في الوقت الذي تجرم اتفاقيات الأمم المتحدة تجنيد الأطفال، فإن الحوثيين يأخذون الأطفال من أسرهم، بعد دفع مبلغ من المال لهم، ثم يلقنونهم مبادئهم المنحرفة، بما في ذلك الفكر الطائفي ويقدمون لهم القات مجاناً.

كان مجلس الأمن الدولي وما زال واضحاً في موقفه من الحوثيين، بعد انقلابهم في سبتمبر 2014 على الحكومة الشرعية، فقد أدان هذا الانقلاب وفرض عقوبات متعددة على قادته. ولم يدع المجلس مجالاً للشك في أنه يعتبر حكومة الرئيس هادي الحكومة الشرعية الوحيدة في اليمن. ومع ذلك فقد استمرت بعض وكالات الأمم المتحدة والعاملين بها في التعاون مع الحوثيين والاعتماد على دعايتهم المضللة.

يرد قرار مجلس الأمن 2216 الصادر في 14 أبريل 2015 على ذكر الحوثيين نحو 20 مرة، معظمها في سياق حثّهم على الانسحاب من المناطق التي احتلوها، وتسليم الأسلحة والقواعد العسكرية التي استولوا عليها، "مديناً بأقوى العبارات الأعمال الأحادية المستمرة التي يقوم بها الحوثيون، وفشلهم في تنفيذ الطلبات الواردة في قرار المجلس رقم 2201 لعام 2015، بالانسحاب الفوري وغير المشروط من مؤسسات الدولة، بما في ذلك في العاصمة صنعاء، وتطبيع الوضع الأمني في العاصمة وبقية المحافظات، وتسليم مؤسسات الحكومة المدنية والأمنية، وإطلاق سراح جميع الأشخاص المعتقلين تعسفيا أو من هم رهن الإقامة الجبرية".

وحذرهم القرار الأممي "مستنكراً أي محاولات من قبل الحوثيين للقيام بأي من الأعمال الحصرية للحكومة الشرعية، ومعتبراً هذه الأعمال غير معترف بها". و"معبراً عن القلق بأن مثل هذه الأفعال التي يرتكبها الحوثيون تُضعف عملية الانتقال السياسي، وتعرض للخطر أمن اليمن واستقراره، وسيادته، ووحدته".

وفي هذه الفقرات وبقية فقرات القرار 2216، نجد أن أعلى سلطة في الأمم المتحدة تضع الأسس القانونية للتعامل مع الحكومة ومع الحوثيين، حيث يُفرّق المجلسُ بوضوح بين الحكومة الشرعية اليمنية، التي يعترف لها بجميع حقوق الدولة ومسؤولياتها، وبين المتمردين الحوثيين. 

ومع ذلك نجد أن بعض المسؤولين في مؤسسات الأمم المتحدة، وهم عدد قليل، لا يراعون هذا التمييز الذي وضعه مجلس الأمن بين الحكومة الشرعية والميليشيات، ولا يأخذون بالاعتبار التوافق الدولي والإقليمي حول تغولها على سلطة الدولة، بل يعاملونهما على قدم المساواة. 

ويتعاملون مع دعاية الحوثيين كحقائق يستخدمونها في تقاريرهم عن حقوق الإنسان والمعاناة الإنسانية في اليمن. وهم بهذا يُضعفون مصداقيتهم ويعرضون مهامهم للخطر. وبالإضافة إلى ذلك فإن الاعتماد على دعايات الحوثيين، والتهاون في توثيق انتهاكاتهم لحقوق الإنسان، وجرائم الحرب، قد أعطى الحوثيين قوة معنوية تُغريهم بعرقلة مسيرة السلام التي ترعاها الأمم المتحدة.

ولا شك أن إعطاء الانطباع بشرعية حُكم الحوثيين يتناقض مع مبادئ الأمم المتحدة، كما أنه يُضعف قدرتها على الوساطة للتوصل إلى حل سياسي، وهو الآن يعقد الجهود الكبيرة التي لا تتوقف للمبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد، والتي تهدف للتوصل إلى اتفاق سلام، وفقاً لقرار مجلس الأمن 2216، والمبادرة الخليجية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني.

وما يثير الإشكال على وجه الخصوص هو إعطاء مصداقية لادعاءات الحوثيين بشأن حقوق الإنسان، نظراً إلى تاريخهم في تحدي مبادئ الأمم المتحدة، بما فيها حقوق الإنسان. ففي حين يدعو ميثاق الأمم المتحدة إلى السلام وحل النزاعات بالطرق السلمية، فإن الحوثيين -خلال فترة تتجاوز 10 سنوات– اعتمدوا على العنف لتحقيق أهدافهم، إلى أن وصل بهم الأمر إلى الانقلاب على الحكومة الشرعية في 21 سبتمبر 2014. 

فقاموا بحصار المدن ومنع وصول الإمدادات الإنسانية لها، كما نرى في تعز، وباستهداف المدنيين وتدمير البيوت والمدارس والمستشفيات، كما رأينا في عدن، وبإعدام الأسرى، كما رأينا في ذماج وعمران. وأطلقوا الصواريخ الباليستية على المناطق المدنية المأهولة بالسكان. وقاموا باغتيال خصومهم، أو خطفهم وحبسهم، وإخفائهم عن الأنظار، متقصدين للصحفيين ورجال الفكر والسياسة.

وفي حين أن اتفاقيات الأمم المتحدة تجرم تجنيد الأطفال، فإن الحوثيين يعتمدون على تجنيد الأطفال، حيث يشكلون نحو ثلث قواتهم. ويأخذ الحوثيون الأطفال من أسرهم، بعد دفع مبلغ من المال لهم، ثم يلقنونهم مبادئهم المنحرفة، بما في ذلك الفكر الطائفي والطبقي، ويقدمون لهم القات مجاناً، مما يجعلهم غير مقيدين بوازع ديني أو أخلاقي أو قانوني.
بينما تدعو الأمم المتحدة إلى احترام الديمقراطية وإرادة الشعوب، فإن الحوثيين لا يعترفون بأي منهما، بل يرغبون بالعودة إلى نظام الإمامة، الذي يتميز بنظام طبقي واضح، تحت حكم إمام ديني، يشبه كثيراً دور مرشد الثورة الإيراني. ولكن الغالبية الساحقة من الشعب اليمني ليس له رغبة في العودة إلى حكم الأئمة الذي رزحوا تحته قروناً طويلة إلى أن تخلصوا منه في عام 1961.
بعد الأحداث الدامية في عام 2011، اختار اليمنيون -بمساعدة المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية- طريق السلام والديمقراطية، من خلال حوار وطني شامل وبناء، تم التوصل من خلاله إلى توافق على القضايا الوطنية الرئيسية. وفي عام 2012، اختاروا حكومة انتقالية برئاسة عبدربه منصور هادي تكون مسئولة عن  الحوار وإعداد الدستور والتحضير لانتخابات رئاسية وبرلمانية. ولكن في عام 2014، قرر الحوثيون إيقاف هذا المسار السلمي، والانقلاب على السلطة الشرعية المنتخبة، وكانت النتائج كارثية ولا تزال.

وعندما تنظر إلى هذا السجل المظلم لميليشيات الحوثيين، الذي يتعارض مع المواثيق الدولية ومبادئ الأمم المتحدة، فإنك تعجب كيف يستطيع بعض مسؤولي الأمم المتحدة الاعتماد على دعايتهم الحربية الفجة التي لا تخفى أهدافها على أحد.


*الوطن السعودية 

مشاركة الصفحة:

اقراء أيضاً

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر