ليس من تحدث كمن عايش


فكرية شحرة

حكاية، كحكاية المعلم الذي قضى نصف عمره في تعليم الأجيال، وتخرج على يديه مئات من مختلف التخصصات، حتى جاء اليوم الذي تلقى فيه سبابا مهينا أمام تلامذة صفه، حين رفض إلقاء دروس حول ولاية آل البيت ومحبة الحسين، وتعرضه للشتم ووصفه بـ"الداعشي" المرتزق، لأنه رفض تلويث عقول الطلاب بخرافات الإمامة...
 
حكاية كهذه، لا تصيب الكثير بالصدمة. فهذا شأن غير جدير بالصراخ والتحليل!
 
جرائم القتل الوحشية، يتم تناقلها على أوسع نطاق بالتنديد والاستنكار والرفض؛ وجرائم الفكر الإرهابية، لا ترى ذات الحماس أو الاهتمام!
 
تلويث العقيدة، وتعبئة العقول بالخرافة، وتنشئة الأجيال على العبودية...، قضايا ليست مثيرة للدراما بما يكفي ..!!
 
هذا التجريف الممهنج لعقول تلاميذ المدارس، وغرس نبته الطائفية، التي ستحرق المستقبل كله، أيضا حدث طبيعي يفرضه الأكثر اقتدارا واهتماما بموضع قدمه!
 
الأقلام، التي تشتعل في مواقع التواصل كالنار في الموقد، لقضايا: إما أن تكون تافهة، أو أنها لا تعنينا عن قرب، تبدو كنيازك وأجرام تمرق من سماء هذا الوطن وتنطفئ في بحار جهله؛ لا تعني شيئا لساكني أرض الواقع ويومياته التعيسة..!
 
هذه الأحداث، لا يهم أثرها الافتراضي على حياة الناس، فلا أثر لها فعلا..!
 
كل الأخبار؛ عن السياسة، وعن أخر المنشقين من ذيل الحوثي، وصدمات الأحداث التافهة المرسومة بعناية- كظهور مقال سفاح الصحفيين في صحيفة أقلقت العالم حول اختفاء صحفي..؛
 
كل تصريحات الساسة والمسؤولين، وتسريبات الغرف المظلمة، وهرطقات المبعوثين والمدفونين، وكل الدخلاء في إهاب الجسد اليمني...؛
 
سطوة الدولار، وانتفاضة الريال اليمني، والمبشرات، والانتكاسات- لا تعدو كونها أساطير مصاحبة للحرب اليمنية لا نعلم هل هي حقيقة أم خيال..؛
 
كل هذا، لا يعني شيئا، أمام نضوب الماء من أحياء مدينة مسكونة بآلاف البشر..؛ لا يعني شيئا، أمام أيام تقضيها الأسر بلا غاز منزلي ولا بديل ممكن.  
 
رعب نضوب الماء، ترتعش له فرائص أهالي إب، أكثر من أصوات الرصاص الزاحف عبر المواجهات المحتملة في نواحيها القريبة..
 
الجوع والخوف، في أحياء الحديدة، تجعل الموت الحل الأمثل، فمعايشة الحرب أسوأ الأمور الفتاكة بالأمل.
 
أزمة الغاز المنزلي، المتفاقمة في إب، تشتعل في كل بيت لهبا، لا يطهو طعاما أو يسد جوعا!
 
يوميات دامية، من الفقر والحاجة ورعب الأسعار، هذه هي الحرب الحقيقية.
 
البون شاسع، بين النخبة المتحدثة باسم هذا الوطن، وبين أولئك الذين يرزحون تحت نير الحرب اليومية في المعيشة وانفلات الحقوق والأمان.
 
هذا التباين، لن ينتج عنه سوى مزيدا من الثرثرة، لدى الجانب الأول، حول قضايا محورها معاناة الجانب الثاني..  وتستمر الحكاية ..
 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر