كنت كلما أصل إلى مفترق "يريم" قادماً من صنعاء في طريقي إلى عدن أتوقف في المفترق لأقرر أي الطريقين أسلك.
 
كثيراً ما كانت تدفعني مشاعر قوية تجعلني أحول مقود السيارة نحو يسار الطريق المتجه نحو "بنا" على الرغم مما يمنحه طريق سمارة من متعة للمسافر، بمناظرها البديعة، وشواهقها التي تطل على أودية عميقة تحجبها السحب في كثير من الاحيان.
 
يأخذك الطريق بروعته والذي تتصالح فيه المتعة والخوف، فلا تشعر إلا وانت في "الدليل"، ليبدأ حوض إب الواسع بكل ما يزخر به من طبيعة وبنيان.
 
ولكن، حينما يتوجب عليك أن تختار طريق السفر جنوباً نحو عدن، غالباً ما يكون لـ "بنا" طعم مميز ونكهة خاصة. بمجرد أن تبدأ لوحة "خاو" بالظهور على قارعة الطريق يكون ذلك إيذاناً ببدء الرحلة على طريق صنع التاريخ على حواشيه معالم لا يمكن أن تزول من الذاكرة.
 
على طول الطريق الذي يتوزع بين السهل والجبل لا ترى بلدة أو قرية إلا ويسكنها صديق ممن يشكلون جزءاً من لوحة العمر بكل ما سجل عليها من أحداث، وحينما تتذكر المزيد من الأصدقاء تضطر أن تذهب بخيالك إلى ما وراء الجبال المحيطة بالوادي حيث تنام ذكريات لقاءات لا يزال طعم "السبايا" في الصباح الباكر يوقظ في الروح مشاعر لا يمكن للأيام أن تمحوها.
 
لا تذكر ثورة سبتمبر إلا وذكر معها حوض "بنا" بمنضاليه ومبدعيه وقادته، ولا تذكر الحركة الوطنية إلا وكان "بنا" المخزن الهائل الذي تدفق منه الرواد الذين أكسبوا الحركة قوة الصمود في مواجهة الاستبداد، ولا يذكر العمران إلا وكان أبناء هذه المنطقة في الطليعة، ومعه يأتي الصوت القادم من قلب الوادي:

في سبيل اليمن ثرنا وضحينا
وانتصرنا لصوت الشعب والثورة
 
هذا الجسم الحي الذي شكل على الدوام الجناح الذي حاول أن يحلق باليمن ليستقر به في المكان الذي يليق به، كم حاولوا كسره، لكنه ظل يقاوم، وكل مرة كان يخرج أكثر قوة وتماسكاً، ويستمر الوعيد القادم من غبار التاريخ:

وادي بنا والدور عليك واجي
والمسألة بيد حمود وناجي
 
الحوثيون اليوم وهم يستلهمون تجارب من سبقوهم في محاولة كسر "بنا"، لن يفلحوا، سيخرج منتصراً بكفاحية أبنائه وما يحملونه على أكتافهم وفي ضمائرهم من وفاء لتاريخهم الوطني، والأيام بيننا!!
 

*من صفحة الكاتب على فيسبوك

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر