مع تدهور القطاع الخاص باليمن.. هل تسدّ الحكومة الفجوة؟ (تقرير)

[ البنك المركزي بعدن ]

تحدّيات متكرّرة يواجهها القطاع التجاري الخاص في اليمن؛ منها عدم توفّر البيئة الاستثمارية الآمنة، وعدم حماية رؤوس الأموال من المخاطر الناتجة عن الحرب التي ترافق رحلة البضائع من المنافذ الحدودية للبلاد حتى وصولها للمنشآت التجارية في الداخل.

ومؤخراً برزت تحديات جديدة فرضتها أطراف الصراع؛ كمضاعفة رسوم النقل البحري والنقل الداخلي، واستحداث نقاط جمركية جديدة، وفرض إتاوات، إلى جانب التقطّع للقوافل التجارية في الطرق بين المحافظات.

واستحدث الحوثيون ما تسمّى بـ "مكاتب الرقابة الجمركية" في محافظات البيضاء، وذمار، وعمران، وصنعاء؛ بهدف إعادة كافة الإجراءات الجمركية، ودفع رسوم جديدة بنسبة 100%، دون الاعتراف بالإجراءات والرسوم التي دفعها التجار في المنافذ البرية والبحرية الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية.

- احتضار

الصحفي المتخصّص في المجال الاقتصادي، فاروق الكمالي، يرى أن القطاع التجاري في اليمن يواجه أياماً سوداء، وأنه دخل مرحلة الاحتضار.

وفي تصريح لـ "الخليج أونلاين"، لفت الكمالي إلى أن التجار "يعانون إجراءات قوات التحالف (الذي تقوده الرياض) التعسّفية في الموانئ من ناحية، ومن ناحية أخرى لجوء الحوثيين إلى التضييق عليهم، وإجبارهم على دفع رسوم ضريبية مضاعفة لتمويل أنشطة الجماعة وتغطية عجزها المالي".

وأكّد الكمالي أن شاحنات التجار "تتعرّض للابتزاز، وفرض إتاوات غير قانونية في الحواجز الأمنية على طول الطرقات من الموانئ إلى المدن"، مشيراً إلى أن مليشيا الحوثي "لجأت إلى تعويض النقص في الموارد من خلال ابتزاز التجار باعتبارهم البقرة الحلوب".

وكشف الكمالي عن احتجاز سفن بعض التجار الذين يستوردون الأغذية والأدوية لقرابة ثلاثة أشهر في المياه قبالة ميناء عدن جنوبي البلاد؛ بانتظار تصريح قوات التحالف بالدخول إلى الميناء، رغم أنها تحمل سلعاً أساسية.

واعتبر الكمالي أن إجراءات التحالف وقرارات الحوثيين بزيادة الضرائب على التجار، بنسبة وصلت إلى 200%، "ستؤدّي إلى إغلاق العشرات من الشركات، وهروب الكثير من كبار التجار إلى الخارج"، كما حدث العام الماضي؛ حيث هاجر عشرات من رجال الأعمال إلى سلطنة عمان وتركيا وماليزيا ودبي، في حين بات صغار التجار على وشك الإفلاس.

ويشكو التجار من احتجاز بضائعهم في المنافذ الجمركية الجديدة التي استحدثها الحوثيون، خصوصاً في محافظات إب وذمار والبيضاء، مستهدفين كافة الشاحنات القادمة عبر ميناء عدن والمنطقة الحرة وميناء نشطون ومنفذ الوديعة ومنفذ شحن، وهي منافذ تسيطر عليها الحكومة الشرعية.

وتابع الكمالي: "هروب رؤوس الأموال من كبار التجار وإفلاس صغار التجار يعني مزيداً من البطالة، وسيفقد العمال وظائفهم وأعمالهم، كما أن قرار منع استيراد السيارات وبعض قطع الغيار ومنظومة الطاقة الشمسية عبر موانئ عدن والمكلا سيؤدّي إلى ارتفاع أسعار السلع التي تم حظر استيرادها".

وكان التحالف أقرّ مؤخراً منع استيراد مواد قيل إنه يمكن استخدامها عسكرياً، ما أثار سخطاً في الوسط التجاري والمستهلكين للمواد الممنوعة، خاصة منتجات الطاقة الشمسية، في ظل انقطاع الكهرباء ودخول فصل الصيف.

وفي آخر إحاطة له، نهاية فبراير 2018، اعتبر المبعوث الأممي السابق إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ، أن تفاقم النزاع أدّى إلى اتّساع الأزمة الاقتصادية والإنسانية؛ ما جعل الوضع الإنساني في اليمن من الأسوأ في العالم.

وأشار ولد الشيخ إلى أن العام 2017 شهد تراجع قيمة الريال اليمني بما يقارب 50%، وترافق ذلك مع ارتفاع حادٍّ في الأسعار، ما أثّر في التشغيل المتفاوت للموانئ، وأعاق وصول المواد الأساسية. وقال إن هذه العوامل أثّرت بشكل مباشر في القطاع الخاص وفي رواتب القطاع الحكومي، وتنامت ظاهرة الضرائب غير الرسمية، ما يزيد من تردّي الوضع الإنساني.

- محاربة القطاع الخاص

في مطلع أكتوبر 2017، قالت الغرفة التجارية بصنعاء إن عدة قضايا تهدّد وجود القطاع الخاص، وفي مقدمتها الإجراءات التي يمارسها عدد من المصالح الحكومية، وعلى رأسها مصلحة الجمارك.

أحد رجال الأعمال في صنعاء اشتكى مما سمّاه "محاربة القطاع الخاص" من قِبل التحالف والحكومة الشرعية والحوثيين، والسعي للإجهاز على البيوت التجارية مقابل تفريغ السوق التجارية لأسماء جديدة.

وأضاف رجل الأعمال، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، في تصريح لـ "الخليج أونلاين"، أنه والوسط التجاري يدفعون تكلفة باهظة نتيجة الروتين في الإجراءات، وتأخير وصول البضائع من قبل التحالف، ما يحمّلهم تكاليف إضافية وغرامات وأحياناً تلف البضائع.

وبعد وصول البضائع إلى الموانئ، يضيف المتحدث، تبدأ عملية الاستغلال وفرض رسوم جديدة وعرقلة مرور البضائع بعد خروجها من الميناء عبر نقاط التفتيش التابعة للحكومة ثم نقاط الحوثيين.

ويتابع: "حين تصل للمخازن بصنعاء تستمرّ معاناتنا؛ ندفع الجمارك والضرائب وغيرها من الرسوم لأكثر من مرة، ونتعرّض للابتزاز، فإما أن ندفع ونخسر، أو نتوقّف عن نشاطنا التجاري".

ويشير رجل الأعمال إلى أن المستهلك ينظر إلى تجار القطاع الخاص باعتبارهم جشعين ولا يراعون وضع المواطن، في حين أن التجار يتعرّضون لخسائر ومخاطر عديدة نتيجة عملهم في ظل الحرب.

وتابع: "تعرّضت بعض مواقعنا للاستهداف، وفقدنا بعض سيارات التوزيع، ولا يوجد أي تعويض، وهذا يكبّدنا خسائر متكرّرة، بل نتعرّض للمضايقات نتيجة مطالبنا بتوفير بيئة مناسبة، وكل طرف يحسبنا على الآخر".

واعتبر رجل الأعمال أن نشاط القطاع الخاص التجاري بالغ الأهمية في ظل انهيار مؤسّسات الدولة، ولذلك فهم يواصلون نشاطهم دون البحث عن أسواق خارجية في الوقت الحالي، مؤكّداً أنه "في حال استمرار استهداف القطاع التجاري لن نكون قادرين على الاستمرار، وستنتهي بذلك آخر فرص الحياة للمواطنين العاملين في القطاع الخاص والمستهلكين للبضائع الأساسية التي ستنعدم".

وطالب الحكومة الشرعية بالقيام بواجبها المسؤول تجاه رجال الأعمال، والتوصّل إلى آلية تحمي حقوق الجميع، وتفصل بين العمل التجاري والصراعات السياسية والعسكرية الجارية، قبل أن "تقع الفأس في الرأس" وتصبح الحكومة غير قادرة على تغطية الفراغ نتيجة العجز الذي تعانيه منذ سنوات.

وبالنظر إلى وضعها الحالي، لا تبدو الحكومة اليمنية قادرة على سدّ أي فجوات يمكن أن يتركها القطاع الخاص، حيث لم تتمكّن بعدُ من الانتظام في دفع رواتب موظفي الدولة وتفعيل دور البنك المركزي، الذي نقلته إلى عدن ولم تنجح في تلبية احتياجات المواطنين الأساسية، ومنها ضبط أسعار المشتقّات النفطية والغاز المنزلي والمواد الغذائية، إلى جانب السيطرة على سعر العملة المحلية.

وأدّت الحرب التي يشهدها اليمن إلى تهاوي الاحتياطي النقدي الخارجي، وانهيار الاقتصاد، ودفعت ثمنه البنوك اليمنية الحكومية والتجارية والخاصة، التي وجدت نفسها غير قادرة على إخراج الأموال لتغطية التزاماتها أمام البنوك الخارجية المراسلة، فضلاً عن إحداثها أزمة السيولة الحادّة من العملة المحلية.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر