الضالع: هكذا أصبحت مدينة "دمت" السياحية في عهد الميليشيات

[ حولت الميليشيات الإنقلابية مدينة "دمت" السياحية بمحافظة الضالع إلى مدينة أشباح (يمن شباب نت- خاص) ]

 

على مر السنوات الماضية ظلت "مدينة دمت"- شمال محافظة الضالع، قبلة للزائرين باعتبارها واحدة من أهم المدن السياحية باليمن لما تتمتع به من مياه بخارية طبيعية، ما جعلها تستقطب الآلاف من  الزوار والسياح سنوياً، ليس من مختلف محافظات الجمهورية فحسب، بل ومن شتى بقاع المعمورة.

وللسبب ذاته، كانت قد تحولت إلى سوق تجاري كبير، أنعش الحياة الاقتصادية في البلاد عموما، ولدى أبناء المدينة خصوصا، وغيرهم الكثير ممن استغلوا ميزتها السياحية وأتوها للاستثمار من مختلف أرجاء الجمهورية.

 واليوم، بعد عام واحد فقط من سيطرة الميليشيات الانقلابية واحتلالها وإدارتها، أصبح حال هذه المدينة السياحية يرثى له وقد تحولت إلى "مدينة أشباح" كأقل وصف متاح أمام من يسكنها أو حظا بزيارتها مؤخرا.

"دمت" اليوم، تحضر فيها الميليشيا ويغيب عنها السياح، كما تسيطر عليها الثكن العسكرية عوضا عن المعالم السياحية. الأمر الذي يجعلها واحدة من أجلى الشواهد لما تعرضت له السياحة من ضربة قاصمة في شتى أنحاء اليمن تحت ظل حكم الميليشيات الانقلابية.

الأهمية الاستراتيجية

على الخريطة اليمنية، تبعد مدينة "دمت"- شمال محافظة الضالع، بحوالي 214 كم عن العاصمة اليمنية صنعاء، التي يسيطر عليها الانقلابيون، بينما تبعد حوالي 195 كم عن مدينة عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة الشرعية.

 ويمثل موقعها الاستراتيجي أهمية كبيرة، كونها ترتبط بشبكة طرق تربطها بأربعة أقاليم، هي: اقليم سباء من جهتها الشرقية؛ وإقليم عدن جنوباً، وإقليم أزال شمالاً، وإقليم الجند غرباً.

[caption id="attachment_16813" align="aligncenter" width="600"]deamt-volcano

الحرضة البركانية، أحد أبرز معالم مدينة "دمت" السياحية[/caption]

"دمت" الجديدة في عهد الميليشيات  

في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، استولت مليشيات الحوثي والمخلوع على مدينة "دمت"، بعد معارك ضارية مع رجال الجيش الوطني والمقاومة الشعبية في محور مريس-جبن-دمت. بعدها، لم تلبث كثيرا -أقل من عام واحد- حتى تحولت إلى مدينة أشباح، وبسطت الفوضى سيطرتها عليها، في كافة الجوانب.

حوالي 80 ألف نسمة كانوا يقطنون مديرية "دمت"، منهم قرابة 20 ألف في مدينة "دمت" مركز المديرية. لكن ذلك كان قبل أن تحتلها الميليشيات، أما اليوم فقد لا تجد فيها حتى نصف هذا العدد تقريبا، بعد أن نزح الكثير منهم وفر أخرون بجلودهم، البعض لتفادي مآسي الحرب، والبعض الأخر هربا من التنكيل والانتهاكات الكبيرة والمتنوعة والتنكيل والجرائم التي تمارسها/ومازالت تلك الميليشيات الانقلابية.

جملة واسعة من الجرائم ارتكبتها الميليشيات في حق عدد من السكان، تنوعت بين القتل المباشر، والاعتقالات، والتعذيب في المعتقلات حتى الموت، وتفجير المنازل المملوكة لمن يقاومونهم، أو يعتبرونهم معارضين لتوجهاتهم، أو بعض من يرفضون تواجدهم، فضلا عن فرض رسوم باهضة وجبايات وإتاوات على التجار والمستثمرين ومالكي المزارع، جميعها غير قانونية، وتحمل مسميات عدة، أبرزها دعم ما يسمى "المجهود الحربي"، و "الخُمُس"، وأخرى باسم الحماية، ودعم الأنشطة والفعاليات الدينية والمذهبية والسياسية التي تقيمها الميليشيات الحوثية سنويا..

ومن أفظع الجرائم المشهودة، والتي ما زالت تشكل ذكرى أليمة ومرعبة حتى اليوم، ما ارتكبته الميليشيات الانقلابية في 19 يناير/كانون الثاني، حين أقدمت على تفجير أكثر من 25 منزلا لخصومها.

وهو حدث أرعب المدينة وسكانها، مظهر الوجه الأكثر قبحا وبشاعة وحقدا للميليشيات، التي لم تكتفي بتفجير تلك المنازل فحسب، بل أعقبت جريمتها بسلسلة إجراءات جائرة لإخضاع وإذلال المدينة، كان أبرزها قرار اعلان حالة الطوارئ على سكان قرية الحقب، التي يشتهر معظم أبنائها بالمدنية والثقافة والتعليم. الأمر الذي أثار المزيد من السخط ضد هذه الميليشيات الدخيلة، ورفع من منسوب الرفض لتواجدها بين الحاضنة الاجتماعية.

كيف سلبت الميليشيات روح المدينة؟

أبرز ما اشتهرت به مدينة "دمت" هو تميزها بحماماتها الطبية التي تنبع منها مياه ساخنة طبيعية، والتي يقصدها السواح والزائرون للتطبب كونها تنبع من الجبال والطبيعة الربانية، دون الحاجة إلى تسخينها كما هو حال الكثير مما يعرف بـ"حمامات السخنة" المنتشرة في أرجاء البلاد.

واشتهرت "دمت" بوجود ثمانية حمامات طبيعية، أو ما يعرف بـ"المنتجعات الطبية الطبيعية"، اشهرها منتجع "العودي"، ومنتجع "الأسدي"، والتي اثبت دراسات علمية قدرتها الفائقة في علاج بعض الأمراض الجلدية. الأمر الذي جعلها قبلة للسياحة الداخلية والخارجية.

وفي السابق، كما يعرف الجميع هنا، كانت هذه المنتجعات مقصدا يوميا لألاف الزوار الذين يفدون إليها طوال العام، ولم تكن تخلو منهم يوما كما هو حالها اليوم وقد أصبحت شبه خالية ومهجورة. ويعتقد معظم من يعيشون هنا، أنها على وشك أن تغلق أبوابها، ربما خلال أشهر قليلة.

 وشهدت المدينة تراجعا كبيرا في نشاط القطاعين السياحي والتجاري، وهاجر الكثير من التجار والمستثمرين المدينة تباعا، بعد أن تحولت المدينة إلى ثكنات ومقرات عسكرية لميليشيات الحوثي والمخلوع.

وهو ما يؤكده الصحفي فوزي المريسي لـ"يمن شباب نت" من أن مدينة "دمت" اليوم، أصبحت مشلولة النشاط، ويغيب عنها الجمال الذي كانت تكتسي به.

عدد ممن ألتقينا بهم، معظمهم رفض كشف هويته لأسباب أمنية، يرجعون أسباب ذلك إلى كل هذه الفوضى التي خلقتها أو أتت بها الميليشيات الانقلابية معها إلى هذه المدينة. كما أن مسلسل الانفجارات المتكررة التي تشهدها المدينة، الى جانب المظاهر المسلحة وانتشار ظاهرة البسط والسطو على الأراضي والبناء العشوائي عليها، وغياب النظافة وتكدس القمامة وحكم المدينة بقانون الميليشيات، كل ذلك عمل جنبا إلى جنب على اصابة السياحة والتجارة بمقتل، ناهيك عن أن المدينة أصبحت تفتقر اليوم لأدنى مقومات الحياة الطبيعية. كما يقول الكثير من أبنائها.

لذلك يشدد الصحفي المريسي، خلال حديثه مع "يمن شباب نت"، على أن استعادة المديرية من قبضة الميليشيات "أصبح امرا ضروريا في الظرف الحالي، لما تمثله المدينة من عمق استراتيجي وضرورة اقتصادية".

[caption id="attachment_16814" align="aligncenter" width="600"]deamt-report3

صورة توضح كيف أصبحت فنادق مدينة "دمت" خاوية من النزلاء والسياح بعد أن ضربت الميليشيات السياحة فيها بمقتل [/caption]

المقاومة تناشد الرئيس والتحالف

ومع أن الميليشيات الانقلابية أصبحت اليوم هي المسيطرة على مدينة "دمت" والمتحكمة بها، إلا أن المقاومة ماتزال حاضرة بقوة في منطقة "مريس" المجاورة لها من الجهة الجنوبية، والتي لاذ إليها رجال المقاومة من "دمت"، عقب أن اجتاحت الميليشيات مدينتهم في نوفمبر/تشرين ثاني 2015.

ومن مريس، التابعة لمديرية قعطبة، ترتب المقاومة صفوفها استعدادا لمعركة استعادة "دمت" وتطهيرها من سيطرة الميليشيات وإعادة المدينة إلى عهدها الريادي السابق.

 وعبر "يمن شباب نت"، وجه القيادي بالمقاومة الشعبية بمديرية دمت "معين الشمسي"، المتواجد في جبهة مريس، مناشدة إلى رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي وقيادة التحالف العربي، لدعم وإسناد أبطال الجيش والمقاومة في لواء الصدرين بالضالع حتى يتمكنوا من انجاز مهمة تحرير مديرتي "دمت" و"جبن"، الخاضعتين لسيطرة مليشيات الحوثي والمخلوع صالح، في محافظة الضالع.

واكد الشمسي أن ظلام هذه المدينة لن يدوم طويلاً، مبشراً اهلها بفجر قادم ينهي كل ما احدثته الميليشيات من قتل وتخريب ودمار، ويعيد للمدينة روحها وألقها ونشاطها السياحي والاقتصادي.

[caption id="attachment_16815" align="aligncenter" width="600"]damt-resistance

صورة خاصة بـ"يمن شباب نت"، تنشر لأول مرة، توضح جزء من التدريبات العسكرية التي كانت المقاومة الشعبية تتلقاها استعدادا لمواجهة الميليشيات الانقلابية[/caption]

  وما يجعل من الأمل كبيرا لاستعادة مدينة "دمت"، أن للمدينة ورجالها المخلصين تاريخا نضاليا مشرفا، من خلال مشاركتهم وحضورهم في مختلف الأحداث والبطولات التي شهدتها اليمن قديما وحديثاَ، وتمتعهم بشكيمة قتالية كبيرة تأبى الخضوع أو الاستسلام.  

وكانت "دمت" قد حجزت لنفسها موقعا في الصفوف الأولى، ضمن قائمة الرافضين للانقلاب والمقاومين له والمساندين للشرعية. فبعد أن سيطر الانقلابيون على العاصمة صنعاء، فيما عرف بـ(الانقلاب الأسود)، وبدأوا بالانتشار والتوسع لالتهام بقية الجمهورية، أنشأ الشهيد العقيد/نصر الربية، مع بعض الرجال الأشاوس من المناطق الوسطى، معسكرا تدريبيا بمديرية "دمت" لمواجهة الميليشيات الانقلابية، وقاد عمليته الشهيرة لتحرير معسكر الصدرين، الذي كانت الميليشيات تسيطر عليه وتستخدمه كمركز قيادة لإدارة عملياتها في الضالع، ليتحول - حتى الأن - مركز قيادة للجيش الوطني والمقاومة الشعبية في الضالع.

[caption id="attachment_16816" align="aligncenter" width="600"]deamt-resistance2

صورة خاصة لافراد المقاومة الشعبية بمدينة "دمت" وهم يرفعون علم الجمهورية اليمنية[/caption]

 

 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر