غياب المسؤولية الأسرية في التربية


نسيم القواس

منذ أن أصبحت التكنولوجيا جزءا من سكان البيوت اعتمد عليها الآباء والأمهات في القيام بمهمتهم الأساسية أو بعضا منها وهي تربية أطفالهم وتنشئتهم وفق القيم والأخلاق التي تحصنهم من تفاعلات ثورة التكنولوجيا ومتغيرات الواقع.

الأسرة هي المدرسة الأولى في تربية الصغار التربية الصحيحة الغنية بمفاهيم المسؤولية والثقة ومبادئ الخير والتسامح وحب الآخرين، وإذا تخلت عنها أو قصّرت في أداء هذه المهمة النبيلة لن تغنيها غيرها من المؤسسات المدنية والمجتمعية بما فيها المدرسة.

هناك خلط حد المبالغة في فهم طبيعة الوسائل والبرامج الناتجة عن ثورة التكنولوجيا ومنها وسائل الإعلام واعتبار كل محتواها هادف سواء كانت موادا ترفيهية أو تعليمية أو تربوية مع أن النظرة الواقعية تقتضي التعاطي معها وفق مقياس المصلحة بحيث يُستفاد من الايجابي ويُترك السلبي.

هذه إشكالية حقيقية تعكس غياب المسؤولية لدى الآباء والأمهات في فهم دورهم الأساسي نتج عنه خلل كبير في التربية يمكن رؤيتها في سلوك العصيان وسوء الأخلاق والكراهية والنظرة المتربصة بالآخر وغيرها من السلوكيات التي مجال إصلاحها يبدأ بإعادة الدور الأول والمحوري للأسرة في التربية بعيدا عن أي عوامل مساعدة أخرى.

التلفزيون لا يمكن أن يحل مكان الأب أو الأم في تربية الطفل وتعليمه كيف يأكل أو يحترم من هم أكبر منه سنا ولا تستطيع كل برامجها مهما كانت هادفة وناجحة أن تشبعه بالحنان المطلوب والكافي وتعريفه بجوانب الخير والشر لأن التربية قدوة عملية قبل أن تكون نماذج محاكاه بعيدة يمكن مشاهدتها في الشاشات فقط.

إذا أخذنا المسلسلات التاريخية أو العاطفية كمثال على فكرة غياب المسؤولية الأسرية في التربية سنرى أن الأم أو الأب يقضي ساعات طويلة في متابعة حلقاتها بشغف واهتمام وتركيز يأخذ من التزاماته الأخرى.

وعندما يكون وقت الأم في مشاهدة هذه المسلسلات أو التلفزيون أكثر من وقتها مع أطفالها في تربيتهم أو متابعة دراستهم أو تقييم سلوكهم اليومي لاشك أن النتيجة كارثية على الأبوين والأولاد معا ليس أقلها خلق الفجوة وسوء الفهم بين الطرفين.

مثال آخر هو مواقع التواصل التي أخذت الناس للعالم الافتراضي حتى عندما يتلقون في الواقع تحولت هي الأخرى إلى بديل عن التواصل المباشر والحوار وطلب الخدمات كما لو كانت الأسرة تعيش بعيدا عن أبنائها.
واحدة من سلبيات التطور أن الناس ينسون الماضي أو يفترضون أن المنتجات الجديدة تشابه ما ألفوه وعرفوه في السابق وعلى هذا الأساس يثقون ثقة عمياء في التلفزيون أو مواقع التواصل ويعتبرون تسليم أولادهم إليها دون تعليمات أو ملاحظات يساعدهم في التربية وتحمل المسؤولية.

لو قارنا بين المسلسلات الكرتونية القديمة ومسلسلات اليوم لوجدنا الاختلاف كبير، فقديما كانت تنشر القيم وتعلم الأطفال الخير والسلام والإيثار وحب الغير وكذلك التفكير والاعتماد على النفس إلى جانب اهتمام الأمهات ومتابعة تربيتهن لهم قبل إن تغزوا التكنولوجيا منازلهم وينشغلوا بها عنهن  وينشغلن أيضا بها عنهم، بالإضافة إلى تلك العادات السيئة التي أصبحت عادية وفي كل بيت بعد أن كانت نادرة الحدوث و ينظر إليها المجتمع بعين الريبة كمجالس القات والشيشة وغيرها.

نحتاج أن نقف قليلا ونتساءل أي جيل سيأتي وهو يقضي أغلب وقته في متابعة مسلسلات خيالية وقصص خارقة وأبطال لا واقع لهم إلى الجانب الكثير من الغزو الفكري الذي تبثه تلك المسلسلات ويتربى عليها أبنائنا.

وإلى متى سيهملن بعض الأمهات مسؤولياتهن ويحصرن تربيتهن لأبنائهن على  توفير سبل الراحة والطعام والشراب لهم ويتغافلن عن التربية الحقيقة التي ستؤثر بعقول أبنائهن وابنائهم والأحفاد.

وإلى متى يظن الآباء أن مسؤوليتهم تنحصر في توفير المسكن والاحتياجات التي تستمر بها الحياة.

نحتاج أن نقف قليلا عند قول الرسول الكريم" كلكم راعى وكلكم مسؤول عن رعيته" ونرعى أطفالنا كما يجب  ونربي العقول قبل الأجساد لنصنع جيل مثقف واعي لا تؤثر فيه وعليه الأحداث التي تغزوا العالم وخاصة العالم العربي و الإسلامي.

مشاركة الصفحة:

آخر الأخبار

اعلان جانبي

فيديو


اختيار المحرر