هوامش على قصيدة المقالح «أعلنتُ اليأس»: كيف نقرأ الشعر تحت وقع الحرب؟

أثارت قصيدة «أعلنتُ اليأس» للشاعر اليمنيّ عبدالعزيز المقالح، والمنشورة مؤخرا على صفحته في «فيسبوك»، كثيرا من ردود الفعل تجاوزت القصيدة إلى الشاعر… وصولا إلى إنكار أن القصيدة للمقالح، وبعضهم أطرّ ظرف كتابة القصيدة في سياق شخصي؛ فتكرر نشر القصيدة في مواقع ومجموعات التواصل الاجتماعي، باعتبارها آخر ما كتبه الشاعر ناعيا فيها نفسه، وهو على سرير المرض، بينما القصيدة ليست كذلك والشاعر أيضا؛ إذ مازال المقالح يذهب، يوميا، إلى مكتبه في مركز الدراسات والبحوث اليمني في صنعاء، فيما القصيدة لا علاقة لها بالنعي أو الرثاء، بل هي تشخيص لواقع وطن هو اليمن تحت الحرب.
 
«حتى إن كانت هذه القصيدة كُتبت قبل الأحداث الراهنة؛ فالشعر العظيم هو الذي يبقى صالحا لكل زمان، وبناء على هذا تجدنا، حتى اليوم، مازلنا نقرأ قصائد امرئ القيس والمُتنبي، كما يتم استحضار قصائد البردوني وغيره»، تقول الناقد الأكاديمية اليمنيّة مُنى المحاقري» لـ«القدس العربي»، معتبرة ما وصفته بمحاولات التشويش على مسار قراءة القصيدة من قبل أنصار الحرب، «هو أسلوب ليس غريبا تجاه المقالح الذي تعرض للكثير، انطلاقا من مكانته وتأثيره في اليمن، علاوة على أهمية القصيدة وتعاملها مع موضوع الوطن بشكل مختلف عما اعتدناه في قصائد المقالح، حيث تعامل هنا مع الوطن المسلوب والمفقود؛ فجاءت القصيدة أشبه بالخنجر في وجه مثيري الحرب، وكل من مزّق الوطن وتدينهم جميعا؛ ولذلك اعتقد أنها كانت جديرة بما أثارته من ردود فعل ضمن حملة متواصلة تستهدف الرجل في سياق الحرب».
 
ويوضح آخر: «لقد أرادت الحرب الذهاب بقراءة القصيدة بعيدا عن معناها الذي يدين الحرب ولا يبرّئ كل زعمائها؛ فكان لابد من تحويل مسار الوعي بها من الوطن إلى ذات الشاعر، مستغلين خصوصية مواقع التواصل الاجتماعي، واعتياد معظم الرواد على التلقي والتفاعل السريع مع الآلام الفردية أكثر من الآلام العامة، لاسيما عندما يتعلق الأمر بصحة المقالح؛ وبالتالي فبمجرد ما قدّموا للقصيدة بأنها آخر ما كتبه الشاعر على فراش المرض؛ فإنهم بذلك اعتقدوا أنهم فتحوا بابا لقراءة أخرى للنص، بل منحوا النص جواز عبور سريع لقراءة عاطفية عابرة، وهو ما تفاعل معه الكثير بحسن نية للأسف».
 
قراءة الشعر
 
فيما أعرب الروائي اليمنيّ المُقيم في لندن همدان دماج رئيس تحرير مجلة «غيمان» عن استغرابه من قراءة البعض للقصيدة وتحميلها ما لا تحتمله وقال: «للأسف لم يعد هناك إلا قلة ممَن يقرأون الشعر كشعر ويتفاعلون معه كشعر، بدون الانشغال بتحميله مواقف أغلبها سطحي لا علاقة لها بالشعر».
 
القراءة الإسقاطية
 
خالد الأهدل، وهو محاضر الأدب الشعبي والنقد الحديث في كلية تربية زبيد جامعة الحُديدة/غرب اليمن، يقرأ الإشكالية من زاوية أخرى معتبرا أن ما حصل لقصيدة المقالح ليس انحرافا بقراءتها، «بل هو نمط من أنماط القراءة يسمى (القراءة الإسقاطية)، يتم في هذا النمط الانطلاق من الحيثيات الخارج نصية وإسقاطها على النص، ولي عنق النص للاستجابة للأحكام القبلية الجاهزة.
 
من الواضح أن مرض الشاعر وشيخوخته استخدمت كموجهات لقراءة القصيدة، بينما كان الأفضل استنطاق النص وقراءته، من خلال الصور والعلامات النصية مع الأخذ في الاعتبار السياق الفني والموضوعي الذي يسبح فيه النص».
 
وأشار الأهدل إلى تأثير الحرب على طبيعة قراءة المجتمع للأحداث والنصوص أيضاَ… وقال لـ«القدس العربي»: «لا شك في أن الأديب والمثقف عموما والناقد الأدبي خصوصا هو كائن اجتماعي يتأثر ويؤثر في محيطه، والواقع المزري الذي نعيشه هذه الأيام له أبلغ الأثر في توجيه سلوكنا وقدرتنا على التركيز، وغيّر الكثير من قناعاتنا، وكل هذا ينعكس بالطبع على مستوى قراءتنا للأحداث والنصوص وغير ذلك».
 
المتلقي النموذجي
 
فيما اعتبرت الناقدة الأكاديمية منى المحاقري رئيسة تحرير مجلة «المَجَمع العلمي اللغوي» اليمنيّ أن هذه الإشكالية قديمة وتمتد للعصر الجاهلي… وقالت: «الأنظار معلقة على المقالح في ظل ما يمر به اليمن من صراعات سياسية يمثل فيها المقالح صوت السلام والاعتدال.. وفيما يتعلق بالتعرض لصحته فهو يعكس حب المجتمع اليمنيّ للرجل وأيضا يعكس قصورا في الوعي لدى كثير من المتلقين للأدب؛ فالمتلقي القارئ غير النموذجي، ونحن لسنا أمام قراء نموذجيين في الغالب، وإنما أمام متلقين يفسرون النص تفسيرا مباشر بعيدا عن التأويل والعمق».
 
ما صدر من ردود أفعال تجاه القصيدة يعكس الحال المتردية التي وصلت إليها علاقة الناس بكل شيء حتى بالشعر… وهو ما يؤكد ما وصل إليه المثقف العربي في علاقته بالثقافة وإصراره على التبعية العمياء للسياسي، وكأنه يقر بوظيفته في خدمة السلطة، ومن أجل هذا يتبنى الثقافي مواقف السياسي في علاقته بالثقافي؛ فيكون المثقف بذلك هو خصم إبداع المثقف سياسيا… وهنا الخطورة في نجاح السياسي العربي في تدجين المثقف وتحويله لأداة من أدواته التي يخاصم بواسطتها الثقافة والإبداع والحرية.
 
ونقتطف من قصيدة المقالح المقطعين الأخيرين:

أنا ليس لي وطنٌ/أفاخر باسمهِ/وأقول حين أراه:/فليحيا الوطنْ/ وطني هو الكلماتُ والذكرى/وبعضٌ من مرارات الشجنْ/باعوه للمستثمرين وللصوص/وللحروبِ/ومشت على أشلائهِ/ زمرُ المناصب والمذاهب والفتن. صنعاء…/يا بيتا قديما/ساكنا في الروح/يا تاريخنا المجروح/والمرسوم في وجه النوافذ/والحجارة/أخشى عليك من القريب/ ودونما سببٍ/أخاف عليك منكِ/ ومن صراعات الإمارة.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر