من يُقْنِع الديك؟!


محمد جميح

حالة الشك التي يمر بها الحوثيون قاتلة، لم يعودوا مطمئنين لكثير ممن معهم في الصف، وهذه هي حال الجماعات المتطرفة التي تميل بها الكفة نحو العد التنازلي، هي تماماً حالة السجان، الذي أصبح سجين قلقه من انقضاض المسجون عليه، فيبالغ في إحكام مغالق السجن.
 
بيت يحيى الراعي محاصر بثكنات مليشاوية، والمباني المحيطة به ملأى بسلاح متوسط، وحراسته الشخصية منزوعة السلاح، وحراس الحوثي المسلحون هم من ينقلون رئيس مجلس النواب إلى جلسات المجلس تحت حراب بنادقهم، ويظهر الراعي بمظهر طبيعي أمام عدسة قناة المسيرة، التي تخبرنا أن يحيى الراعي عقد جلسة لمجلس النواب ناقش فيها "وسائل رفد الجبهات بالمقاتلين"، قبل أن يعود السجين إلى سجنه، ويرجع السجان إلى شكوكه.
 
يعرف الحوثي أنه منبوذ، ولذا يتصرف بسلوك طفل أناني يدخل اللعبة بشكوكه في أن اللاعبين يريدون إقصاءه منها، وهو يريد أن يفوز على غيره بأي ثمن، وينهي لعبته بالاشتباك مع اللاعبين إذا جاءت النتيجة على غير ما يريد.
 
يأخذ الحوثي الأطفال إلى الجبهات لأنه يشك في ولاء الكبار له، ويعلم أن معظم اليمنيين يرون أن هذه حرب بيت بدرالدين من أجل السلطة والثروة، لا حرب اليمنيين من أجل الدفاع عن الوطن كما تقول قناة "المسيرة".
 
لا ناقة للوطن في هذه الحرب، ولا جمل للشعب فيها، الناقة والجمل للحوثي، الذي يريد أن يحول اليمن إلى بقرة حلوب باسم الله والنبي والآل.
 
وتتجلى وساوس الحوثي في بطشه بحلفائه، لأن الشك قاتل، والذي يشك لا يعالج وساوسه إلا بقتل من يشك فيه، وكلما سال دم الضحايا، زاد منسوب الشك لدى القتلة في المقتولين.
 
وهنا تبدو حركة الحوثي انعكاساً سلوكياً ونفسياً لزعيمها عبد الملك، الرجل الانطوائي الذي يتحدث عنه من يعرفه أنه مصاب بنوع من الوسواس القهري، والشعور بالشك والعدوانية إزاء الآخر، والحقد عليه، ولذا جاءت حركته على "مواصفات القائد الرباني"، أو "الولي" حسبما يحلو لمن يريد أن يغطي على "عُوار" عبد الملك النفسي أن يطلق عليه.
الشك كذلك سبب من أسباب نقض الحوثي للعهود، بالإضافة إلى سبب آخر هو "التذاكي الغبي"، إذ أن الحوثي بعد التوقيع على أي اتفاق تثور في نفسه وساوسه القهرية، حول أن الذين اتفقوا معه قد أوقعوه في "شَرَك"، ثم لا يلبث أن يَنقُض الاتفاق، ويمضي وراء شكوكه إلى المعركة.
 
ولذا تكثر في خطاب الحوثي مفردات تؤشر إلى تلك الحالة المرضية، من مثل: المندسين، الخونة، العملاء، الجواسيس، الطابور الخامس، المنافقين، وغيرها من التهم والتسميات، التي تدل على حالة ربما كان ميؤوساً منها.
 
منشأ الشك لدى هذه الحركة أنها لا شعورياً تعرف أنها تجافي منطق التاريخ بمقولاتها، وأنها تنتمي إلى الماضي بتصوراتها، وتحس أن الزمن يتفلت منها قبل أن تكمل مشروعها، فتزداد شكاً وعدوانية ضد من حولها من حلفاء وأنصار.
 
لو نزع الحوثي عنه شكوكه، لو لبس لباسه، لو ترك تقمص دور "نقاتل في رداع وعيوننا على بيت المقدس"، لو ترك خداع نفسه أولاً، وخداع أنصاره ثانياً لكان شخصاً سوياً، ولنجونا من كارثة الحرب.
 
تصوروا لو لم يقم الحوثي بحماقته في غزو صنعاء، لربما كان الرئيس هادي اليوم قد أكمل فترته الانتقالية، وذهبنا إلى الانتخابات، ولربما أصبح لدينا رئيس جديد، ولنجونا من كارثة الحرب.
 
إنها الحماقة التي مبعثها الشك، جعلت الحوثي الذي يطالب بتغييب هادي عن المشهد السياسي اليوم، جعلته هو من تسبب في طول الفترة الانتقالية، بتفجيره الحرب.
 
كان أحد مرضى الوسواس القهري يتصور أنه حبة قمح، وكان يصاب بنوع من الرعب عندما يرى الديك، إلى أن عالجه طبيب نفسي من هذه الحالة. وفي الجلسة الأخيرة للعلاج قال له الطبيب: هل اقتنعت أنك لست حبة قمح؟
 
قال المريض: نعم لكن أرجوك اقنع الديك!.
يا سادة: أرجوكم، اقنعوا "حبة القمح".
 

*من صفحة الكاتب على فيسبوك

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر