهدرة في مشاريع هشة ينخرها فساد كبير وتبديد متواصل للأموال.

ويؤكد الخبير في مشاريع الطرق، المهندس زاهر السلامي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن معظم التمويلات الدولية والصناديق المالية اتجهت منذ بداية الحرب لتخصيص تمويلاتها في مشاريع الطرق خصوصاً داخل المدن، وذلك بسبب أهميتها كما يرونها كمشاريع كثيفة العمالة.

وتعمل مكاتب استشارية، كما يؤكد السلامي، على تحديد وتخصيص وتفصيل هذه المشاريع والقيام بالإجراءات الفنية والاستشارية التي تطلبها وتحديد المؤسسات المنفذة بالتنسيق الكامل المشترك مع بعض الجهات العامة كمشروع الأشغال العامة والصندوق الاجتماعي للتنمية، على بعض الجهات العامة مثل صندوق صيانة الطرق، والتي ترتبط بشكل مباشر بالممولين الدوليين والمكلفة منذ بداية الحرب الدائرة في اليمن على استيعاب محافظ التمويلات لبعض المؤسسات والصناديق العربية والدولية.

ويبلغ إجمالي طول شبكة الطرق البرية في اليمن بحسب الإحصائيات الرسمية نحو 50 ألف كيلومتر منها 16 ألف كيلومتر طرق معبدة "إسفلتية"، و36 ألف كيلومتر عبارة عن طرق ترابية "حصوية" وعرة، أوضاعها ما بين سيئة إلى ضعيفة نظراً لما تعانيه من ترد في التصاميم الهندسية وقلة وضعف الصيانة.

وضيقت الحرب في اليمن الخناق على المواطنين والمناطق والمدن اليمنية التي تسببت في تجزئتها وتقطيعها مع تغير خطوط السير الرئيسية واستحداث طرق بديلة وعرة وجبلية شاقة.

ويتساءل أحمد المشولي، أحد السائقين العاملين على خط يصفه "بالموت البطيء"، عن الجهات الحكومية والمانحين الدوليين من هذه المعاناة التي يقاسيها غالبية سكان اليمن من مواطنين وتجار ومختلف المجتمع.

ويلفت في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أنه يتم هدر مبالغ مالية طائلة في استبدال "إسفلت" شوارع بعض المدن الرئيسية والمحصورة في صنعاء وعدن فقط ومشاريع لا جدوى منها داخل المدن بينما يتم التغاضي عن أهم مشكلة يعاني منها اليمنيون وهي إصلاح وصيانة طرق السير بين المدن والتي تستحق إعطاءها الأولوية في أي تمويلات دولية مقدمة لمساعدة اليمن.

وتسببت أزمة الطرق في ارتفاع تكاليف المواصلات والنقل التجاري والتي تزيد في مثل هذه الأيام أكثر من 200% عن الأيام العادية، وذلك في خطوط السير الرئيسية كتلك التي تصل بين صنعاء وعدن، إذ تكلف الرحلة على هذا الخط للمسافر الواحد نحو 17 ألف ريال (الدولار = نحو 600 ريال في صنعاء) في طرق مستحدثة وعرة وصعبة تجعل الرحلة تمتد إلى أكثر من 12 ساعة متواصلة، وفي الوقت الذي وصلت فيه أجرة الرحلة من وإلى محافظة حضرموت (جنوب شرق) إلى أكثر من 22 ألف ريال في رحلة على طريق خطرة تستغرق أكثر من 18 ساعة.

وتشمل تأثيرات تدهور الطرق بين المدن والمناطق اليمنية تفاقما مع خطوط نقل البضائع عبر الخطوط الرئيسية مثل خط العبر الممتد من الوديعة المنفذ الحدودي مع السعودية من الجهة الجنوبية الشرقية إلى مختلف المدن الرئيسية والذي يمر عبر أربع محافظات للوصول إلى صنعاء شمال اليمن أو عدن جنوباً مروراً بمحافظات تشهد توترات ومعارك عسكرية مثل مأرب والجوف.

ويشكو تجار ومسافرون على الطرق الداخلية الوعرة الرابطة بين المدن والمناطق اليمنية وكذا بين منافذ الاستيراد والتنقل عبر المدن، من التجاهل المتعمد الذي يظهره أطراف الصراع في اليمن من قطع للطرقات الرئيسية الرابطة بين المناطق الرئيسية مثل الطريق الذي يربط مدينة تعز بمنفذها الشرقي عبر منطقة الحوبان.

وتعتبر هذه الطرق التي كثير منها مدمرة ومهمله ومجزأة، شبكة رئيسية للإمدادات الغذائية والدوائية ونقل المسافرين.

ويؤكد الباحث الاقتصادي، عمار القليسي، أن مشاريع الطرق داخل المدن الرئيسية والتي يدور حولها جدل واسع يتم إسنادها لما يسمى بمقاولي الباطن أو لفئة جديدة من الأعمال في مجال المقاولات تكونت بفعل الحرب، والتي تعمل بدون أي رقابة عامة أو من الجهات الممولة، إذ تتعدد منافذ الفساد في مثل هذه المشاريع، إذ تستهلك العمليات الاستشارية والخبراء الفنيون جزءا كبيرا من المبالغ المرصودة لهذه المشاريع.

ويضيف أن مشاريع الطرق الكبيرة تتطلب مؤسسات حكومية فاعلة تستوعب ما يتم تخصيصه من قروض وتمويلات دولية لإصلاح الخطوط الطويلة، إذ إنه في ظل هذا الوضع الذي تسببت فيه الحرب وتعدد السلطات على امتداد الطرق وخطوط السير في مختلف المدن اليمنية أدى إلى نفور المؤسسات الدولية من تمويل هذه المشاريع المكلفة وتوجيهها إلى مجالات أخرى.

العربي الجديد
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر