يمضي الرئيسُ اليمني عبد ربه منصور هادي أوقاتا صعبة في الرياض هذه الأيام، وينتظر بيأس كبير فرصة عودته إلى العاصمة السياسية المؤقتة، عدن، التي لا يبدو أنها تلوح في الأفق، مقارنة بالفترات السابقة التي اضطر خلالها إلى البقاء في العاصمة السعودية لأسباب عديدة، أحدها وأهمها بالطبع الفيتو الإماراتي.
 
غادر الرئيس هادي مدينة عدن في الثالث عشر من شهر آب/ أغسطس المنصرم، متوجهاً إلى القاهرة، في مؤشر على بدء مرحلة جديدة من استقرار سلطته ونفوذه، أو هكذا فُهم، إذ أصبح بإمكان تحالف الرياض-أبو ظبي أن يدعي بأن الرئيس هادي يمارس سلطاته بحرية كاملة وبدون وساطة أو حجر أو ارتهان.
 
وأشيع أن واحدا من أهداف زيارة الرئيس هادي هو التعاطي مع وساطة مصرية لتطبيع العلاقة بينه وبين رجل الإمارات القوي محمد بن زايد، على قاعدة التفهم الكامل لطموح هذا الأخير وأطماعه في الجغرافيا اليمنية، في ظل استمرار التوتر.
 
وإلى جانب هذا الهدف، كان هناك هدف معلن آخر لزيارة الرئيس اليمني إلى القاهرة، ويتصل بجهوده الرامية إلى لململة شتات المؤتمر الشعبي العام بعد مقتل زعيمه علي عبد الله صالح على يد حلفائه الحوثيين، في الرابع من كانون الأول/ ديسمبر 2017 في صنعاء، وأملاً في الاستفادة من هذه التركة السياسية المبعثرة في تأمين حامل سياسي يتكئ عليه الرئيس في التعاطي مع استحقاقات المرحلة المقبلة.
 
لم يعد الرئيس هادي إلى عدن، بل عاد إلى الرياض، ليستقر فيها دون أية مؤشرات بشأن إمكانية عودته إلى عاصمته السياسية المؤقتة، خصوصاً وأن مناسبة عيد الأضحى المبارك كانت تقتضي وجوده في مركز الدولة؛ في ظل فراغ هذا المركز من رموز السلطة الشرعية وأعمدتها الأساسية.
 
فقد كان غريباً حقاً أن تخلو المدينة من هؤلاء جميعاً، بمن فيهم رئيس الحكومة الدكتور أحمد عبيد بن دغر، الذي كان قد سبق الرئيس في الذهاب إلى الرياض، تحت مبرر معلن هو إدارة اللجنة الرئاسية المكلفة بالرد على مقترحات المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن جريفيث. ولكنه اليوم يجد نفسه أمام خيار الاستقالة التي قوبلت برفض من الرئيس والرياض في آن واحد، بعد أن واجه تعنتاً لا يمكن احتماله مصدره النفوذ الطاغي لأبوظبي في عدن والمحافظات الجنوبية.
 
من المؤسف أن الرئيس هادي ينساق وراء مخطط التحالف الذي يرمي إلى إعادة بناء واجهة السلطة الشرعية، عبر فرض شخصيات من النظام السابق؛ عرفت بعدائيتها تجاه ثورة الحادي عشر من شباط/ فبراير 2011، وهو مخطط سينتهي بالتأكيد بالاستغناء عن الرئيس هادي نفسه، وإن كان الهدف الآن ينصب على إخلاء الشرعية من حواملها الأساسيين من شخصيات وأحزاب وتنظيمات وجيش وطني.
 
قد يبدو الرئيس هادي مجبراً على تنفيذ هذا المخطط، لكن من الخطأ الفادح أن يتواطأ الرئيس في لعبة تحالف الرياض-أبوظبي مجدداً، وهو يرى بأم عينيه أن سلوك هذا التحالف على الأرض يكشف عن تحولات جوهرية في مواقفه؛ أساسها وجوهرها تمييع سيادة الدولة اليمنية، والسعي الحثيث نحو فرض النفوذ المباشر على أجزاء مهمة من الجغرافيا اليمنية، على نحو ما نرى في محافظتي المهرة وسقطرى.
 
لم يعد يفصلنا على موعد انعقاد جولة مشاورات جنيف سوى خمسة أيام، وهي فترة لم تعد تسمح بالتوقعات الكبيرة، فهي إن انعقدت فلن تحقق شيئاً، لكن ما يهمنا هو أن السلطة الشرعية تذهب إلى جنيف وهي في أسوأ حالاتها وفي أضعف مواقفها.
 
قد يبدو هذا الكلام مجافياً للواقع في ظل التقدم الميداني الذي يحرزه الجيش الوطني، لكن الحقيقة تقول إن التقدمات العسكرية الجزئية في بعض الجبهات، تظل منفصلة عن الشرعية من حيث التوظيف السياسي المباشر، رغم التزام الجيش الوطني باحترام الشرعية وبالقتال تحت رايتها.
 
الرئيس مستهدف من التحالف ومنصبه الرئاسي الذي يمثل ذروة سيادة الدولة اليمنية، يجري توظيفه بشكل وقح من جانب السعودية والإمارات في تمرير أهدافهما الجيوسياسية، وفي مقابل ذلك تتعز القناعة لدى الدولتين بعدم جدوى الاستمرار في دعم الشرعية، وضرورة توجيه المعركة نحو الأهداف المباشرة.
 
لذا واجه الرئيس ورئيس حكومته صعوبات كبيرة خلال عودتهما الأخيرة إلى عدن، فما إن عادا إلى المدينة حتى بدأت سلسلة الاغتيالات والتفجيرات والانفلات الأمني؛ الذي اتضح جليا أنه انفلات ممنهج ويجري توظيفه لأهداف من بينها تقويض الأسس الضرورية للعاصمة السياسية المؤقتة عدن وفي مقدمتها الأمن والاستقرار، والخدمات الجيدة، وتجريف المشروع الوطني الاتحادي عبر الاستهداف المباشر للشخصيات السياسية والناشطين والدعاة وأئمة المساجد والطيف الواسع من مؤيدي الشرعية في المدينة.
 
*عربي21

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر