يعد تنفيذ حظر توريد الأسلحة إلى قوات الحوثيين والرئيس القتيل علي عبدالله صالح، واحدةً من أعقد المسائل ذات الصلة بالحرب الدائرة في اليمن، في ظل تنامي القدرات التسليحية لهذه القوات، وتداعيات ذلك على مسار الحرب، ومدتها الافتراضية، ونتائجها، والتهديدات العابرة لحدود بعض دول التحالف العربي المشاركة في الحرب، الناشئة عن أنواع معينة من تلك الأسلحة، كالصواريخ الباليستية التي طاولت عشرات منها أهدافا استراتيجية داخل المدن السعودية.

 ومن ذلك استهداف مطار الملك خالد في الرياض، أوائل نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، ومعاودة إطلاق عدد منها على مناطق أخرى من المملكة، مطلع ديسمبر/ كانون الأول الجاري، واحتمال تعرّض مدن إماراتية لهجمات مماثلة، ولا سيما بعد تهديد الحوثيين بذلك، في منتصف سبتمبر/ أيلول 2017. 

سرّبت وكالة رويترز في الأول من ديسمبر/ كانون الأول الجاري، فقراتٍ من تقرير فريق الخبراء المعني باليمن، التابع للجنة مجلس الأمن المنشأة بالقرار رقم 2140 الصادر في عام 2014 الذي سيناقشه المجلس مطلع عام 2018، تتضمن ما يشير إلى تطابق مواصفات بقايا أربعة صواريخ باليستية، أطلقت على المملكة خلال عام 2017، مع مواصفات الصاروخ الإيراني الصنع "قيام-1"، الذي يصل مداه إلى 500 ميل، ويمكنه حمل رأس حربي تقليدي كتلته 1400 رطل. 

ليس مستبعدا حصول العربية السعودية على هذه النتائج مسبقا، وذلك ما يفسر ارتفاع نبرة اتهامها تجاه طهران وحزب الله، ومسارعتها، عبر قيادة التحالف وقيادة السلطة الشرعية، إلى التشديد على المنافذ البرية والبحرية والجوية، وإعادة النظر في تموضع قوات الشرعية في محافظة المهرة على الحدود مع سلطنة عُمان التي تثار شكوك كثيرة بضلوع موانئها وشواطئها في تسهيل تهريب الأسلحة، القادمة من بعض موانئ عُمان، وفقا لتقرير سابق لفريق الخبراء، ناقشه مجلس الأمن مطلع عام 2017، الذي أشار إلى وجود قنوات تهريب للأسلحة، تبدأ من مدينة ظفار العمانية، مرورا بميناء نشطون، وشواطئ حصوين، وقشن، وقنوات أخرى، تمر بصرفيت، وحوف التي تقع جميعها في محافظة المهرة. 

وقد تضمّن قرار مجلس الأمن رقم 2216، الصادر في عام 2015، إلزام جميع الدول الأعضاء بمنظمة الأمم المتحدة، ومخصِّصا بذلك الدول المجاورة، باتخاذ تدابير فورية لمنع توريد، أو بيع، أو نقل الأسلحة، وما يتصل بها من وسائل التقنية العسكرية، والتدريب، وجلب مرتزقة الحرب إلى صفوف قوات الحوثيين (وصالح)، مع التشديد على مراقبة (وتفتيش) البضائع المتجهة إلى اليمن أو الخارجة منه، حال توفر أسباب معقولة للقيام بذلك.

 وهو ما تضطلع به، إلى حد ما، بعض دول الجوار المنضوية في التحالف، فيما لا يزال موقف دول أخرى منها أو من خارج التحالف، غير معلوم، أو يحتل موقعا في الظل، على الرغم مما تلزمها به مسؤوليتها تجاه صكوكٍ دولية، وإقليمية، ودون إقليمية، غير هذا القرار، تضم في اختصاصها مكافحة تهريب الأسلحة والاتجار غير المشروع فيها، مثل: مدونة سلوك جيبوتي المعدلة في جدة مطلع عام 2017، والتي تختص، مكانيا، بغربي المحيط الهندي وخليج عدن، والبحر الأحمر. 
ما يجري من إمداد أو تسهيل وصول الأسلحة إلى قوات الحوثيين (وصالح)، من دول الجوار، أو بعض دول التحالف نفسه، أمر يتجاوز مسألة الالتزام بالصكوك الدولية أو نحوها، ويتجاوز، كذلك، الأهداف المعلنة المبرّرة لتدخل التحالف في اليمن، بوصفه جزءا أصيلا من اللعبة الخفية للحرب القائمة، ومقاصدها، ومواقف بعض الدول من الأطراف المتحاربة، وخصوصا حزب التجمع اليمني للإصلاح والجماعات السلفية المقرّبة منه، وهو ما يتيح ثغرةً كبيرةً تتسلل عبرها أنواع مختلفة من الأسلحة، والذخائر، والمعلومات الاستخبارية، مع ما تسهم به الجريمة المنظمة العابرة للحدود، والتنظيمات الإرهابية؛ بل لا يستبعد تورّط أفراد أو كيانات منضوية في ما تسمى "السلطة الشرعية"، سواء من قوى الشمال، أو قوى الحراك الجنوبي، والقوى اليسارية المنخرطة في الحرب. 

فعلى الرغم من مرور أكثر من عامين ونصف العام على بدء الحرب، إلا أنها تجري على إيقاع متصاعد، يُظهر تطورا نوعيا في القوى والوسائل والعمليات في جانب قوات الحوثيين (وصالح)، وبما لم يعهده الجيش اليمني قبل 26 مارس/ آذار 2015، فضلا عمّا يبديه الحوثيون من تفوق على حليفهم السابق علي عبد الله صالح، قبل أن يقدموا على قتله، في كل لحظة اختلاف أو تصعيد أو مواجهة مسلحة؛ الأمر الذي يضع دول التحالف ذاته، وأطرافا داخلية، في دائرة الاتهام المباشر، ولن تجد هذه الكيانات والأطراف من يصغي لها وهي تلقي التهمة، كالعادة، على إيران، على الرغم من ضلوعها في ذلك، بحسب تقرير فريق الخبراء المعني باليمن، المقدّم إلى مجلس الأمن، أواخر يناير/ كانون الثاني 2017، ووقائع اعتراض عدد من سفن وزوارق تهريب الأسلحة الإيرانية خلال الخمس السنوات الماضية. 

من شواهد ما استدعى هذا الجدل، ما أثارته مصادر صحافية دولية، في أواسط عام 2016، حول حصول الحوثيين على 12 زورقا، تستغل في الهجمات البحرية قبالة الساحل الغربي لليمن، على الرغم من خضوعه لمراقبة وحداتٍ من البحرية المصرية، منذ إعلان التحالف عن عملية "إعادة الأمل" في إبريل/ نيسان 2015، إلى جانب دورها في مراقبة الموانئ اليمنية في البحر الأحمر، وتأمين حركة الملاحة البحرية جنوبي السويس وباب المندب، وفقا لتصريح صحافي منسوبٍ إلى قائد القوات البحرية المصرية، في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، وتقرير فريق الخبراء الأممي المعني باليمن، والذي أفاد، في يناير/ كانون الثاني 2017، بتلقيه خطابا من الحكومة المصرية، يفيد بمشاركة قواتها البحرية في المهام نفسها داخل هذا القطاع. 

على نحو متصل، أورد تقرير فريق الخبراء السابق، اسم تاجر سلاح يمني، يشغل منصب وزير دولة في حكومة سلطة الأمر الواقع في صنعاء، يحمل جواز سفر دبلوماسيا، يتيح له التنقل بحُرية كاملة داخل منطقة شنغن، وكان ضمن تحركاته خلال عامي 2015 و2016، دخول مصر، ويأتي ذلك، وفق مصادر أخرى، في ظل ما يتمتع به من علاقات متينة ومتشابكة مع كبار رجال أعمال مصريين. 

ما يلفت الانتباه، عدم تعرّض أي من السفن الحربية المصرية لأي هجوم صاروخي أو بواسطة قوارب مفخّخة، مسيّرة عن بعد، على نحو ما تعرّضت له سفن حربية أو سفن دعم لوجيستي إماراتية وسعودية، وبعض السفن الأميركية، قبالة الساحل الغربي لليمن، في البحر الأحمر، وإحجام وسائل الإعلام الحوثية عن مهاجمة مصر، خلافا لما تتعرّض له بقية دول التحالف. 

في اتجاه آخر، وفي ظروف حربٍ طويلةٍ كهذه، لا يستبعد تسرُّب أنواع مختلفة من الأسلحة، والذخائر، ووسائل النقل، من صفوف قوات الشرعية، إلى قوات الحوثيين وصالح، عن طريق ما تسمى "السوق الرمادية"، وهي سوق افتراضية، تختلف عن السوق السوداء؛ حيث تنشأ بفعل تسرب أسلحةٍ من مخازن الجيش إلى أيدي جماعاتٍ مسلحةٍ مناوئة، أو جماعات تتاجر فيها. وهي حالة ممكنة في ظل الفساد الذي ينخر جيش السلطة الشرعية وفصائل المقاومة الشعبية، وفي غياب الرقابة والمحاسبة، وتعدّد الولاءات الحزبية، والمناطقية، والمذهبية، وتزايد الأنشطة الاستخبارية للحوثيين (وقوات صالح) داخل صفوف هذه القوات. 

لعل مما يؤكد هذا الطرح، استعراض الحوثيين، في سبتمبر/ أيلول 2017، أرتالاً من مركبات آلية رباعية الدفع، وفي طليعتها مركبات مدولبة خفيفة التدريع، تماثل ما في حوزة المقاومة الجنوبية الخاضعة للقيادة الإماراتية. وقد كان أقرب تفسير إلى الواقع، أن أفرادا من المقاومة الجنوبية قاموا بتسريبها إلى الحوثيين، قبل بضعة أشهر من هذا الاستعراض، عبر سماسرة سلاح، ينشطون في منطقة قعطبة على حدود ما قبل 1990. ومما يزيد ذلك تأكيدا، وجود عدد منها تحت إمرة قادة عسكريين حوثيين، يرابطون في الساحل الغربي، عند مناطق التماس مع المقاومة الجنوبية، وفي الامتداد المقابل باتجاه جبهة ميدي شمالا. 
ويمكن الإشارة إلى شحنة الأسلحة التي ضبطت في مطلع يناير/ كانون الأول 2017، في المناطق الخاضعة للسيطرة المشتركة بين جيش الشرعية وقوات الحزام الأمني الخاضع للقيادة الإماراتية، عندما كانت في طريقها إلى قوات الحوثيين وصالح؛ ليس ذلك فحسب، بل شرع الحوثيون (في ظل تأزم علاقتهم مع حليفهم صالح) في توجيه اتهاماتٍ بحصوله على أسلحة إماراتية، لتكوين ما سمّي "جيش النخبة الصنعاني"، على غرار سياستها في المحافظات الجنوبية؛ حيث تمكّن صالح من إنشاء معسكر تدريبي خارج صنعاء، أطلق عليه اسم أحد ضباط الحرس الجمهوري، الذين قضوا في معارك على الحدود مع السعودية، هو العقيد حسن الملُصي، وقد برز هذا المعسكر في الوقت الذي كانت فيه قوات المقاومة الجنوبية المدعومة من الجيشين، الإماراتي والسوداني، تحرز تقدما في الساحل الغربي، مقتربة من مدينة المخا الساحلية، مطلع العام الجاري 2017. 

هكذا تظل مسألة تنفيذ حظر وصول الأسلحة إلى قوات الحوثيين وصالح، فجوة مدركة، لا تعمل على توسيعها دول الجوار غير الداخلة في التحالف فحسب، بل وبعض دول التحالف، وأطراف أخرى ضمن مكونات قوات الشرعية، لتبدو الحالة كما لو أنها متلازمة تاريخية بالحروب الطويلة الناشبة في اليمن، والتي كانت منها الحرب بين الجمهوريين والملكيين (1962-1970)؛ حيث كان زعماء القبائل جمهوريين في النهار، ملكيين في الليل، يجري السلاح في أيديهم من كل أطراف الحرب، كما عبّر عن ذلك الكاتب البريطاني فريد هاليداي في كتابه "الصراع السياسي في شبه الجزيرة العربية". وبالمثل، كانت الحروب الستّ التي دارت بين نظام الرئيس السابق، والقتيل في 4 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، علي عبدالله صالح، والمتمردين الحوثيين (2006 - 2010)؛ حيث قاتل فيها الحوثيون جيش الدولة بأسلحته المسربة من مخازنه، ومن صفوف مقاتليه غير المنضبطين.


*العربي الجديد

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر