على مشارف الانقلاب الثاني


د. علي الذهب

لا نعلم إن كان الرئيس هادي قد اتعظ من تجربته مع الحوثيين، أم أن طبعه غالب لأي تطبع؛ وبذلك يمكن القول إن ما يعرف بــ" المجلس الانتقالي الجنوبي" ماضٍ في ذات الطريق، الذي سلكه الحوثيون للوصول إلى السلطة، ومن ثم اختطاف الجنوب رويدا رويدا، والدفع بالبلاد إلى وضع انفصالي، لا يستبعد أن يتم وفق تفاهمات بين انقلابيي صنعاء وانقلابيي وعدن، وبدعم قطبي التحالف، وذوي المصالح من الدول الكبرى، التي تمنح كل هؤلاء غطاء استمرار الحرب، وفرض التسوية السلمية.
 
نثير هذه المخاوف، ونحن نتأمل الحركة المتبدلة للأحداث واتجاهاتها، في عدن، وتعز، ومارب، وندرك من يقف وراء الكثير منها، تخطيطا، وتمويلا، وتنفيذا، ومن يحرك الدُّمى، التي تتقافز على خشبة مسرح الأحداث، والهدف من وراء ذلك.
 
في ظل ترهل أداء فريق الرئيس هادي، والارتهان الكامل لدول التحالف، ظهر المجلس الانتقالي الجنوبي، ليشكل خصما قويا إلى جانب انقلابيي صنعاء، واستطاع تكوين قاعدة جماهيرية كبيرة موجهة تحت أي ظرف، وأذرع سياسية وإعلامية تثير الزوابع في أبوظبي، ولندن، والقاهرة، وغيرها، وقوات عسكرية وأمنية لن تظل مكتوفة الأيدي في أي تحرك جماهيري فوضوي يتبناه هذا المجلس، بقطع النظر عن التحكم الإماراتي في هذه القوات عبر قيادة التحالف في عدن؛ فلقد أثبتت الأحداث الماضية، حجم الخطر، الذي تمثله على السلطة الشرعية، والموقف الإمارتي منها أثناء تمردها على الرئيس هادي.
 
 لم تُجدِ قرارات الرئيس هادي، التي اتخذها إزاء أعضاء هذا المجلس، ولم يمكن بعض المحافظين من أعمالهم على النحو المطلوب. فمحافظ عدن، عبدالعزيز المفلحي، الذي عين بدلا عن عيدروس الزبيدي، كاشف الجميع في مؤتمر صحافي عقده بعدن في أغسطس/آب الماضي، وحضره رئيس الحكومة أحمد بن دغر، عن العراقيل، التي توضع في طريق إصلاحاته، بل إن رئيس الحكومة نفسه، يواجه عقبات كثيرة تحول دون فرض السلطة الشرعية في المناطق الجنوبية المحررة، وتوحيد مصدر القرار في مختلف مؤسساتها، ولعل ردود الأفعال العنيفة والموجهة تجاه دعوته بشأن دمج كافة التشكيلات القتالية في الجنوب تحت قيادة وزارة الدفاع، لدليل واضح على حجم التحدي، الذي يواجه السلطة الشرعية في هذه المناطق.
 
في ختام الاحتفال بالذكرى الرابعة والخمسين لثورة 14 أكتوبر 1961، أعلن رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عن تأسيس جمعية وطنية تتكون من 303 عضو، ينتمون إلى محافظات الجنوب فقط، لتمثل هذه الجمعية أعلى سلطة شرعية في المجلس؛ ما يعني أن الجنوب أمام نقطة تحول أخرى، تفرض على الرئيس هادي وحكومته التعامل معها بكافة الوسائل؛ لأن وراء الأكمة ما وراءها؛ فالإعلان عن إنشاء هذه الجمعية، لا يمكن أن يتخذ إلا وتقف وراءه خطوة أخرى، كما أنه لولا التأييد الإماراتي غير المعلن، لما حصل ذلك، بل لا يستبعد أن يكون الجانب السعودي على ذات الموقف.
 
أين يكمن الخطر على السلطة الشرعية في حال نجحت هذه الخطوة؟
لو فرضنا- جدلا- نجاح المجلس الانتقالي في تشكيل هذه الجمعية، في ظل الدعم المادي، الذي سيتمتع به أعضاؤها، فإن ذلك يمثل- بالنسبة للمجلس- بؤر جذب جماهيرية في كل محافظات الجنوب؛ لأن كل عضو سيعمل على تكوين قاعدة شعبية منتفعة تحيط به، تضطلع بأي دور يناط بها، في أي تحرك عنيف يقرره المجلس ضد أجهزة السلطة الشرعية في المحافظات، أو التفاهم مع ممثلي السلطة فيها على التخلي عنها، وذلك على نحو يحاكي نموذج الانقلاب الحوثي، الذي أسقط صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014.
 
قد يذهب البعض إلى القول بأن هذا الطرح مجرد تنجيم، ولكن لو أن هذا الأمر غير وارد، فما قيمة إنشاء هذا المجلس، ولماذا تُرفض فكرة دمج قوات الحزام الأمني وقوات النخبة في المحافظات ضمن قيادة وزارة الدفاع؟ ولماذا تجهض تحركات الحكومة على الأرض، وتوضع العراقيل أمام المحافظين، ثم ألم تصبح عدن مدينة غير آمنة للرئيس هادي؟ ولا يخفى-كذلك- أن بعض ممثلي السلطة الشرعية في محافظات الجنوب، مشكوك في ولائهم للرئيس هادي، ولديهم مواقف رافضة ومعلنة إزاء مشروع الدولة الاتحادية متعددة الأقاليم الذي يتبناه، ولا شك أنهم ينتظرون اللحظة المناسبة، التي يتخلون فيها عنه.
أمر آخر متعلق بالأعمال القمعية، التي يتعرض لها - دون غيره- حزب التجمع اليمني للإصلاح في عدن، التي طالت قياداته، ومقراته، وقواعده الحزبية، لتبدو كما لو أنها عمل تمهيدي استباقي لضرب قوة هذا الحزب في الجنوب، خوفا من أي ردة فعل قد يتبناها، في حال قرر المجلس الانتقالي، اتخاذ خطوات عملية للسيطرة على السلطة، وهي ردة فعل داعمة ومؤازرة للسلطة الشرعية ومنضوية في إطارها.
يدرك متبنو أجندة الانفصال، أن هذا الحزب يمثل حجر عثرة أمام أي مساس بالوحدة اليمنية، أو أي شكل من أشكال الوصاية، التي تحاول دولة الإمارات وغيرها، فرضها على مختلف المجالات السياسية، والاقتصادية، والفكرية، والعسكرية، وما الدفع بمكونات دينية، سلفية وصوفية، إلى الواجهة في الجنوب، إلا أحد تدابير الإحلال الممنهج للقوى الموالية لداعمي الانفصال، محل القوى المناوئة لهم.
 
آخر التطورات، فقدان الجيش الوطني الموالي للشرعية، مواقع له في محافظة شبوة؛ حيث تقدم الحوثيون والجيش الموالي لهم في مناطق من بيحان، وتمكنوا من السيطرة عليها، فيما تشير التحركات المضادة إلى أن قوات لا تخضع لسيطرة الرئيس هادي تحاول التقاط الفرصة لاسترداد هذه المناطق، بما يمكن المجلس الانتقالي من تقوية وجوده في المناطق، التي تقل شعبيته فيها، وما يتبع ذلك من آثار مستقبلية على أهدافه هو ومن يقف وراءه.
 
في إطار أوسع من جغرافيا الجنوب، لكنه ليس ببعيد عن أجندات الانفصاليين وداعميهم الخارجيين، لا يمكن إغفال المحاولات الحثيثة لإفشال نفوذ السلطة الشرعية في محافظة تعز؛ حيث أن محافظها، علي المعمري، لم يتمكن من فرض سيطرته على المحافظة، بفعل التغول الإماراتي، والسعودي- كذلك- في صفوف بعض مراكز النفوذ العسكرية والسياسية، كما أن فصائل المقاومة لم تدمج دمجا حقيقيا وكاملا، تحت قيادة وزارة الدفاع، أما ما تحقق على يد نائب رئيس الوزراء عبدالعزيز جباري، الذي زار تعز في أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، فإنه لم يبلغ مستوى المواجهة، رغم الضجيج الإعلامي، الذي رافق ذلك.

يبقى أمام السلطة الشرعية فرصة أخيرة لتفادي الانقلاب الانفصالي، فأوراق اللعبة مكشوفة، والداعمون معروفون، وليس من سبيل لمواجهة ذلك سوى الإدارة الحكيمة للأزمة.

* باحث يمني في الشئون الاستراتيجية 
حقوق النشر محفوظة "يمن شباب نت"   ©2017 

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر